أميركا تصفّي حسابها مع روسيا في أوكرانيا

WSv8G.jpeg
حجم الخط

بقلم هاني عوكل

 

 

للمرة الثانية يزور وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أوكرانيا ويلتقي رئيسها فولوديمير زيلينسكي، وسط أنباء زفها الأخير للشعب الأوكراني وللوزير الأميركي عن استعادة جيشه بعض المناطق التي كان يسيطر عليها الروس في جنوب أوكرانيا وشرقها.
زيارة بلينكن تزامنت بالضبط مع الاجتماع الشهري لمجموعة الاتصال الدفاعية الأوكرانية التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية ويشارك فيها وزير الدفاع لويد أوستن مع نظرائه من دول حلف «الناتو»، وهو اجتماع دوري يهدف إلى ضخ المساعدات العسكرية لكييف وتقييم الميدان.
الوزيران بلينكن وأوستن حملا معهما دعماً خاصاً لأوكرانيا من أجل الحفاظ على صمودها في وجه القوات الروسية، ولولا الدعم الأميركي السخي لكييف لكانت الأخيرة في وارد الاستسلام ورفع «الراية البيضاء» للجانب الروسي.
لا يهم الولايات المتحدة كم ستقدم من المال لأوكرانيا طالما وأن الحرب ليست على أراضيها، وطالما أنها معركة استنزاف من شأنها إضعاف روسيا عاجلاً أو آجلاً، إذ حتى هذه اللحظة بلغ حجم المساعدات الأميركية لأوكرانيا ما يزيد على 15 مليار دولار منذ الحرب الروسية أواخر شهر شباط الماضي.
خلال لقائه الرئيس الأوكراني زيلينسكي، كشف وزير الخارجية الأميركي عن تقديم بلاده مساعدة عسكرية إضافية بقيمة 2.7 مليار دولار لكييف وجيرانها من أعضاء حلف شمال الأطلسي، والموضوع منسجم مع ربط حلف «الناتو» بالقاطرة الأميركية وخنق موسكو بالحلفاء الاستراتيجيين لواشنطن.
بالنسبة لواشنطن فهي تعرف من «أين تؤكل الكتف» وتعلم تماماً أن كل دولار أنفقته وتنفقه على أوكرانيا وأصدقائها ستحصل عليه «الدبل»، ذلك أن هذه النوعية من الشراكة تعني بالضرورة التبعية الأوروبية لواشنطن في السياسة والمال والاقتصاد.
أهم مكسب بنظر الولايات المتحدة هو إدامة الحرب وإبقاء أوكرانيا تحت الصمود، ويُفضّل بطبيعة الحال أن تحقق تقدماً عسكرياً على روسيا في بعض محاور القتال أو توقف التقدم الروسي نحو استعادة أراض أوكرانية جديدة.
واشنطن تراهن على عدة عوامل لوقف الحرب الروسية على أوكرانيا، أولها تأفف الرأي العام الروسي من عدم تحقيق انتصار ملموس، وبالتالي تعالي الأصوات التي تطالب بوقف الحرب وسط الحديث عن حجم الكُلف التي يدفعها المواطن الروسي من أجل قتال لا طائل منه.
العامل الثاني يتعلق بإطالة أمد هذه الحرب الاستنزافية لجر موسكو نحو أزمات اقتصادية صعبة، مع تحديات مسلسل توريد الطاقة الروسية للدول الأوروبية، وإيجاد مخارج لفك الارتباط التدريجي عن كل ما يتصل بتصدير المنتج الروسي للغرب.
أما العامل الثالث فيحمل بُعداً استراتيجياً من قبيل أن كل حجم النفقات التي دفعتها روسيا في الحرب على أوكرانيا ستجعلها تفكر ألف حساب في مسألة التوسع الدولي وبناء قواعد عسكرية في دول حليفة، وإعادة التفكير في إيجاد أسواق بديلة للمنتج الروسي بعد سياسة إغلاق الأبواب الأوروبية.
عدا عن خسارة الآلاف من الجنود، ذكرت مجلة «فوربس» الأميركية أن روسيا خسرت من بداية الحرب في 24 شباط الماضي وحتى 24 آب من نفس العام 16.56 مليار دولار نتيجة فقدها أكثر من 121 ألف قطعة من المعدات العسكرية.
وتشير المجلة إلى الخسارة الأكبر لموسكو فقدانها السفينة الحربية «موسكفا» التي تقدر قيمتها حوالي 750 مليون دولار، في حين سبق لمجموعة «سيتي» الأميركية للخدمات المالية أن قالت إن حرب روسيا على أوكرانيا تكلف الأولى من 250 إلى 300 مليون دولار يومياً.
بعد الحرب على أوكرانيا، لا مفر أمام روسيا سوى الاستدارة عن أوروبا الغربية وتعويض الخسارة بإيجاد شراكات جديدة مع دول آسيوية وأفريقية وتوسيع القائم منها، خصوصاً وأن الولايات المتحدة تضغط على دول الاتحاد الأوروبي لفك كل أنواع الشراكات مع موسكو.
إذا ظلت الحرب هكذا بين كرّ وفرّ، ولم تحقق روسيا إنجازات عسكرية ملموسة في الميدان الأوكراني، فعلى الأرجح أن الولايات المتحدة قد تكون على طريق إبطاء صعود روسيا قمة النظام الدولي، تمهيداً لوضع خطط وسيناريوهات للتنين الصيني من أجل إبطاء صعوده هو الآخر إلى قمة هذا النظام.
هذا ما تريده الولايات المتحدة الأميركية بالضبط، أن تظل مهيمنة على النظام الدولي إلى أطول فترة ممكنة، والأهم أن تبحث عن الأدوات التي تجعل منافسيها يفتحون النار على جيرانهم بأعواد الثقاب التي ترميها واشنطن. حدث ذلك مع روسيا وربما سيحدث الأمر لاحقاً مع الصين.