الضغط على دوّاسة الغاز لتحييد "حزب الله"

الون بن دافيد.jpeg
حجم الخط

بقلم: الون بن دافيد

 

 




تدخل إسرائيل ولبنان، هذه الأيام، الى المصاف الأخير من المفاوضات على ترسيم الحدود البحرية. إذا لم تظهر عوائق في اللحظة الاخيرة، فإن السنة الجديدة قد تجلب معها بشرى اتفاق لا تقل أهميته الاستراتيجية لإسرائيل عن أهمية اتفاقات ابراهيم بل وتفوقها.
في نهاية هذا الاسبوع تدرس إسرائيل عرض الوساطة الأخير الذي جلبه المبعوث الأميركي، عاموس هوكشتاين. تبدو الفجوات بين الطرفين ضيقة، وظاهراً يبدو أنه يمكن الوصول في غضون اسابيع الى اتفاق على ترسيم الحدود البحرية بين الدولتين، اتفاق سيرسم ايضا تغييرا دراماتيكيا في ميزاننا الاستراتيجي.
ستكون هذه هي المرة الاولى التي توقع فيه الدولتان اتفاقاً بينهما، منذ وقع "اتفاق السلام" مع الرئيس الجميل في 1983 والذي لم يصمد ولو سنة. لن يكون الاتفاق المتبلور الآن اتفاق سلام ولا حتى عدم قتال. ولكن اذا ما حظينا برؤية مندوبي حكومة لبنان يصلون الى الناقورة، ويوقعون على اتفاق مع المندوبين الإسرائيليين، فسيكون هذا هو التغيير الاكبر في علاقاتنا مع لبنان منذ عشرات السنين.
ابدت إسرائيل مرونة في المفاوضات، ووضعت عرضاً هو ربح للطرفين (Win-Win). وحسب العرض الإسرائيلي يعدل خط الحدود بحيث يبقى كل حقل الغاز كاريش وكذا هامشه الأمني في الطرف الإسرائيلي، ويكون كل حقل قانا في الطرف اللبناني. والفكرة هي خلق ميزان مستقر: ستكون الطوافة اللبنانية أمام الطوافة الإسرائيلية. ويعرف كل طرف بأن المس بطوافة الطرف الآخر سيؤدي أيضا الى ضياع ذخائره من الغاز.
قضى المبعوث الأميركي، الأسبوع الماضي، في باريس مع رجال شركة "دوتال" التي يفترض أن تحفر حقل الغاز اللبناني. وحثهم هوكشتاين على أن يبكروا بالأعمال قدر الإمكان كي يجسدوا للبنانيين ما الذي سيخسرونه اذا لم يوقع اتفاق. وبالتوازي، توجه رئيس الوزراء، يئير لابيد، أيضا الى الرئيس الفرنسي، عمانويل ماكرون، وطلب منه هو الآخر ان يحث شركة الطاقة. فانتاج الغاز في الطرف الإسرائيلي سيبدأ في منتصف الشهر القادم.
حقل الغاز، الذي اكتشف في البحر، هو الضوء الأخير الذي تبقى في النفق المظلم لدولة لبنان. انتاجه هو الأمل الوحيد والأخير للبنان ليعود ليكون دولة تؤدي مهامها. اما بالنسبة لإسرائيل فتوجد هنا إمكانية كامنة للفوز بجائزة اكبر بكثير من استنفاد بئر الغاز الهائل الذي اكتشف في كاريش: اذا ما بدأت الدولتان تتمتعان بالتوازي من مقدرات الغاز، فهذا سيعطل دراماتيكياً دوافع "حزب الله" للاحتكاك بإسرائيل.
فضلاً عن ذلك، اذا رأينا في السنوات القادمة طوافتين تقفان الواحدة قبالة الأخرى فثمة احتمال لا بأس به لتثبيت ميزان ردع اكثر استقراراً حيال "حزب الله" ولبنان. واذا ما تجرأنا على أن نحلم للحظة، فيمكن أيضا أن نتخيل حالة تستخدم فيها إسرائيل ولبنان أنبوب الغاز ذاته كي تلبيا الطلب في أوروبا، نوع من الشراكة الإسرائيلية – اللبنانية.
تخرج هذه الرؤيا "حزب الله" عن صوابه: فالحكومة التي هو نفسه مشارك فيها توشك أن توقع على اتفاق مع الإسرائيليين كريهي نفسه. لكن "حزب الله" هو أيضا يفهم بأنه اذا افشل الاتفاق واعتبر أنه من سلب لبنان مستقبله وحكم عليه بالفقر الخالد فانه سيفقد تماماً قاعدته السياسية في المجتمع اللبناني. في الوقت الحالي، يرفع مستوى الوتيرة في نباحه وتهديداته، لكن ليس مؤكداً انه سيتجرأ على العض أيضاً.
تبين مؤخراً ان الرؤيا المثالية هذه تخرج أيضا بعض الإسرائيليين عن صوابهم، مثل رجال منتدى "كهيلت" الذين يدعون بأن الاتفاق المتبلور ليس قانونياً. ورفع رجال "كهيلت" الى محكمة العدل العليا مطالبين بان يطرح كل اتفاق يوقع مع لبنان على المياه الاقتصادية على استفتاء شعبي. تقضي الفتوى التي أعدتها المستشارة القانونية للحكومة، غالي بهرب ميارا، بأن الاتفاق على ترسيم خط الحدود في المياه الاقتصادية لا يندرج ضمن قانون الاستفتاء الشعبي كما يدعي الملتمسون. وتعتقد المستشارة انه يمكن الدفاع عن هذا الموقف في المحكمة.
لكن ما يقلق الآن أكثر من الاستفزاز الغبي لرجال "كهيلت" هو ما سيفعله "حزب الله" في الزمن المتبقي حتى التوقيع على الاتفاق. يوم الاحد سيتغير قائد المنطقة الشمالية، حيث سيسلم اللواء امير برعم القيادة الى اللواء اوري غولدن، وهي في حالة متحفزة حتى اقصى المدى لاستقبال استفزاز من "حزب الله" لطوافة كاريش.
يقدر اللواء المنصرف برعم، بخلاف الكثيرين في الجيش الإسرائيلي، بأن "حزب الله" سيكون حذرا من خوض مغامرة من شأنها أن تؤدي به الى مواجهة واسعة وضياع احتمال ان يتمتع لبنان بمقدرات الغاز. ويقدر برعم بانه اذا ما عمل "حزب الله" فسيكون هذا بطريقة متوازنة ومقنونة مثلما تميز عمله في السنوات الأخيرة بحيث لا يعرضه لخطر التدهور الى مواجهة. شيء ما على نمط مسيرات التصوير التي بعث بها في تموز. رغم ذلك، فان قيادة الشمال مثل سلاح الجو وباقي المنظومات في الجيش الإسرائيلي ستبقى جاهزة للقتال.
الى أن يتبين أنه يوجد او لا يوجد اتفاق، ستمر بضعة أسابيع أخرى من التوتر، وربما أيضا من الاحتكاك. لكن يوجد احتمال لا بأس به في أن يحظى رئيس الأركان التالي، هرتسي هليفي، بالدخول الى منصبه بعد أن يكون هذا اللغم قد حيد. قبل هذا ينبغي الامل في ان يصحو قضاة العليا، ويسمحوا باستكمال التعيين في موعده.
القضاة ذاتهم الذين قبل لحظة لم يروا أي مانع من أن يشكل متهم جنائي حكومة لا يمكنهم اليوم ان يحتملوا فكرة أن رفيقهم في كرسي القضاء، ميني مزوز، يعين في المنصب الصغير لرئيس لجنة تعيين المسؤولين على يد حكومة انتقالية، والعياذ بالله. يبدو أن قضاة العليا فقدوا حاسة الرائحة ليميزوا بين الطيب وبين الفاسد.

عن "معاريف"