بقلم/ توفيق أبو شومر
تشهد ساحتنا الفلسطينية تزايدا ( مهولا) في أعداد المتشائمين!
ويجري توسيع حالات التشاؤم لتتحول إلى لوبيات وفرقٍ وجمعيات. وصار التشاؤم طبقا شهيا في كل مناسبة، وتنشط دعوات التشاؤم في الجلسات المغلقة في العادة.
إنَّ حاملي مرض التشاؤم في الغالب خطيرون لأنهم لا يشعرون بالسعادة، إلا بعد أن يتيقنوا بأنهم أصابوا عددا غير قليلٍ بعدوى مرض التشاؤم.
إن أبرز ظاهرة على تفشي هذا الفايروس الخطير، هو أن كثيرين من الصغار والكبار يلتذون بسماع نغمات أصوات المتشائمين، وينتظرونهم بفارغ الصبر، ويسعدون بلقائهم، وهذا دليل على أن المرضَ صار فيروسا شعبيا!
تقوم (بعض ) نظريات التشاؤم على مبدأ (التهويل)،والتهويل هو الأسلوب المعتمد عند هؤلاء، وهذا النمط التشاؤمي التهويلي هو الأكثر انتشارا في الأوساط الشعبية!
إن حاملي فايروس ( التشاؤم التهويلي ) [ يقتنصون ] حادثة أو خبرا ثم يبهّرونها بإضافة (توابل الحديث) وبهارات الإضافات، ويُلبسونها ثوب القصة المشوقة.
وبعد (إضافة البهارات)يستخلصون منها النتائج التشاؤمية، التي يرغبون في حقنها في عقول السامعين! فيلتقط أصحاب مذهب التشاؤم التهويلي حادثة شاذّة، كخلافات الأسر، واعتداء أحدهم على أفراد أسرته ليجعلوه ليس دليلا على فساد أسرة أو عائلة واحدة، بل هو دليل على فساد العصر والأوان، وهو كذلك برهان على قرب زوال الأمة واندثارها، وقرب حلول الكوارث والفواجع!
هم يعتبرون كثرة السرقات وانتشارها دليلا على قرب الفاجعة الكبرى، وهي الانذار الأخير قبل (الطوفان)!
ومن أنماط التشاؤم الأخرى: (تشاؤم إشفاء الغليل)
حاملو فايروس هذا النوع، هم من المرضى الخطيرين، ومن هم في حكمهم، وهم في الغالب الأعمّ ممن قصرت هِمَمُهم في إيصالهم إلى أمانيهم ومراميهم، فهم لم يتمكنوا من بلوغ الأرب، لذلك هم يلجؤون في كل فرصة، وفي كل مناسبة إلى عمليات تخريب متعمدة، هدفها قطار المجتمع (المتحرك) وبخاصة تعطيل مسيرة المتفوقين والعاملين البارزين، وتشويههم!
وهم مجبرون - تحت وطأة - مخزوناتهم التشاؤمية، المتوالدة من خليط مركب، من العجز، ومن القهر، ومن الغيرة والحسد، هم مجبرون أن يلجؤوا إلى إشفاء غليلهم، ببثّ التشاؤم، والإحباط في النفوس، حتى لا ينضم إلى قافلة المبدعين المتفوقين مبدعٌ جديد، يُشعِرُ حاملي الفايروس بعجرهم، وقِصرِ باعهم!
وهؤلاء معروفون، يسهل تمييزهم، فهم يجرون سامعيهم إلى مواقعهم، وتجاربهم، وإبراز ذواتهم بصورة ملفتة للنظر!
وقد تكون بداية أحاديثهم مقنعة، إلا أنهم يجيدون تحوير الحديث بلباقة نحو (ذواتهم)، مناصبهم، أسرهم، مشاكلهم، قدراتهم الفذّة، وفق طريقة القص والحديث.
وهم يبرزون تشاؤمهم من واقعهم، لأنهم لم يتمكنوا من تحقيق مآربهم الشخصية،
وهم كذلك يظلون يكررون (لقطات) من حياتهم آلاف المرات، يدللون بها على قدراتهم، على الرغم من أنهم يدركون، بأن مستمعيهم لا يصدقونهم في معظم الأحيان!
إن أخطر أعراض مرض التشاؤم، تظهر عندما يتسرب مرض (التشاؤم ) إلى نفوس النشء، وبخاصة في وطننا فلسطين، كبلد يعاني من معضلاتٍ حياتية شتّى، ومن أمراض نفسية متعددة!
فمرض التشاؤهم، لا يقتلُ الأملَ في النفوس فقط، بل يدمِّر القدرة على الإنتاج، والإبداع، والتفوق؛ وإذا قُتلَ الأملُ، وانتفتْ الرغبةُ في العمل، حينئذٍ تتحول الأمة المصابة إلى أعداد وأجساد، ينامون ويأكلون كالقطيع، ينتظرون بطلا مِن خارجِ صفوفهم!
ينبغي إعادة (ترميم) الروح الفلسطينية، التي تعرضت للمسخ والتشويه، وذلك بإنتاج الفنون، بكل أشكالها وأنواعها، وإعادة بعث تراثنا الفلسطيني، المحكي والمكتوب، والمصور، والمُغنَّى.
كما يجب أن يكون مركزَ اهتمامنا، مناهجُنا التربوية، لأن الأطفال والشباب الفلسطينيين، ربما يكونون من أكثر الأطفال والشباب عنفا في العالم أجمع، وهم بالإضافة لذلك، اكتسبوا عدوى الإحباط والتشاؤم من محيطهم، ويرجع السببُ إلى ما تعرضوا له من قمعٍ من المحتلين، وتقصيرٍ من الآباء المشرفين