كيف يحول “حزب الله” اتفاق الحدود البحرية إلى ورقة لإقامة حكومة على هواه؟

تسفي-برئيل.jpeg
حجم الخط

بقلم: تسفي برئيل

هناك شخصان يتنافسان على لقب “الحاكم الفعلي للبنان”: الأول حسن نصر الله، السكرتير العام لـ”حزب الله”، والثاني رياض سلامة، محافظ البنك المركزي. للأول جيش خاص وقطاع طائفي داعم وشراكة سياسية في الحكومة، وحماية وتمويل من إيران ودعم من سوريا. الثاني “بنكي” فقط، بدون مليشيات وبدون سلاح ولا قاعدة سياسية له يستند إليها.

 

من أين تأتي قوة سلامة الذي يشغل منصبه بصورة متواصلة منذ العام 1993؟ إذا كان نصر الله هو المتحكم بسياسة لبنان ويملي سياسة الدولة الداخلية والخارجية ويحدد هل ومتى سيشن لبنان الحرب، فإن سلامة يسيطر على الاقتصاد اللبناني؛ فهو الذي يحدد سعر الدولار، وهو الذي يبني (الأكثر صحة القول “يفرغ”) فائض العملة الأجنبية للبنان ويؤثر جوهرياً على ميزانية الدولة، وبالأساس يعرف الأسرار الاقتصادية للنخبة السياسية. في يده مفتاح انهياره إذا قرر كشف أسرار هذه النخبة. إذا ما جرى التنافس على لقب الشخص الأكثر كرهاً في لبنان، فسيفوز سلامة بدرجة كبيرة.

 

سلامة (72 سنة)، الذي عمل عقدين في شركة “ماريل لينتش” قبل تعيينه في منصب محافظ البنك، اعتبر المسؤول عن الأزمة الاقتصادية العميقة التي يتعرض لها لبنان، وعن الفقر الشديد وعن تدمير جهاز الصحة والتعليم وفقدان السيطرة على قيمة الليرة اللبنانية وعن عمق الفساد الذي هو أحد المتسببين الرئيسيين به. في السنة الماضية، كان يبدو أن هذا الشخص القوي في الطريق إلى فقدان عالمه. منظومات القضاء في ألمانيا وفرنسا وليختنشتاين وموناكو وفي لبنان نفسه بدأت بفتح ملفات تحقيق مكثفة ضده بسبب الاشتباه به بتبييض أموال لمئات ملايين الدولارات واختلاس أموال الدولة وجمع أموال بشكل غير قانوني.

 

في الأسبوع الماضي نشر موقع “درج” اللبناني وثيقة المطالبة التي نقلتها إمارة ليختنشتاين إلى الجهاز القضائي في لبنان، والتي طالبت فيها بنقل معلومات عن تحويل أموال من حسابات سلامة إلى حسابات طه ميقاتي، شقيق رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، والتي تدار في الإمارة. إضافة إلى ذلك، تحقق النيابة الفيدرالية في سويسرا في الاشتباه باختلاس مبلغ 330 مليون دولار التي دفعها البنك المركزي في لبنان لشقيق سلامة رجا، وهو صاحب شركة “بورييه” المسجلة في جزر العذراء، كعمولة عن توقيع مستثمرين على شراء سندات من نوع “يورو بونت”. من ضمن هذا المبلغ، حول -حسب الاشتباه- نحو 258 مليون دولار إلى حسابات رجا في سويسرا، وحول منها 207 ملايين دولار إلى خمسة حسابات باسمه في بنوك لبنانية. تحقيق منفرد تجريه النيابة العامة في فرنسا ضد سلامة حول تبييض الأموال بواسطة شراء العقارات في مناطق فاخرة في باريس، المتورط فيها شقيقه أيضاً. في الوقت نفسه، جمدت السلطات في سويسرا وفي دول أخرى عقارات تعود لمحافظ البنك بمبلغ 120 مليون دولار.

 

النيابة في لبنان اعتقلت رجا سلامة في آذار، وتم إطلاق سراحه بعد نحو شهر بكفالة 3.7 مليون دولار. قبل شهر تم استدعاء المحافظ نفسه للتحقيق بشأن تورطه في القضية، لكنه رفض الظهور ثلاث مرات، وفي حزيران الماضي اقتحمت الشرطة منزله من أجل اعتقاله، لكنها لم تجده. وعندما توجهت قوات الأمن لتفتيش مبنى البنك المركزي، قام موظفو البنك بإغلاق الأبواب ولم يسمحوا لأحد بالدخول، وأعلنوا عن إضراب “إزاء سلوك قوات الأمن والنيابة والمس بكرامة البنك وموظفيه”.

 

يواصل سلامة في هذه الأثناء إدارة البنك بصورة موازية والدفاع القانوني عن نفسه، في حين يأمل لبنان بالحصول على قرض من البنك الدولي بمبلغ 3 – 10 مليارات دولار. ولكن الشرط الرئيسي للموافقة على القرض هو إجراء تحقيق جذري وشامل حول سلوك البنك المركزي اللبناني، إضافة إلى مطالبة بإجراء إصلاحات اقتصادية وهيكلية في الاقتصاد. استدعت الحكومة اللبنانية مرتين شركات تحقيق من الخارج لفحص نشاطات البنك، وانسحبت هذه الشركات من المهمة مرتين بسبب عدم التعاون من قبل البنك المركزي ومحافظه. الرئيس اللبناني ميشيل عون طلب من جهاز القضاء “تنفيذ مهمته واعتقال سلامة وتقديمه للمحاكمة”، ولكن عون يعرف أيضاً بأنه إذا ما سقط سلامة فسوف تضره المعلومات التي يمكن أن يكشفها هو أيضاً.

 

لرئيس الحكومة اللبنانية ميقاتي أسباب جيدة خاصة به لمنع التحقيق مع سلامة وتقديمه للمحاكمة. ميقاتي ملياردير، يمتلك مع شقيقه طه شركة “أم.آي” وإجمالي رأس المال لهما يقدر بـ 5.5 مليار دولار. جمع ميقاتي أمواله من صفقات مقاولة كبيرة قام بها في أبو ظبي في نهاية السبعينيات، وأقام هو وشقيقه شركات البناء الكبرى في الشرق الأوسط. في 1982 أقاما شركة “انفستكوم”، التي استثمرت في دول الشرق الأوسط وجنوب إفريقيا وغربها. وعندما صعد بشار الأسد إلى الحكم في سوريا عام 2000 منح ميقاتي امتياز تشغيل شركة الهواتف في سوريا لمدة 15 سنة مقابل تقاسم الأرباح. في 2006 تم بيع الشركة لشركة ام.تي.ان، وهي شركة الهواتف المحمولة الكبرى في جنوب إفريقيا، مقابل 5.5 مليار دولار، و10 في المئة من أسهم أم.تي.ان.

 

الاشتباه الآن هو أن شقيقه، وربما حتى رئيس الحكومة نفسه، مرتبطان بشبكة تبييض أموال سلامة. نفى ميقاتي في هذا الأسبوع هذه الاتهامات وأي صلة بينه وبين مشاريع سلامة التجارية بشكل كامل. اللبنانيون، في المقابل، على قناعة بأن ميقاتي لم يكن يستطيع جمع أموال كثيرة بهذا القدر بدون الاستعانة بخدمات سلامة الجيدة. سلامة، من نافل القول، كان في حينه المستشار الاقتصادي لرئيس الحكومة رفيق الحريري، الذي قتل في العام 2005، وهو الذي قام بتعيينه في منصب محافظ البنك المركزي في 1993. صداقة سلامة مع عائلة الحريري لم تتوقف حتى بعد أن كشفت الشكوك حول محافظ البنك المركزي.

 

نسيج العلاقات النتن هذا يظهر بشكل جزئي تلك الصعوبة الكبيرة في إقالة محافظ البنك، وأيضاً في تشكيل حكومة مستقرة تستطيع إجراء إصلاحات مهمة يمكن أن تضع الدولة على مسار إعادة التأهيل الاقتصادي. يضاف إلى هذه الصعوبة الآن موعد انتهاء ولاية الرئيس ميشيل عون، الذي سيصادف في 31 تشرين الأول، دون أن يكون هناك موعد بديل يلوح في الأفق. عون سبق وأعلن في الحقيقة بأنه بدأ في إرسال أغراضه الشخصية إلى منزله من قصر الرئاسة. ولكنه قال في الوقت نفسه بأن الحكومة الحالية، حتى لو كان الدستور يخولها بذلك، غير مؤهلة لإشغال منصبه إذا لم يتم العثور على بديل له حتى ذلك الوقت، وإذا لم يتم تشكيل حكومة دائمة. سيقوم عون بكل مناورة ممكنة من أجل التمسك بالكرسي، على الأقل إلى أن يتم تشكيل حكومة متفق عليها، أي حكومة يستطيع فيها أن يملي ثلث التعيينات على الأقل، التي لا تضمن فقط استمرار إرثه، بل وتعيين صهره جبران باسيل في منصب وزاري كبير.

 

لعون (88 سنة) موضوع مهم يجب عليه استكماله قبل تركه، فهو يطمح إلى “منح” لبنان اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، فيسجل حينذاك بأنه أنقذ الدولة من الأزمة الاقتصادية. لا توجد في الواقع حتى الآن مسودة متفق عليها للاتفاق. وينتظر لبنان إجابات إسرائيل التي يتوقع أن يجلبها معه في نهاية الأسبوع المبعوث الأمريكي الخاص، عاموس هوكشتاين، الذي وصل أمس إلى إسرائيل، ومنها سيواصل إلى لبنان. نائب رئيس البرلمان اللبناني، إلياس بو صعب، أوضح الثلاثاء: “يبدو أن الأمور تتحرك في مسار إيجابي”، لكنه حذر من تفاؤل زائد.

 

في المقابل، تحدث مصدر كبير في لبنان مع موقع “نهار نت” اللبناني، قدر بأنه إذا تبنت الحكومة اللبنانية الإجابات التي سيجلبها معه هوكشتاين من إسرائيل، فلن يعمل “حزب الله” ضد الاتفاق ولن يحاول تخريبه، خصوصاً بعد أن أعلنت شركة “اينرجيان” اليونانية التي تشغل طوافة الحفر في حقل كاريش بأنها أوقفت الحفر الآن على الأقل حتى منتصف أو نهاية أيلول.

 

في هذه الأثناء، ألقى الرئيس عون ورقة أخرى ضبابية إلى الساحة عندما أعلن بأن شركة “توتال اينرجي” الفرنسية، التي وقعت مع الحكومة اللبنانية على اتفاق تنقيب في منطقتها البحرية، يمكن أن تساعد في حل الخلاف. لم يشرح عون ما يمكن أن تكون مهمة “توتال” في الوساطة، لكن يبدو أنه يقصد ترتيب دفعات بين الشركة وإسرائيل في حالة العثور على الغاز في المنطقة المختلف عليها. إذا كان هذا هو قصد عون، فثَم استنتاج من ذلك بأن ترسيم الحدود وصل إلى مرحلة الإجمال، وكل ما بقي هو التوصل إلى تسوية على تقسيم الأرباح.

 

من غير الواضح ما إذا كان “حزب الله” سيوافق على أن يحقق لعون ما أراده، والسماح للحكومة اللبنانية بالتوقيع على الاتفاق. ترتبط الإجابة بالتنازلات التي يمكن لـ”حزب الله” أن يأخذها من عون حول تشكيل الحكومة. يريد حسن نصر الله الاحتفاظ بحق الفيتو على قرارات الحكومة. وهو من أجل ذلك بحاجة إلى أن يكون ثلث الأعضاء فيها على الأقل من مؤيديه، حيث إنه وحسب الدستور، مطلوب أغلبية الثلثين زائد واحد من أعضاء الحكومة للمصادقة على قرارات مصيرية مثل الميزانية والحرب أو إجراء إصلاحات اقتصادية. هنا تكمن القوة السياسية للتنظيم الذي نجح بصورة منهجية في أن يحتفظ بيده على عدد الوزراء المطلوب من أجل المصادقة أو إحباط قرارات الحكومة.

 

لكن هذه القوة مرتبطة بهوية الوزراء الذين يمكن للرئيس تعيينهم من قبله. بكلمات أخرى، إذا كان عون يطمح للتوصل إلى اتفاق على الحدود البحرية مع إسرائيل والبدء بضخ الغاز للدولة والحصول على قروض من مؤسسات التمويل الدولية، فعليه الإسراع والمصادقة على قائمة وزراء تمنح “حزب الله” قوته السياسية. عون، الذي توضع على طاولته قائمة مرشحين قدمها له رئيس الحكومة ميقاتي، يجب أن يقرر ما إذا كان سيسرع تشكيل الحكومة من أجل إنقاذ لبنان، أو أن يجر رجليه كي يستطيع مواصلة ولايته حتى بعد الفترة الدستورية من أجل إجبار البرلمان على اختيار وريث على هواه، حتى لو كان تفسير هذا الأمر هو تأخير آخر للتوقيع على اتفاق ترسيم الحدود البحرية.

بقلم: تسفي برئيل

هآرتس