مثل النبش في جرح متقيح، يبعث رائحة كريهة، رسم ينيف كوفوفيتش ("هآرتس"، 12/9) صورة مرضية مخيفة لأكاذيب المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي. بدءاً بقضية قتل الصحافية شيرين أبو عاقلة، ومرورا بقتل عبد المجيد اسعد ابن الـ 80 سنة على يد جنود "نيتسح يهودا"، وانتهاء بقصف كوخ أبناء عائلة السواركة في قطاع غزة، الذي قتل فيه ثمانية من أبناء العائلة، من بينهم خمسة أطفال. هذا فقط جزء من الحالات التي تثير القشعريرة والتي وردت في المقال.
يجب إضافة المئات إلى ذلك، وربما الآلاف، من الأحداث التي قتل فيها وأصيب فلسطينيون أبرياء خلال عشرات السنين من الاحتلال، ممن حصلت ظروف إصابتهم على رد بارد، وفي معظم الحالات على رد كاذب، بحسبه "الجيش الإسرائيلي عمل حسب الإجراءات"، وفي حالات نادرة "يقوم الجيش الإسرائيلي بالفحص والتحقيق". ولا في أي حالة من الحالات قيل "الجيش الإسرائيلي يعتذر".
هذه ليست حالات استثنائية أو أخطاء يمكن إصلاحها عن طريق "توضيح الإجراءات" أو تغيير أوامر فتح النار. هذه ثقافة كذب متجذرة، حصلت على الشرعية حتى قبل أن تتحول جزءا لا يتجزأ من "قيم الجيش الإسرائيلي". في مقال لاذع نشره الجنرال (احتياط) اسحق بريك، في موقع "ميدا" في شباط الماضي، كتب ضمن أمور أخرى: "لا يوجد للجنود أو ضباط الصف أو الضباط أو القادة، حتى في المستويات العليا، أي مشكلة في الكذب على المستوى المسؤول عنه. والمستوى المسؤول يحب ذلك لأنه لا يلزمه بمواجهة مشكلات لم يتم عرضها عليه. أيضا هذا المستوى يمكنه مواصلة عرض صورة جيدة على المستوى الأعلى منه".
حول التحقيقات التي يجريها الجيش بعد الحوادث قال بريك، إنه "تجذرت فيها ثقافة الكذب، التستر، تدوير الزاوية، إخفاء معلومات وتنسيق شهادات للأشخاص المتورطين قبل التحقيقات وتحقيقات الشرطة العسكرية. بدلا من معالجة رأس الأفعى، يلصق الضباط الكبار الذين يغضون النظر والمسؤولون مباشرة عن ثقافة الكذب، التهمة بالمستوى الأدنى من اجل رفع العتب في معظم الحالات. هذه في الحقيقة أقوال كاسحة تظلم كثيرا من الجنود والضباط. ولكن الظاهرة التي تصفها هذه الأقوال ليست كاذبة".
عمق ثقافة الكذب ووجودها منذ سنوات طويلة يؤدي إلى نتيجة واحدة لا مناص منها، وهي أنه على رأس المنظومة العسكرية تقف قيادة ليس فقط تدرك الأكاذيب التي تنشرها، بل أيضا هي تمنحها الشرعية، حيث تعتبرها جزءا لا يتجزأ من الحرب بشكل عام ومن الحرب النفسية بشكل خاص. ولكن يوجد فرق كبير بين نشر الأكاذيب كجزء من الحرب النفسية ضد العدو وبين استخدام الأكاذيب وسيلة للتنصل من المسؤولية ووقف الانتقاد وإعطاء الدعم للجنود والقادة الذين فسدوا في المكان الذي مطلوب فيه اقتلاع وتعقيم التلوث. هذا النوع من الكذب يتعامل مع الجمهور نفسه كعدو، يجب "خداعه" من اجل مواصلة تصديقه لأخلاقية الجيش ومواهب قادته وتبرير نشاطاتهم العملياتية.
إن الثقة التي يسعى الجيش إلى تكريسها بمساعدة مكتب العلاقات العامة الضخم الذي يسمى وحدة المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي توجد لها أهمية كبيرة. بدونها لا يمكن التعامل بجدية مع تقارير الجيش حول حجم التهديد الذي تتعرض له دولة إسرائيل وعن قدرته العملياتية على إدارة معركة ذاتية ضد ايران ومواجهة "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، والتصديق بأن مطالبته بالميزانيات مناسبة، بالأساس الثقة به كي يحافظ على حياة الجنود. ولكن عندما يكذب ضابط صغير على قائده حول ظروف قتل فلسطيني، ويساعد هذا القائد في هذه الكذبة كي تقفز دون أي إزعاج وتصل إلى مكتب رئيس الأركان، وعندما يقوم المتحدث بلسان الجيش بتغليف الكذبة بغطاء سميك من الاختلاقات، فلماذا سيصدق أحد ما المتحدث ورئيس الأركان بأن النشاطات العملياتية في جنين هي حيوية وأن الهجمات في سورية دائما ناجحة، وبشكل عام أن "الجيش الإسرائيلي مستعد لكل سيناريو"؟.
رئيس الأركان، الذي يحرص على ثقة الجمهور بالجيش الإسرائيلي، يجب عليه تبني سياسة صفر تحمل للأكاذيب، في أي مستوى من المستويات، وضمن ذلك عدم تشغيل متحدثين يعتبرون الكذب ذخرا عسكريا.
عن "هآرتس"
الاعتراف بفلسطين: لماذا يعتبر دور فرنسا حاسماً؟
21 مايو 2025