نتيجة الحادثة، التي وقعت فجر أول من أمس، في جنين، حيث قتل ضابط من لواء «الناحل» في مواجهة من مسافة قصيرة مع مسلحين فلسطينيين، قتلا هما أيضا، ليست نهاية يمكن للجيش التعايش معها بسهولة.
كان القتيل، الرائد بار بيلح، نائب قائد كتيبة دورية «الناحل»، وهي وحدة نوعية مدربة. وتولى بيلح قيادة القوات التي عملت في حاجز الجلمة كضابط كبير، قائد اللواء القطري في المنطقة، وقد كانت لديه وسائل مراقبة وجنود من سلاح المشاة وقناصة ومروحية صغيرة تعمل بالروموت وقنابل إضاءة، جميع الوسائل المطلوبة لمواجهة الفلسطينيين اللذين تم تشخيصهما وهما يقتربان من الحاجز قبل بضع ساعات من الاشتباك. مع ذلك، انتهى تبادل إطلاق النار القصير بموت الرائد بيلح، الضابط الأكبر الذي قتل في نشاطات عملياتية منذ اربع سنوات.
مثل أحداث غير قليلة في السابق، بالأساس على الحدود مع لبنان قبل الانسحاب من المنطقة الأمنية في 2000 وفي السنوات التالية بعد ذلك، وأيضا على طول الحدود في القطاع، يبدو أن النتيجة القاسية جاءت من قرارات تكتيكية ميدانية. قام المسلحان الفلسطينيان بالاختباء بصورة صعبت الوصول إليهما من بعيد. اقترب قادة قوات الاحتياط، قائد اللواء ونائب قائد الكتيبة، مشيا على الأقدام ووجدا انفسهما مكشوفين للنار من مسافة قصيرة. في التحقيق العملياتي الذي أجري في قيادة المنطقة الوسطى سيتم بالتأكيد فحص التقديرات: هل يمكن الافتراض بأنه كانت هناك طريقة أخرى للاقتراب من المسلحين، مثلا في السيارة العسكرية المحصنة ضد الرصاص، مع قدر اقل من الخطر على المقاتلين؟
الأمر الذي لا يوجد سبب للتشكيك فيه هو شجاعة المشاركين في الحادثة. لاحظ القادة والجنود الخطر، وسعوا إلى الاشتباك من مسافة قصيرة مع المسلحين من أجل إزالة هذا الخطر. من اللحظة التي كان فيها الفلسطينيون أول من فتحوا النار فان الجنود الذين لم يصابوا انقضوا عليهما وقاموا بقتلهما.
أثارت الحادثة من جديد، كما هو دارج مؤخرا، الخلافات حول أوامر فتح النار على الحدود وفي «المناطق». منظمات وسياسيون من اليمين يقولون منذ فترة طويلة إن الحكومة والقيادة العليا تكبل أيدي الجنود بتعليمات مقيدة، وبذلك يعرضون حياتهم للخطر. الحساسية العالية لدى الجمهور للخسائر في أوساط وحدات الجيش الإسرائيلي تحول كل حادثة كهذه إلى نقاش صاخب. عمليا، التعليمات معقدة حقا في منطقة التماس. بعد موجة العمليات في الربيع الماضي وانتقاد الثغرات التي تركت في جدار الفصل، نشر الجيش قوات كبيرة على طول الجدار، وفي بعض الحالات أطلقت النار على عمال أرادوا اجتيازه لكسب الرزق داخل إسرائيل.
فقط يوم الجمعة الماضي أطلقت قوة للجيش الإسرائيلي وأصابت اصابة بالغة عربيا إسرائيليا اقترب من الجدار من داخل الأراضي الإسرائيلية في ظروف تثير الاشتباه. نشر وزير الدفاع، بني غانتس، بشكل استثنائي بيانا تمنى فيه الشفاء للمصاب، ووعد بإجراء فحص معمق في الحادثة واستخلاص الدروس منها. يمكن الافتراض بأن القادة الذين اتخذوا القرارات الميدانية في تلك الليلة تذكروا أيضا هذه الحادثة، وخافوا – في ظل غياب تشخيص مسبق للسلاح الذي يوجد لدى الفلسطينيين – من أن الحديث يدور عن متسللين للبحث عن عمل. فقط قبل شهر، في حادثة أخرى قرب الجدار في منطقة طولكرم، أطلق جندي من لواء كفير النار وقتل بالخطأ صديقا له في الوحدة. وحتى الآن فإن النقاش حول أوامر فتح النار هو نقاش ديماغوجي وسطحي في معظمه. هناك أمور كثيرة يمكن فعلها لتحسين حماية الجنود الذين يوجدون في منطقة التماس. الإذن بفتح نار غير مراقب على صيغة نطلق النار في البداية وبعد ذلك نطرح الأسئلة، لا يبدو الحل المناسب.
موضوع آخر مقلق يتعلق بهوية المسلحين. أحدهما كان ضابطا في جهاز المخابرات العسكرية التابع للسلطة الفلسطينية. الثاني تم تشخيصه كأحد نشطاء «فتح». ومشاركة أعضاء «فتح»، خاصة أجهزة السلطة، في إطلاق النار على قوات الجيش الإسرائيلي يعكس استمرار ضعف السيطرة من قبل قيادة السلطة على ما يحدث على الأرض، لا سيما في جنين ونابلس.
قبل يوم تقريبا أطلق فلسطينيون النار على جرافة كانت تقوم بالصيانة في جدار الفصل، غير بعيد عن الجلمة. مطلقو النار، الذين نجحوا في الهرب، نشروا في الشبكة فيلما يوثق إطلاق النار. ربما يرتبط هذا بوعد «حماس» و»الجهاد الإسلامي» بالدفع لمن ينفذون العمليات، شريطة نشر التوثيق عن الحادثة.
الحادثة الصعبة، الليلة قبل الماضية، استمرارا للتصعيد الواضح في شمال الضفة، تزيد التردد في إسرائيل بشأن هل نقوم بعملية عسكرية واسعة في منطقة جنين في الفترة القريبة. من يؤيدون العملية يبرزون عجز السلطة وتزايد الأحداث وتجدد محاولة المسلحين من جنين تنفيذ عمليات ضد الجيش خارج المدينة. آخرون يخافون من تصعيد غير مسيطر عليه، ويذكرون نقص المعلومات: لا يوجد لدى «الشاباك» ما يكفي من أسماء المشبوهين «الكبار» بتنفيذ أعمال «إرهابية». معظم أهداف الاعتقال هم أشخاص يحتكون مع قوات الجيش عند دخولها إلى المدن والى مخيمات اللاجئين. ليسوا بالضبط «إرهابيين» مخضرمين، يوجهون تنفيذ عمليات دقيقة.
لذلك، يجب إضافة القلق الأميركي من مواجهة في الضفة، يمكن أن تؤدي إلى ضعف آخر لقيادة السلطة. أيضا مصر وقطر والإمارات قلقة من التصعيد الواضح في «المناطق». وفوق كل ذلك يحلق أيضا اعتبار سياسي يجب عدم تجاهله. من جهة، تقف الحكومة أمام انتخابات جديدة في 1 تشرين الثاني، وهي تخاف من أن ينظر إليها الجمهور على أنها ضعيفة في الساحة الفلسطينية. ومن جهة أخرى، لن تنتهي عملية طويلة بتفوق بارز لصالح إسرائيل، وستمتد إلى مناوشات طويلة وغير مجدية، يمكن أن تسيء لصورة الحكومة، وتحول الوضع الأمني غير المستقر إلى مسألة رئيسة في الحملة الانتخابية.
عن «هآرتس»