إسرائيل في الثلث الأخير من أيلول.. بين ترقب خطاب عباس واستعداد لتصعيد متوقع بسبب “الأقصى”

عاموس-هرئيل.jpg
حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل

إسرائيل بدون شك هي العنصر القوي في معادلة القوة بينها وبين الفلسطينيين، ولكن أحداث الأسابيع القادمة في “المناطق” [الضفة الغربية]، التي أصبحت حاسمة أكثر على خلفية انتخابات الكنيست في 1 تشرين الثاني، ستتأثر بشكل كبير بما سيحدث بين الفلسطينيين وفيما بينهم هم أنفسهم. يقف في الخلفية كل من خطاب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في الأمم المتحدة في الأسبوع القادم، وتحريض حثيث من حماس والجهاد الإسلامي في محاولة لإحداث انفجار واسع للعنف في الضفة الغربية والقدس، ومكانة ضعيفة للسلطة الفلسطينية التي تعاني من الفساد والركود وتظهر استعدادا أقل للحكم.

 

سيلقي عباس خطاباً في الجمعية العمومية في نيويورك بعد يوم على إلقاء خطاب رئيس الحكومة يئير لبيد. في السابق، استغل الزعيم الفلسطيني هذه المنصة للشجار، وأحياناً، مثلما حدث في العامين 2015 و2021، لإعلان حرب سياسية ضد إسرائيل في الساحة الدولية. وحسب الإشارات الأولية الصادرة من رام الله، يبدو أن أمامنا خطاباً متشدداً آخر. تصريحات عباس هذه، مهما كان عجوزاً وغير محبوب، ربما تساهم في تأجيج الرياح في أوساط نشطاء حركة فتح وأعضاء الأجهزة الأمنية في الضفة. إدارة بايدن، بالتنسيق مع حكومة لبيد، تستخدم عليه مؤخراً ضغطاً كبيراً لتجنب تصريحات يتم تفسيرها بغير الممكن التراجع عنها.

 

الأغلبية الساحقة من عمليات القتل في الضفة وداخل حدود إسرائيل في الأشهر الأخيرة كانت بدون انتماء تنظيمي. وبخصوص معظمها، من غير المعروف وجود علاقة سابقة مع التنظيمات الإسلامية. وفي عدد غير قليل من الحالات حاولت قيادات هذه التنظيمات حتى الآن أن تنسب لنفسها هؤلاء الشهداء بدون أي علاقة فعلية حقيقية. في الوقت نفسه، هي تعتبر الحرم بؤرة محتملة لإشعال حريق جديد، كما حدث في شهر رمضان من العام الماضي (في حينه انطلقت عملية “حارس الأسوار”). الأجواء حول الحرم يمكن أن تسخن قبل الأعياد اليهودية. حذرت التنظيمات الفلسطينيين في “المناطق” [الضفة الغربية] والقدس، في الأيام الأخيرة من تدفق المستوطنين إلى الحرم في الأعياد، ودعت إلى مقاومة عنيفة لدخولهم.

 

يضاف إلى ذلك ضعف السلطة. تنقسم آراء المستويات المهنية الإسرائيلية حول احتمال أن تكون هناك إمكانية لاستمرار حكم عباس. هناك أصوات قليلة تعتقد أنه يمكن أن نشاهد في الأشهر القادمة انهياراً نهائياً للنماذج القديمة التي في ضوئها عملت إسرائيل منذ التوقيع على اتفاقات أوسلو، في مثل هذا الأسبوع قبل 29 سنة. إزاء الفساد والضعف الداخلي، ثمة ادعاء بأن النموذج الحالي سينهار، ولن تنجح السلطة في استمرار سيطرتها على الضفة، مثلما يحدث في منطقة جنين الآن. مقابلهم، ما زالت معظم جهات الأمن تعتقد أن جهداً إسرائيلياً – أمريكياً لتعزيز السلطة يمكن أن يؤجل النهاية، وربما تحسين الوضع. ولكنه تغيير سيكون مشروطاً بتنسيق وثيق بين إسرائيل والسلطة، الذي ربما لن يكون مريحاً لحكومة إسرائيل في فترة الانتخابات.

 

في العام 2016 نشر قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي وثيقة تحذير استراتيجية، التي تناقش بتوسع في وسائل الإعلام منذ ذلك الحين. رجال الاستخبارات بلغتهم المعقدة، حذروا من “احتمالية متزايدة لتغير الترتيب الهيكلي في النظام الفلسطيني، مع التأكيد على يهودا والسامرة”. وقد أكدوا بأن الحديث لا يدور فقط عن خطر موجة إرهابية أخرى أو انتفاضة ثالثة، فهذا أمر تعلّم الجيش والشاباك بقدر معين كيفية التعامل معه. لكن الخطر، كتبوا في حينه، هو من نشوء عملية إضعاف للسلطة إلى درجة تفككها بصورة لا يعود فيها لإسرائيل عنوان لها للتحدث معه.

 

رئيس قسم الأبحاث في حينه، العميد درور شالوم، تسرح من الجيش قبل سنتين تقريباً، وعاد مؤخراً إلى الجهاز رئيساً للقسم السياسي في وزارة الدفاع. في السنوات التي انقضت منذ هذا التحذير، تم توجيه انتقاد لشالوم ورجاله أكثر من مرة بأنهم شاهدوا ظل الجبال على أنها جبال، وأن تنبؤاتهم لم تتحقق. ولكن بنظرة أكثر حكمة على كل ما يحدث على الأرض منذ بداية السنة، فإن ما يحدث هنا هو تحقق متأخر لهذا التحذير الاستراتيجي.

 

         

 

       عودة من المستقبل

 

خلال بضعة أسابيع، ركض مئات من ضباط هيئة الأركان في الجيش صبح مساء حول عقد أسبوع الابتكار العسكري، وهو لقاء الوداع الدولي العظيم لرئيس الأركان افيف كوخافي، الذي تم عقده هذا الأسبوع. هذا إعلان النهاية الطموحة لكوخافي الذي سينهي ولايته في 1 كانون الثاني القادم. وفي بداية الشهر الحالي، أُعلن عن وريثه، الجنرال هرتسي هليفي. ولكن، مثل جزء من أفكار رئيس الأركان الحالي، تظهر في اللقاء فجوة معينة بين الحلم المثير للانطباع وبند التنفيذ. جميع الضباط في هيئة الأركان العامة ليسوا مرتبطين بالأفكار بنفس القدر، ولا يجدون أي جدوى منها.

 

تناسب اللقاء مع فترة ولاية كوخافي. العدد المرتفع للضباط الكبار الذين وصلوا من الخارج، من بينهم تسعة رؤساء أركان، ورسم طريق احتفالي بمشاركة رئيس أركان الجيش في المغرب، عكس العلاقات العسكرية الوثيقة لإسرائيل، وكذلك التقدير الكبير الذي أظهرته الجيوش الأجنبية للتجديدات والاختراعات الداخلية داخل الجيش الإسرائيلي. وقد رافق ذلك إلقاء محاضرات بليغة ومحادثات معمقة حول تطورات التفكير العسكري والتخفيف من حدة التكلفة، عندما نشر ينيف كوفوفيتش في تموز بأن الإنفاق ربما يبلغ عشرات ملايين الشواكل من ميزانية وزارة الدفاع، الجيش غير الخطط ولكنه لم يقلص تبديد الموارد بنفس القدر. ببساطة، حولت الأموال من ميزانيات داخلية للجيش الإسرائيلي. كلاب الحراسة نبحت، والقافلة واصلت السير مع تجاهل مهذب. تقدير النفقات النهائية بالمناسبة قد يتجاوز الخمسين مليونا.

 

 إحدى المشكلات، كما هي العادة، أنه لا يمكن الفصل كلياً بين التنبؤات والطموحات التكنولوجية للمستقبل، وبين الواقع غير السار في الوقت الحالي. من ذكروا ذلك في الطريق هم الفلسطينيون. كان هذا صدفة بالطبع، لكن إلى درجة عدم اعتباره مفاجأة كبيرة. فكلما حاول الجيش الإسرائيلي المبالغة في تصوره والابتعاد عن الواقع في “المناطق”، لاحقه هذا الواقع. ومثلما كان امير اريئيل سيصوغ ذلك في نهاية كل جملة قيلت باللغة الإنجليزية الطليقة في المؤتمر الدولي في غاليلوت، جلس فلسطيني في جنين وهو يحمل رشاش “كارلو”.

 

هذا ما حدث. ففي صباح الأربعاء قبل بضع ساعات من صعود رئيس الأركان لإلقاء خطابه في المؤتمر، تم الإبلاغ من حاجز الجلمة في شمال جنين عن اشتباك قتل فيه نائب قائد كتيبة الدورية التابعة للواء “الناحل”، الرائد بار بيلح. القتيل الأكبر للجيش الإسرائيلي في “المناطق” منذ أربع سنوات تقريباً سقط في حادث صغير تواجه فيه من مسافة بضعة أمتار جنود مدربون ومسلحون فلسطينيون يحملون سلاحاً بدائياً. في هذه الحالة، فإن جميع التكنولوجيا الموجودة في العالم لم تغير شيئاً.

 

لم يعد بالإمكان في حينه، ومن غير المبرر، وقف سير المؤتمر. بدأ كوخافي، كما هو مطلوب، خطابه بأقوال قصيرة لذكرى نائب قائد الكتيبة الذي قتل عندما انقض بشجاعة على رأس جنوده. وحتى الآن، كان يصعب تجاهل التناقض الصارخ، عندما وقف ضباط كبار في الطابور من أجل تناول وجبة الفطور بمستوى فندق أربع نجوم، لكن شخصاً ما نسي إغلاق مكبر الصوت الذي كان يعزف موسيقى الجاز المبهجة. بعد ذلك، غادر الأمريكيون والإيطاليون والبريطانيون وحتى رئيس أركان المغرب، المكان وعادوا إلى دولهم، بالتأكيد وهم يحملون انطباعاً عميقاً من الاتجاهات المخططة التي سيتطور بها بناء القوة في الجيش الإسرائيلي. سيبقى الفلسطينيون هنا للتصادم مع هليفي، وربما محاولة تخريب أواخر فترة ولاية كوخافي قبل أي شيء.

 

       اللقاءات والطلبات

 

التحقيق في الحادثة على الحاجز ما زال جارياً في قيادة المنطقة الوسطى. يتبين أن ثلاث ساعات مرت تقريباً بين تشخيص الجندية المراقبة لفلسطينيين، وبين البدء بتبادل إطلاق النار. قائد المنطقة الوسطى، يهودا فوكس، شاهد أمس جميع الأفلام: لم يكن بالإمكان في أي مرحلة قبل إطلاق النار تشخيص الفلسطينيين وهما يحملان السلاح. حتى سلوكهما كان استثنائياً، فعلى فرض أنهما قررا المخاطرة والذهاب لضرب الجنود، إلا أنه كانت لديهما الفرصة لفعل ذلك من قبل. مع ذلك، انتظرا بصبر حتى اللحظة الأخيرة. وحتى الآن يعترف الجيش بأن الحادثة كان يجب أن تنتهي بشكل مختلف، بدون قتلى من الجيش.

 

موت الرائد بيلح زاد التخبط في جهاز الأمن والمستوى السياسي، بخصوص ضرورة القيام بعملية عسكرية واسعة في منطقة جنين. الحكومة غير متحمسة لذلك إزاء التجربة المتراكمة. ما سيبدأ بصور ألوية الجيش وهي تقتحم جنين ومحيطها لإجراء مئات الاعتقالات يمكن أن يتطور إلى احتكاك متواصل بدون حسم ظاهر للعيان. يعمل في مخيم جنين وقربه مئات الشباب المسلحين المرتبطين بالتنظيمات بشكل ضعيف. هم لا يشكلون عدواً حقيقياً للجيش، لكن المكوث المتواصل في المدينة سيجر وراءه احتكاكاً وإصابات وعمليات انتقام. تعقيد متواصل بدون نتائج إيجابية يمكن أن يؤثر على الأسابيع الأخيرة التي بقيت قبل الانتخابات.

 

تُستخدم في الخلفية ضغوط في الساحة الدولية أيضاً. جهات رفيعة في الإدارة الأمريكية توسلت لإسرائيل هذا الأسبوع للعمل بصورة منسقة أكثر مع السلطة الفلسطينية بهدف تهدئة النفوس في شمال الضفة. والدول العربية تحاول التوسط بين الطرفين. في المقابل، حماس والجهاد الإسلامي تصبان الزيت على النار. السلطة وحركة فتح، التي فقدت الشارع الفلسطيني منذ زمن، بالأساس جيل الشباب، تغازله بالدعوة إلى العنف. المسلحان اللذان قتلا في مواجهة مع نائب قائد كتيبة “الناحل” ورجاله بالأمس، كانا منتميين لحركة فتح: الأول ضابط في جهاز المخابرات العسكرية في السلطة، والثاني أحد نشطاء فتح.

 

قال الجيش بأن هذا لا يعتبر توجهاً حتى الآن، لكنه اعترف بالصعوبات التي يواجهها رجال الأجهزة. “أبو مازن يمكنه أن يأمر بتنفيذ عملية من مكتبه في رام الله. الضابط الصغير في جنين يجب أن يعود ليلاً إلى بيته، وهناك يخاف من أن يتهموه بالتعاون مع إسرائيل”، قال ضابط كبير في الجيش الإسرائيلي. على أي حال، السلطة لا تخرج عن أطوارها للمساعدة. يطرح الفلسطينيون في كل لقاء عدة طلبات، مثل وقف اقتحامات إسرائيل في مناطق “أ” وإعادة جثامين الفلسطينيين الذين قتلوا. وربما يوافقون بعد ذلك على العمل بأنفسهم. هذا الوعد، بالمناسبة، أعطي في الخريف الماضي ولكن لم يتم تنفيذه. الجيش الإسرائيلي عاد للعمل في مخيم جنين في آذار الماضي، بعد نصف سنة على توقف العمل من قبل السلطة.

 

في الخلفية تزداد، كما قلنا، التقديرات لإعادة التسخين في الحرم في نهاية الشهر، عند حلول رأس السنة العبرية. في معظم فترة الأعياد سجل في السنتين الأخيرتين ارتفاع في عدد الزوار اليهود للحرم، حيث تعززت مكانة “أمناء الهيكل” في أوساط الجمهور المتدين، وأصبحوا يضعون المعارضة التقليدية للمؤسسة الحاخامية الرسمية جانباً. طبقاً لذلك، تستعد شرطة لواء القدس لعملية حماية كبيرة في الأعياد على خلفية التوتر المتوقع مع المصلين المسلمين.

بقلم: عاموس هرئيل

هآرتس