انهيار القوة الروسية الأسطورية في سبعة أشهر !

الون بنكاس.jpeg
حجم الخط

بقلم: ألون بنكاس

 

 


في آذار 2014، بعد بضعة أيام على غزو روسيا شبه جزيرة القرم، قال الرئيس الأميركي في حينه، باراك أوباما، إن روسيا ليست أكثر من «دولة عظمى إقليمية من الدرجة الثانية»، وإن أفعال فلاديمير بوتين «تدل على الضعف وليس على القوة».
وقد تم توجيه انتقاد لاذع لباراك أوباما بسبب الاستخفاف العارض وبسبب النظرة غير المبالية بقوة عسكرية عظمى خطيرة.
كان أوباما محقاً. فبعد شهرين أعلن السناتور المتوفى، جون مكين، بأن روسيا هي «محطة وقود تتظاهر بأنها دولة، محطة وقود يوجد لديها سلاح نووي».
كان مكين محقاً. فبعد ثماني سنوات على ذلك كان هناك شخص واحد أثبت ويثبت صدق أوباما ومكين وهو بوتين.
خلال سبعة اشهر نفذت روسيا تدميراً ذاتياً مدهشاً للقيمة، وانتقلت من صورة خارجية لدولة عسكرية متقدمة - «ستحتل كييف في 72 ساعة»، وبعد ذلك «ستشكل حكومة دمى مؤيدة لروسيا» وستفرض تغييراً في البنية الهندسية الأمنية لكل أوروبا – إلى وضع إجماع في الغرب بأنها على شفا هزيمة عسكرية ضخمة.
في سبعة أشهر مرت روسيا بالتحول من أوهام كبيرة تتمثل بـ «إقامة روسيا القيصرية» وأحلام حول «إعادة ترميم قوة وهيمنة الاتحاد السوفييتي»، إلى دولة عظمى من الدرجة الثانية ومجذومة في العالم. الروس الوطنيون والفخورون يوجد لهم عنوان لهذا الإنجاز البائس: فلادمير بوتين والحكومة الفاسدة التي قام برعايتها.
نجاحات عسكرية أوكرانية مثيرة للانطباع في الأيام العشرة الأخيرة حولت الحكمة التقليدية لمحللي الحرب، حتى لو أخطأ بعضهم في التفكير بأمنيات مثل «نقطة التحول في الحرب» أو «الانتصار الشامل لأوكرانيا والتشيك» أو غلاف مجلة ذي ايكونومست الأسبوعية في هذا الأسبوع «إنهاء المهمة»، فإن هذه ليست النقطة المهمة، إلا أن أوكرانيا فازت بالحرب فعلياً.
انتقلت أوكرانيا من الدفاع المتشدد على الخطوط إلى انتصارات تكتيكية محلية، ومن هناك إلى إنجازات قطاعية مهمة على المستوى العملياتي.
هذه الانتصارات ليست صدفية، بل تدل على تناسب القوى الحقيقي وعلى استخدام القوة وعلى الأداء الفاشل للجيش الروسي على جميع المستويات. حتى لو كانت أوكرانيا غير قادرة على إقصاء روسيا من كل المنطقة التي احتلتها في حوض الدونباس وفي جزر القرم، من ناحية استراتيجية فإن أوكرانيا انتصرت منذ اللحظة التي تبين فيها أن الافتراضات الأساسية لبوتين كانت أخطاء كبيرة.
فتقديراته السياسية والعسكرية تبين أنها فشل في التفكير. أيضا تبين أن تقييمات تطور الحرب هي فشل ذريع في الإدراك.
أخطأ بوتين، الذي طوال سنوات نسبت له لسبب معين العبقرية الاستراتيجية والذكاء السياسي العالي، ما لا يقل عن سبعة تقديرات أساسية. أولاً، كان افتراضه أن أوكرانيا ستستسلم دون حرب، وأن زيلينسكي وحكومته سيهربون، وأن روسيا ستستقبل كمحررة – كل هذا لم يحدث.
ثانياً، في الحرب فإن تفوق روسيا في الجو والصواريخ والتكنولوجيا وقوة النيران الدقيقة والمخابرات هو الذي سيهزم أوكرانيا بسرعة.
ثالثاً، قراءة خاطئة لشخصية وتصميم والتزام الرئيس الأميركي، جو بايدن.
رابعاً، فشل تقييم كامل بخصوص «الناتو». فبوتين افترض أن ضعفاً سياسياً خوفاً من المواجهة ومصالح متناقضة ستضعف الحلف. فعلياً حدد هذا الحلف نفسه من جديد، وتوسع عند انضمام فنلندا والسويد إليه.
تقدير أساسي خامس هو تنبؤ عديم المسؤولية بأن العقوبات الأميركية والأوروبية لن تكون شديدة، وفي النهاية تقدير خاطئ بأن اقتصاد روسيا سيصمد أمام العقوبات لفترة طويلة، لكن بالعكس.
كان حجم الضرر على الاقتصاد الكلي في روسيا ضخماً. سادساً، الافتراض بأن أوروبا ستنهار سياسياً، ومن هنا ستغير سياستها تجاه أوكرانيا نتيجة أزمة الطاقة التي ستخلقها روسيا.
تقدير أساسي أخير هو أن روسيا لن يتم عزلها لأن الصين والهند ستقفان إلى جانبها. حدث هذا بشكل جزئي فقط.
إلى جانب الفشل الاستراتيجي من الجدير التوقف عند الفشل العسكري. في بداية الحرب ترسخت مسلمات. الأولى هي أن أوكرانيا لن تتمكن من الانتصار في الحرب. فتناسب القوة العسكرية والتكنولوجية هو في غير صالحها بشكل ساحق. والدلائل على ضعف روسيا العسكري في الأداء في آذار وفي نيسان قام المحللون بحلها بالقول إنه سيتم إجراء تعديلات وتعلم الدروس واستبدال الجنرال، وبعد ذلك سيتم حسم الحرب.
الثانية هي أنه حتى لو لم تحقق روسيا انتصاراً حاسماً فإنه من غير المقبول القول إنها ستهزم.
السيناريو المعقول في هذه الحالة هو حرب استنزاف والحفاظ على الإنجازات الجغرافية الأولية في الدونباس وعلى طول شاطئ البحر الأسود، من بحر أزوف في الشرق وحتى أوديسا في الغرب.
إن ربط الإخفاقات في الفضاء أوجد صورة وتوجهاً ظاهراً: فشل عسكري متعدد الأبعاد في بنية القوة ونشر القوات واستخدام القوة. ما هي أسباب ذلك؟ موارد قليلة ومعنويات متدنية وغياب التخطيط واستخدام عقائد من الحرب العالمية الثانية وعدم الانضباط في الوحدات وعدم الدافعية والنقص في مؤهلات المستويات العليا والمتوسطة وغياب مستغرب لاستخدام التفوق الجوي وأخطاء تكنولوجية في السلاح الدقيق، وبالأساس الإخفاق البنيوي في إدارة معركة مدمجة بين سلاح المشاة والمدرعات والمدفعية والمروحيات الهجومية والطائرات المسيرة وحرب السايبر.
اختفت عشرون سنة من إعجاب الغرب وإسرائيل بالعبقرية المطلقة للعقيدة الروسية الحديثة التي تسمى «الحرب الهجينة»، التي تجمع بين القوات العسكرية والسايبر والحرب النفسية – السياسية. السبب ليس التكنولوجيا والتفكير العسكري، بل هو أساسي أكبر. نظام فاسد وملوث ومضعف، وبعد ذلك تخريب كل مؤسسة ومنظمة وعملية في منظومتها البيئية، والجيش غير محصن.
تقف أمام بوتين في هذه الأثناء أربعة بدائل سيئة، لن يخفف أي منها حجم الفشل وتداعياته على روسيا. أحد البدائل هو اقتراح وقف إطلاق النار على أساس الخطوط القائمة والدعوة إلى مفاوضات مع «الناتو» على مستقبل أوكرانيا.
من المشكوك فيه حدوث ذلك، وفي كل الحالات سيضطر بوتين إلى إجراء المفاوضات مع أوكرانيا وليس مع بايدن.
بديل آخر هو التصعيد في وسائل القوة الجوية والصواريخ بعيدة المدى، إلى جانب الهدم والقتل، لكن هذا لن يغير مسار الحرب.
بديل ثالث هو استخدام السلاح النووي التكتيكي بذريعة القيام بضربة وقائية من أجل خلق رواية منتصرة بكل ثمن، ووقف الحرب. من المشكوك فيه إذا كان هذا الأمر سيتم تنفيذه. وإذا حدث ذلك فضد من بالضبط سيكون؟ لا توجد تجمعات عسكرية أوكرانية، لذلك فان الأهداف يتوقع أن تكون مدناً وبنى تحتية.
رد الناتو سيكون مدمراً، بما في ذلك تزويد فوري بمنظومات سلاح يمكنها الإضرار الشديد داخل روسيا.
أشار بايدن إلى ذلك في مقابلة مع برنامج «ستون دقيقة». البديل الرابع هو الإبقاء على الوضع الراهن والافتراض بأن أوكرانيا سيغريها توسيع نجاحاتها وبهذا ستعرض نفسها للإخفاقات. هذا كما يبدو هو البديل المعقول، لكن ربما أن تقدير بوتين سيبدو خاطئاً.
في الأيام القريبة القادمة سيتم النقاش مجدداً في الغرب حول السياسة الصحيحة تجاه روسيا.
مقاربة واحدة ترتكز على التفكير بأنه محظور دفع بوتين إلى الزاوية ويجب أن يتم عرض «جسر ذهبي» عليه: مبدأ «سون تسو» في «فن الحرب» من القرن السادس قبل الميلاد: توفير طريق انسحاب للعدو تحافظ على كرامته من أجل منع مواجهة في المستقبل.
المقاربة الثانية المعاكسة هي أن بوتين حقير كبير، يقف في وسط شبكة أنظمة غير ديمقراطية ومناهضة لأميركا. نشرت المخابرات الأميركية، الأسبوع الماضي، تقريرا جاء فيه أن روسيا استثمرت 300 مليون دولار في أعمال سرية للتخريب، والتدخل والتجسس السياسي في أكثر من عشرين دولة في أرجاء العالم.
يجب هزيمة بوتين بصورة حاسمة وتزويد أوكرانيا بطائرات «اف 16» وطائرات مسيرة من نوع «نسر رمادي»، التي تحمل صواريخ «هيل فاير». في الوقت ذاته يجب إعطاء أوكرانيا ضمانات بعيدة المدى.
روسيا ليست فقط دولة ضخمة مساحتها تمتد على 11 منطقة واسعة وذات إمكانيات كامنة من الثراء العظيم، روسيا هي حضارة وتاريخ كامل من الأدب والفن والموسيقى والعلوم والتكنولوجيا.
عمل بوتين على دهورتها بصورة متعمدة إلى ديكتاتورية فاسدة ومتعفنة. دول كهذه لم تكن مزدهرة في أي يوم من الأيام. لذلك، دون صلة بالتطورات في الأسابيع القريبة القادمة، فإن روسيا قد هزمت.

عن «هآرتس»