بقي واحد وأربعون يوماً حتى موعد الانتخابات العامة في إسرائيل، والصورة تبدو محبطة من ناحية النتائج المتوقعة. فالجمهور الإسرائيلي يذهب بشكل ثابت نحو اليمين، حيث إن حزب «الليكود» برئاسة بنيامين نتنياهو يتصدر القوائم في كل استطلاعات الرأي التي أجريت خلال الأشهر الماضية منذ الإعلان عن تقديم موعد الانتخابات ويحافظ على 32-34 مقعداً يليه حزب «هناك مستقبل» بزعامة يائير لابيد رئيس الحكومة المؤقت الذي يحافظ على مستوى بين 22-24 مقعداً، وتتأرجح الأحزاب الأخرى في المعسكرين المتنافسين على المقاعد بحيث لا يوجد حسم، وتحصل كتلة نتنياهو التي تضم «الليكود» و»الصهيونية الدينية» وحزبي «شاس» و»يهدوت هتوراة» على 58-60 مقعداً دون الحصول على الأغلبية التي تمكنه من تشكيل حكومة. كما يحصل معسكر لابيد على 55 إلى 56 مقعداً دون التمكن كذلك من تشكيل حكومة. وهذا كان الحال قبل تسجيل القوائم المشاركة في الانتخابات وعلى فرضية أن «القائمة المشتركة» التي تضم ثلاثة أحزاب عربية بالإضافة إلى «القائمة العربية الموحدة» موجودة وتشارك كما حصل في الانتخابات السابقة، في ظل عدم الذهاب نحو قائمة موحدة لكل الأحزاب العربية. ولكن الأمر تغير بصورة دراماتيكية بعد انسحاب «التجمع» من «القائمة المشتركة» والتسجيل بقائمتين: «الجبهة الديمقراطية» و»الحركة العربية للتغيير» في قائمة و»التجمع الوطني الديمقراطي» في قائمة منفصلة.
الانفصال والتشرذم في القوائم الفلسطينية في إسرائيل يؤثر سلباً على تصويت الناخبين الفلسطينيين الذين تتوقع استطلاعات الرأي أن نسبة تصويتهم لن تصل إلى 40% قبل خروج «التجمع» من «القائمة المشتركة». وهذا قد يدفع الفلسطينيين في إسرائيل إلى الامتناع عن التصويت بكثافة كرد فعل على خيبة الأمل من الأحزاب العربية التي لم تنجح حتى الآن في تغيير واقع الجماهير هناك. حتى عندما فازت «القائمة المشتركة» بخمسة عشر مقعداً في العام 2020 للمرة الأولى في تاريخ الانتخابات حيث بلغت نسبة تصويت الفلسطينيين 64.8%، لم يحدث التغير المأمول، وكذلك هو الحال في المرة الماضية مع دخول «القائمة العربية الموحدة» برئاسة منصور عباس في الائتلاف الحكومي الحالي. فما بالنا عندما يشاهد المواطنون عملية الانقسام التي تحدث غالباً لأسباب ومصالح شخصية. ولا شك أن انخفاض نسبة تصويت الفلسطينيين في إسرائيل هو أكبر هدية لنتنياهو حيث من المتوقع أن تحصل «القائمة المشتركة» على 4 مقاعد أو 5 في أبعد تقدير، و»القائمة العربية» على 4، أما «التجمع» فلا يتوقع له أن يجتاز نسبة الحسم، وعملياً خسارة المقاعد العربية ستتحول لصالح معسكر نتنياهو.
التأثير الفلسطيني على الانتخابات الإسرائيلية لا يتوقف فقط على نسبة التصويت ولا على الوحدة والانقسامات فقط، بل أيضاً ما يحث في المناطق الفلسطينية ينعكس بدوره على نتائج الانتخابات. فعندما تزداد وتيرة العمليات الفلسطينية كما يحدث هذه الأيام وكما حصل في أعوام 1995، و1996، و2000، و2001، فمن المرجح أن يستفيد منها اليمين الإسرائيلي المتطرف. والحكومة الإسرائيلية الحالية برئاسة يائير لابيد التي تفعل كل ما في وسعها من أجل الإثبات أنها ليست أقل تشدداً من أكثر الحكومات تطرفاً في إسرائيل ستدفع على الأغلب الثمن في الانتخابات القادمة، لأنها تجر ردود فعل فلسطينية غاضبة وعنيفة تتعاظم مع استمرار القمع الدموي الإسرائيلي. وحتى ردود الفعل الشعبية والرسمية لها تأثير على نتائج التصويت في الانتخابات.
لا شك أن إسرائيل الرسمية تتحمل المسؤولية عما يمكن أن يحصل، ولكن لماذا لا يفكر الفلسطينيون على جانبي الحدود بالتأثير بشكل مخطط ومدروس في نتائج الانتخابات في إسرائيل بما يخدم مصالحهم. ففلسطينيو الداخل يريدون المساواة التامة في الحقوق ويريدون إلغاء القوانين العنصرية بما فيها قانون «القومية» وتمييزهم إيجابياً، كما يرغبون في التوصل إلى تسوية سياسية عادلة مع أبناء شعبهم في الأراضي المحتلة. أما نحن، المحتلين، فنريد التخلص من الاحتلال والحصول على حق تقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على كامل الأراضي المحتلة منذ العام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية وإيجاد حل عادل لكل قضايا الصراع وعلى رأسها قضية اللاجئين الفلسطينيين.
نحن نقوم بأفعال وردود أفعال ونخلق أيضاً ردود أفعال، ولكن لا يوجد لدينا عمل مخطط وموجه مع أننا نملك القدرة على التأثير وحسم نتيجة الانتخابات في إسرائيل بهذا الاتجاه أو ذاك. وللأسف لا نستخدم أوراق القوة التي لدينا لأسباب تتعلق بغياب القيادة الموحدة القادرة على اتخاذ القرارات الصائبة في الوقت الملائم. ولهذا سنبقى نؤثر ولكن ليس بالضرورة لصالح قضيتنا. وسنعود للحديث عن دورنا في الانتخابات بعد انتهائها وظهور النتائج بأننا لو فعلنا كذا وكذا لكانت النتيجة مختلفة. سنحسم ولكن لا شيء لصالحنا وفقط يستفيد أعداؤنا والمتطرفون منهم من غياب قدرتنا على اللعب بما يحقق لنا ما نريد.