الرئيس يخاطب العالم

WptCE.jpg
حجم الخط

بقلم رجب أبو سرية

 

 

 

في الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة، يخاطب اليوم الرئيس محمود عباس، العالم بأسره، مذكراً إياه بما يعانيه الشعب الفلسطيني من ويلات الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ خمسة وخمسين عاماً لأرض دولة فلسطين، ومذكراً إياه بعجزه عن تطبيق قراراته الخاصة بالصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي القائم منذ أربعة وسبعين عاماً، والذي ترافق مع تأسيس الأمم المتحدة، منذ ما بعد ظهورها بثلاثة أعوام فقط، فضلاً عن التوصل الى حل سياسي ينزع من الشرق الأوسط فتيل التوتر والحروب والصراعات التي ما زالت تدور رحاها في هذه المنطقة المهمة من العالم.
خطاب رئيس دولة فلسطين، هذا العام يأتي في ظل توتر دولي غير مسبوق، فحيث يشارك باجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة السابع والسبعين (وهو اجتماع دوري سنوي، منذ عام 1945) نحو 150 رئيس دولة، فإن غياب كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينغ يعكس أو يدل بشكل واضح على انقسام دولي لم يحدث منذ أيام الحرب الباردة، أي منذ أكثر من ثلاثة عقود مضت، وذلك بسبب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا التي بدأت في الرابع والعشرين من شباط الماضي، وما زالت رحاها تدور حتى هذا اليوم، مع ما رافقها من ردود فعل دولية، لم تتوقف عند حدود الشجب والرفض، حيث من المتوقع أن تكون تلك العملية محور اهتمام العديد من قادة العالم.
هذا يعني بأن الاهتمام بملف الاحتلال الإسرائيلي وما يتضمنه من جرائم حرب، وقهر للشعب الفلسطيني لن يحوز على اهتمام المتحدثين من قادة دول العالم، كما كان يحدث من قبل، لكن ذلك لن يمنع من تطرق بعضهم الى عقد المقارنة، على أقل تقدير، بين مواقف بعض الدول، خاصة الغرب ممثلاً بالولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية، تجاه حرب روسيا على أوكرانيا واحتلالها لبعض أراضيها، وحرب إسرائيل المستمرة على دولة فلسطين واحتلالها لكل أرضها منذ 54 سنة.
هذا ما يتوقع أن يتضمنه خطاب الرئيس عباس في الجمعية العامة، اليوم، الذي يتوقع أيضاً أن يدق ناقوس الخطر الشديد الناجم عن تجاهل فتح الأفق السياسي للحل، واستمرار عجز المجتمع الدولي عن وضع حد للاحتلال الإسرائيلي، وتجاهل إسرائيل حتى للاتفاقيات التي سبق لها ووقعتها بنفسها ودون إكراه أو ضغط من أحد، باقتحامها لمناطق السلطة الفلسطينية واستمرارها في تجاهل اتفاقيات أوسلو، ومواصلة إضعاف السلطة بشكل متعمد ومتواصل.
سيواصل الرئيس عباس، إذاً، صبره وكفاحه الحثيث على الصعيد الدولي، من أجل الحق الفلسطيني بالحرية والاستقلال، وهذا بحد ذاته ما زال يجعل من القضية الفلسطينية قضية حية، بل تمثل الضمير العالمي، الذي ما زال غائباً رغم مرور السنوات الطويلة، ويثقل كاهل العالم طوال حقبتي الحرب الباردة ونظام القطب الواحد العالمي، والذي توقف بها عند حدود الدولة العضو المراقب في المنظمة الدولية، دون أن يصل بها الى حدود الدولة المستقلة المتحققة على أرض الواقع.
وهذا أيضاً وارتباطاً بتصريحات سبقت الاجتماع الأممي، قد يكون أحد النقاط التي سيثيرها الخطاب، أي مطالبة المنظمة الدولية بمنح فلسطين العضوية الكاملة فيها، باعتبارها عضواً كامل العضوية لدولة تحت الاحتلال، أما ما يخص الإعلان عن البدء بتطبيق قرارات المجلس المركزي بتعليق الاعتراف بدولة إسرائيل لحين اعترافها بدولة فلسطين، والذي له أساس بالقرار الأممي رقم 181، كذلك الإعلان عن وقف العمل من الجانب الفلسطيني باتفاقيات أوسلو، بعد وقفه من الجانب الإسرائيلي، خاصة ما يخص التنسيق الأمني المشترك، فإنه من المتوقع ان يأتي كتحذير، لعل العالم ومنه إسرائيل يصحو من غفلته قبل فوات الأوان، وقد رأت إسرائيل بأم عينها، خلال الأسابيع الأخيرة، ترجمة التوقف العملي لذلك التنسيق فيما شهدته جنين ونابلس من مواجهات دامية.  
والحقيقة أن الملف الفلسطيني/الإسرائيلي، قد يكون أحد الملفات التي يمكن أن تعيد الاعتبار لمكانة الأمم المتحدة، التي تضررت كثيراً، وهي التي تشكلت بعد الحرب العالمية الثانية، لمنع تكرار تلك الحرب العالمية، والتي فقدت الكثير من قوتها، مع «تفرد» الولايات المتحدة بقيادة العالم، وفق سياستها الخارجية الخاصة، وهي _أي الولايات المتحدة، التي رعت بتفويض ومتابعة من الرباعية الدولية المفاوضات الفلسطينية/الإسرائيلية الخاصة بالتوصل للحل السياسي النهائي بين الطرفين، ومع عجزها_أي الولايات المتحدة، عن التوصل لذلك الحل، بل مع عجزها عن القدرة على مواصلة تلك المفاوضات، ورفع يدها رسمياً، كما أعلن ذلك قبل نحو شهرين الرئيس الأميركي نفسه، فإنه بات لزاماً على المنظمة الدولية، أن تجد بديلاً لذلك الراعي، والذي قد لا يكون سواها، بعد ما حدث خلال هذا العام من تباعد بين اثنين من الرباعي الدولي، أي روسيا وأميركا.
هذا ما لوحظت إرهاصاته خلال الاجتماع الذي جرى على هامش الاجتماع الأممي بين أعضاء المبادرة العربية والذي ضم 13 دولة عربية مع الدول الأوروبية الراعية للسلام في الشرق الأوسط، والذي جاء بمبادرة من وزير الخارجية السعودي وأمين عام جامعة الدول العربية، وذلك بمناسبة مرور 20 عاما على اطلاق تلك المبادرة، وفي حقيقة الأمر، فإن دول الغرب خاصة، وهي تخطب ود الجنوب، الذي يواجه التهديد بالخطر الناجم عن المتغيرات المناخية، وتزايد الفقر بعد كورونا وبسبب الحرب الروسية/الأوكرانية، تحاول أن تجد ما يمكن أن تقدمه من محفزات لدول العالم الأخرى من أجل أن تقف الى جانبه، في ظل تزايد مظاهر الاصطفاف الدولي على جانبي معسكرين، أحدهما تقوده أميركا والآخر مناهض لها.  
وقد تكون القضية الفلسطينية، في حال تواصل الكفاح الشعبي والرسمي الفلسطيني، مع موقف عربي داعم، قد يتعزز بالقمة العربية المرتقبة مطلع تشرين الثاني القادم في الجزائر، إن كان لجهة إعادة اللحمة الفلسطينية الداخلية، أو جمع الشمل العربي، أحد تلك الملفات التي يدفع بها الصراع الكوني الحالي، الى التقدم نحو الحل، كما حدث أيام مدريد، بعد الحرب الثلاثينية الغربية على العراق، وحيث أن لغة عالم اليوم هي المصالح، فإن النجاح في إيصال الغاز والنفط من الشرق الأوسط لأوروبا، كبديل أو كأحد البدائل عن مصادر الطاقة الروسية، يتطلب هدوءاً واستقراراً في المنطقة، ولعل تقديم إسرائيل التنازلات للبنان في ملف ترسيم الحدود البحرية، خير دليل على هذا، ولأن مفتاح الاستقرار في الشرق الأوسط، ما زال بيد فلسطين، فإن فلسطين ستبقى على خارطة العالم السياسية، وستبقى قضيتها حية، الى أن تحل بشكل عادل. والذي لم يحدث أمس أو اليوم، قد يكون غداً.