خطاب لابيد أمام الأمم المتحدة: أكاذيب وشعارات جوفاء!

عميرة-هاس.jpg
حجم الخط

بقلم: عميره هاس



لم يكن رئيس الوزراء، يائير لابيد، أول من أمس، الوحيد أو الأول في تاريخ الأمم المتحدة الذي ألقى خطابا مليئاً بالشعارات والأكاذيب وأنصاف الحقائق والدعاية والتشويه التاريخي والتصريحات المعطوبة والخيالية. إذا كان هناك من توقعوا من لابيد خطابا أصيلا مثيرا للإلهام، فإن المشكلة لديهم وليس لدينا. لابيد هو أيضا ليس الشخص الرفيع الإسرائيلي الأول (وليس الأخير أيضا) الذي يحمل ذكرى الكارثة عبثا كسلاح نووي ودعائي ناجح جداً لإسرائيل. استهدف ذكر الكارثة، وهذا متوقع جدا، أن يسكت من البداية أي انتقاد، حتى لو كان ضعيفا، حول سيطرة إسرائيل على الفلسطينيين.
المشكلة هي أنه يوجد الكثير جدا من رؤساء الدول في الجمعية العمومية المستعدين للتصديق أو التظاهر بتصديق دعاية إسرائيل بأنها ديمقراطية وتحب السلام، وأيضا ضحية بريئة لمؤامرات وأعمال "إرهابية". هذا التظاهر ضروري من اجل ألا تضطر هذه الدول إلى احترام المواثيق الدولية والقانون الدولي، ومن اجل أن تواصل التملص من اتخاذ خطوات حازمة ضد خروقات القانون الإسرائيلية المتواصلة. خذوا مثلاً ليز تراس، رئيسة الحكومة البريطانية الجديدة، التي أعلنت في السابق أنها ستنقل سفارة بلادها إلى القدس. مجرد الإعلان هو جائزة أخرى لإسرائيل على الكارثة التي ألحقتها بالقدس الفلسطينية مع فصلها عن "المناطق" الأخرى التي احتلت في 1967، وجائزة أخرى على السياسة الثابتة للسيطرة على أراضي المدينة وطرد سكانها منها وتحويلهم فقراء يحتاجون إلى المساعدة.
في تقارير الأمم المتحدة الثابتة عن تحكم إسرائيل بالفلسطينيين يمكن للزعماء ومستشاريهم والمراسلين الأجانب أن يجدوا معلومات حديثة وتاريخية تدحض التصريحات المتغطرسة والمضللة للابيد. من اجل مساعدتهم وغيرهم على اكتشاف التفاصيل الكثيرة ومعناها سأقدم الملاحظات التالية:
1- تعالوا نبدأ بالتحديد من دفيئات غزة. كما يبدو قطعة الدعاية الأكثر وهمية التي تم سحبها من قاعدة البيانات من اجل هذا الخطاب: إضافة إلى جانب قوة عمل فلسطينية رخيصة، يمكن أن تزدهر دفيئات المستوطنين، على الأراضي الفلسطينية المسروقة، لأسباب رئيسة ثلاثة، تزويد المياه العذبة، من إسرائيل ومن القطاع، تزويد دائم بالكهرباء، وقدرة على الوصول إلى الأسواق والموانئ، بالضبط هي الشروط الثلاثة التي لم تكن موجودة وغير موجودة، الآن، للفلسطينيين في القطاع. تفرض إسرائيل على القطاع نظاما مائيا ذاتيا (كأنها جزيرة منفصلة جغرافيا عن باقي البلاد). في نهاية المطاف، كان من الجدير أن تضخ المياه للقطاع بكمية كبيرة (ليس بكمية قليلة، التي توفرها بعد دفع ثمنها، الآن)، تعويضا عن الكمية التي تسحبها وتسرقها من الفلسطينيين في الضفة الغربية. منذ ثلاثين سنة واكثر، هناك سحب زائد من مقطع الخزان الجوفي للقطاع. النتيجة هي ملوحة زائدة في أفضل الحالات (لا تناسب لذلك المياه زراعات كثيرة)، وتلويث بسبب تسرب مياه المجاري والسموم. تزويد الكهرباء مشوش، سواء لأسباب فلسطينية ونزاعات داخلية أو بسبب القذائف الإسرائيلية التي تضر بالبنية التحتية، وتقييد كمية الوقود المستوردة وتدهور الاقتصاد الذي تتسبب به سياسة الحصار. بالأساس، منذ بداية الانتفاضة الثانية فرضت إسرائيل قيودا مشددة على إخراج المنتوجات من غزة إلى أسواق الضفة الغربية والخارج وإسرائيل. أيضا إذا تغلب المزارعون على مشكلات المياه والكهرباء فإنهم سيعانون من فائض في الإنتاج وخسائر مالية كبيرة.
2- "القوا السلاح". هذا ما يقوله رئيس دولة تستند قوتها الاقتصادية والدبلوماسية إلى صناعة السلاح والتجسس، التي تطورت في المختبر الأكثر نجاعة في العالم: الأراضي الفلسطينية المحتلة، التي فيها من يجب قمعه بالسلاح، والتي تُنفّذ فيها اعتقالات وتحقيقات مع السكان الذين يعارضون الحكم الأجنبي.
3- سياسة الإغلاق، أي القيود الصارمة على الحركة التي فرضت على القطاع في كانون الثاني 1991 قبل العمليات "الانتحارية" وصواريخ "حماس"، وقبل إقامة السلطة الفلسطينية. مرت إجراءات الإغلاق منذ ذلك الحين بعدة تغييرات، لكن سبب هذه السياسة في حينه والآن هو غير عسكري أو امني، بل سياسي: فصل سكان القطاع عن الضفة الغربية من اجل إحباط إمكانية إقامة دولة فلسطينية في حدود 1967.
4- "لقد قمنا بتفكيك قواعد الجيش في غزة". مثلما تعتبر إسرائيل نفسها مخولة بالرد عن طريق القصف عندما يتم قصف نهاريا أو عسقلان، أيضا لو كان قادتها يعيشون بين قيساريا والقدس، هكذا أيضا تعتبر "حماس" نفسها مخولة، بل ملزمة، بالرد على أي مس إسرائيلي بالفلسطينيين في الضفة الغربية. من حسن الحظ أنه لا يوجد لـ"حماس" عدد كبير جدا من الصواريخ كي ترد على كل الأضرار التي تنبع من الاحتلال الإسرائيلي، في الجسد وفي الصحة وفي الأرض وفي المياه وفي الحرية والممتلكات.
5- ما الذي سيحدث إذا القوا السلاح؟ تظاهر "حماس" بأنها خصم عسكري مساوٍ لإسرائيل يفيدها في الواقع سياسيا، ولكنه لا يحرر فلسطين. في المقابل، هو مفيد دعائيا لإسرائيل.
6- الأنباء الكاذبة وصورة الطفلة القتيلة على "انستغرام". المرء بحاجة إلى الكثير من النقص في الوعي الشخصي، وعدم الاهتمام والجهل، من اجل أن يدخل مجال المعلومات الكاذبة عن شهداء العمليات العسكرية بشكل خاص والمدنيين الفلسطينيين "غير المشاركين" الذين قتلوا في عمليات القصف الإسرائيلية وإطلاق النار. الجيش، ضباطا وجنودا، وليس أي وسيلة للتواصل الاجتماعي، كذب ويكذب مرات كثيرة فيما يتعلق بالقتلى الفلسطينيين. تراجع عن أقواله فقط عندما كانت القتيلة شخصية مشهورة وأميركية مثل شيرين أبو عاقلة أو عندما تتوفر أفلام تدحض روايته الأولى. البيانات الدقيقة عن القتلى المدنيين الكثيرين في أوساط الفلسطينيين يمكن العثور عليها في موقع "بتسيلم".
7- الفلسطينيون ليسوا "جيراناً" لإسرائيل. هم أبناء شعب أصليون، تطور وعاش في هذه البلاد بين النهر والبحر قبل الهجرة الصهيونية. قامت إسرائيل، بدون صلة بالظروف التاريخية التي أدت إلى قيامها، على حسابهم ومن خلال طرد اكثر من نصف السكان وإقامة نظام سياسي كان ينوي منذ البداية إبعادهم عنها.
8- إسرائيل ديمقراطية لليهود. أي هي ليست ديمقراطية. تقريباً 2 مليون فلسطيني هم الآن مواطنون إسرائيليون يتم التمييز ضدهم حسب القانون. في توزيع الميزانيات وفي فرص العمل والتعليم، ومطرودون من أراضيهم ومن تاريخهم، وهم هدف لتعامل عنصري وأضرار عنصرية، سواء أكانوا أفرادا أم سلطات محلية. تعرف الشرطة و"الشاباك" في إسرائيل خلال ساعة هوية الفلسطيني الذي قتل يهودية عجوزا، لكنهم لا يعثرون على مجرمين من مواطني إسرائيل ممن قتلوا مئات الفلسطينيين من مواطني الدولة. هذا وحده يلخص علاقة التمييز المهينة.
9- جميع إنجازات الفلسطينيين من مواطني إسرائيل في مجالات مختلفة هي ثمرة نضال مدني مستمر وحازم، وليس جميلا تفعله إسرائيل لهم.
10- يعيش خمسة ملايين فلسطيني تقريبا منذ 55 سنة تحت سلطة الاحتلال و"الشاباك" الإسرائيلي، سواء بشكل مباشر مثلما في شرقي القدس التي تم ضمها وفي مناطق "ج" أو بشكل مختلط (مباشر وغير مباشر) مثلما في جيوب السلطة أو بشكل فعال مثلما في قطاع غزة. حكومة إسرائيل هي التي تحدد تقريبا كل معيار مهم في حياتهم، وتتحكم بحدودهم، وموارد مياههم وأراضيهم، التي تثمنها كما تشاء، وتتحكم بحرية حركتهم وباقتصادهم وعلاقاتهم العائلية والاجتماعية. ولكنه يتم حرمانهم من حقوق المواطن ولا يمكنهم المشاركة في عملية انتخاب الحكومة التي تحدد حياتهم.
11- دولتان لشعبين. إن تكرار الشعار الأجوف مثل الببغاء هو ضريبة كلامية مطلوبة في المنتديات الدولية. ولكن هنا لا يجب اتهام لابيد ومستشاريه في دفع هذه الضريبة. هنا التهمة ملقاة على الدول الأوروبية والعربية التي مكنت إسرائيل في الثلاثين سنة الأخيرة من تقطيع الأرض التي تم تخصيصها للدولة الفلسطينية وتحطيمها وتقسيمها إلى جيوب صغيرة ومعزولة ومحاطة بالكتل الاستيطانية الآخذة في التوسع. كأسلافه، عندما يتحدث لابيد عن "حل الدولتين" فإنه في الحقيقة يقصد حل السبع دول: إسرائيل الكبرى وست (وحتى اكثر) "موشافات" فلسطينية.

عن "هآرتس"