ما هذه الهستيريا التي تملكت الشعب اليهودي الفخور؟ تجرأ رئيس حكومته، يئير لابيد، على قول الكلمات الممنوعة "دولتان لشعبين". وكأنه لفظ بصوت مرتفع الاسم الصحيح. قُرعت الطبول، حيث إنه في نهاية المطاف هذا غير ممكن من ناحية تقنية، ادعى المدعون. سنحتاج الى إخلاء 150 وربما 200 ألف مستوطن، وستكون هناك حرب أهلية مؤكدة، وسيكون هناك شرخ غير مسبوق منذ تقسيم المملكة الى إسرائيل و"يهودا".
من الواضح أن الشعب الثاني ستكون له دولة "إرهاب". شاهدنا ما حدث في غزة. وبشكل عام ماذا بالنسبة للحلم؟ الوعد الإلهي؟ لا مناص، سنكون مجبرين على دولة ثنائية القومية. نعم، ستكون هذه في الواقع دولة أبرتهايد رسمية، لكن بدون احتلال، وسيكون على ملايين الفلسطينيين، الذين سيتم ضمهم إليها، الوقوف في طابور اختبارات من اجل اثبات الولاء. ولن ينجحوا بالطبع. مواطنو إسرائيل العرب هم الدليل الدامغ على ذلك.
بدلاً من الاحتلال، الذي ما زال يخضع بدرجة معينة للقانون الدولي، ستكون هنا سيطرة وقمع إسرائيليان مباشران، بدون وساطة سلطة فلسطينية. أيضا لن تكون هناك حاجة الى تنسيق أمني، ويمكن أن يعمل الجيش الإسرائيلي والشرطة و"الشاباك" في كل مكان بدون مناطق أ وب وج، بالضبط مثلما يفعلون الآن. الفلسطينيون، الذين ربما يتم ضمهم، سيحصلون على مخصصات التأمين الوطني وقد توافق صناديق المرضى على فتح فروع لها في نابلس وجنين والخليل، لكن لن يتم بناء شقق وبلدات فلسطينية جديدة. فقانون كمنتس سيهتم بذلك.
هم لن يستطيعوا الانتخاب، أو الترشح للكنيست، الى حين إثبات أحقيتهم في المواطنة، أيضاً إمكانية انتقالهم الى بلدات داخل إسرائيل سيتم تقييدها، اكثر من الآن. حيث إن دولة ثنائية القومية لا يمكن أن تبقي داخلها الدرع الواقي. لذلك، سيقام بدلا منه عدد لا يحصى من الحواجز، وسيتم تركيب اجهزة تشخيص دقيقة وحساسة في الحافلات. هذا حتى قبل التحدث عن اغلاق في غزة التي ستكون جزءا من الدولة ثنائية القومية، وعن التكلفة العالية لصيانة الخدمات العامة والتعليم والرفاه والصحة، التي هي الآن ملقاة على السلطة الفلسطينية، وستتحول الى بنود في ميزانية الدولة.
لكن لنترك الجانب التقني والعملي. السؤال الرئيسي هو أي نوع من الدولة اليهودية والديمقراطية سيكون هذا الانتاج الجديد، حيث نصفها مسلم ونصفها يهودي. تتميز الدولة اليهودية، الآن، بتحطيم منهجي لأسس الديمقراطية. السبب الرئيسي ليس حكم اليمين أو حرب نتنياهو من أجل حريته الشخصية. هذه عملية مستمرة منذ عشرات السنين، وقامت فيها الدولة اليهودية ببناء نفسها من جديد حول الهيكل العظمي الذي أقامه المستوطنون.
في البداية استخدموا الدولة دعامة لكي يقيموا عليها الدولة. فقد جندوا الجيش الإسرائيلي كقوة خاصة للحماية، وسلبوا ونهبوا الأراضي التي ليست لهم، وضخوا الى ما وراء الحدود عشرات آلاف المواطنين الذين خلقوا الجيوب اليهودية. بعد ذلك قاموا بإلباس الدولة منظومة القوانين التي ستناسبهم. وفي نهاية المطاف قاموا بتشكيل يهوديتها والإخلاص لها حسب اختبار الاستيطان. تهويد جهاز التعليم والفضاء العام ومحاربة تشغيل المواصلات في أيام السبت والفصل بين الذكور والإناث، وأصبح كل ذلك هامشياً أمام النظرية التي بحسبها "اليهودية هي استيطان".
عندما يتحدث لابيد عن دولتين لشعبين فهو ما زال يحلم بأن الدولة اليهودية يمكنها أن تعيد لنفسها خصائصها التي كانت قبل تعفنها وتفككها داخل "مشروع الاستيطان". وقد تجنب لابيد رسم الحدود النظرية والايديولوجية بين دولة الشعب وبين المخلوق المخيف الذي ولدته. الصعوبة في تطبيق "حل الدولتين" ينسبه لابيد الى عدم إمكانية ذلك سياسياً، لكنه يتجاهل أن عدم الإمكانية هذه وُلدت بسبب سيطرة عدائية لدولة المستوطنين على دولة إسرائيل. لقد سرقوا منها مواد بناء الديمقراطية. من يريد دولتين يجب عليه أن يعيد للدولة ما تم سرقته، ومن يريد دولة يهودية يجب عليه أن يعيد تعريف اليهودية من جديد.
عن "هآرتس"
صفات فى المرأة الجذابة يحلم بها كل رجل
02 سبتمبر 2022