الضفة، غزة، لبنان، إيران: إسرائيل بحاجة إلى «حساب نفس» أمني

حجم الخط

بقلم: الون بن دافيد

 


يبدو أن عادة إجراء حساب نفس شخصي في أيام ما قبل "يوم الغفران" انقضت. هذا على الأقل هو الانطباع الذي يؤخذ من تصفح الشبكة الاجتماعية. فأنهار الشبكة تفيض بالشتائم بين الشخص و"صديقه" حتى في الأيام ما قبل "الغفران". لكن من الممكن والمجدي استغلال هذه الأيام والهدوء الذي يجلبه "يوم الغفران" لحساب نفس أمني.
الساحات التي في محيطنا تطرح أمامنا بضعة أسئلة لا نحب أن ننشغل بها في معظم أيام السنة. بالنسبة لأولئك الذين يعتقدون أننا دوما محقون ودوما حكماء أيضا فإن الأيام الفظيعة هي زمن ممتاز لنستوضح لأنفسنا ما هو خير وما هو صائب لنا، ولعل هذا يؤدي بنا إلى تحول ما قبل وقوع الشر.
الساحة السياسية في "يهودا" و"السامرة" هي الأكثر إلحاحا واشتعالا، ومن الواضح هناك أننا نقف أمام ظاهرة جديدة. في "الشاباك" يتحدثون عن انتفاضة من نوع جديد، وفي الجيش يفضلون تسمية هذا تصعيدا، لكن المسألة التي أمامنا هي ما هو السبيل الذي نعيد من خلاله الغطاء فوق هذا الوعاء المعتمل إلى مكانه؟
أمامنا تتفجر طاقات لم نشهد لها مثيلا منذ سنوات، و"إرهاب" من نوع جديد، أكثر إحباطه صعوبة: "إرهاب" شبان غير منتمين لمنظمات "الإرهاب" التقليدية التي عرفناها، بلا قيادات، ولا تمويل، ولا مؤسسات توجيه. معظم "المخربين" الشبان، الذين نلتقيهم، ولدوا فقط أو لم يكونوا واعين في أيام الانتفاضة الثانية و"السور الواقي". وهم لا يرتبطون بمنظمات "الإرهاب". هم يعيشون في الشبكة وفي أجواء عنيفة.
تجرف هذه الأجواء المئات بل ربما الآلاف، لكن ليس عموم الشارع الفلسطيني الذي لا يخرج في غالبيته الساحقة من البيت، ولا يشارك في العنف. التحدي هو إبقاء أغلبية الشارع الفلسطيني في البيت، وقمع عنف أولئك المئات أو الآلاف.
حقيقة أننا نواصل السماح بعمل نحو 110 آلاف فلسطيني في إسرائيل وفي المستوطنات هو عامل لجم مهم ذو مغزى، ومن المهم الإبقاء عليه. السؤال هو كيف نقاتل أولئك الذين يبحثون عن الاحتكاك بنا؟
هنا مطلوب سلوك حساس ودقيق في استخدام الجيش الإسرائيلي، في ظل التمييز بين حملات اعتقال ضرورية لـ"قنابل موقوتة" وبين اعتقالات وحملات ترسيم وهدم منازل، يمكنها أن تنتظر. في بداية السنة (حتى يوم الخميس) قتل 97 فلسطينيا بنار الجيش الإسرائيلي.
القيادة التكتيكية في الجيش مسرورة لفرصة استخدام القوة والشعور كجيش مقاتل، وهكذا ينبغي لها أن تشعر. لكن القيادات العملياتية والاستراتيجية فوقها ينبغي أن تزن جيداً المنفعة الكامنة في كل حملة مقابل الكلفة.
ثمة من يدعون إلى حملة واسعة وعميقة للجيش الإسرائيلي في شمال "السامرة" مثل "السور الواقي". صحيح حتى الآن أن القيادة السياسية والعسكرية تتفق على أن الثمن في مثل هذه الحملة يفوق المنفعة. إذ إن التواجد المتواصل في الميدان سيؤدي بالضرورة إلى إصابات إسرائيلية وبالضرورة إلى المزيد من الإصابات الفلسطينية.
من فوق كل هذا، يحوم دوما المتفجر المطلق للحرم. حتى الآن تنجح شرطة إسرائيل في كبح استفزازات الفلسطينيين الذين يبحثون عن الاحتكاك، واليهود الذين يسعون إلى الإشعال. لكن الحرم، كما هو دوما، عود الثقاب الذي يمكنه أن يشعل نارا كبرى، ويغير الصورة.
على هذه الخلفية فإن الهدوء من ناحية غزة مفاجئ. عندما يُسأل لماذا غزة هادئة بهذا القدر في ضوء المجريات في الضفة، هناك من يقول، إن هذا بسبب 17 ألف عامل يدخلون إلى إسرائيل، ويغذون القطاع بالدخل. آخرون يقولون، إن هذا بفضل الردع الذي تحقق في "حارس الأسوار" وفي "بزوغ الفجر"، وهناك آخرون يقولون، إن هذا بسبب أن "حماس" ليست جاهزة في هذه اللحظة لجولة قتال إضافية.
أما الحقيقة فهي على ما يبدو خليط من هذه العوامل. مهما يكن من أمر، فإن غزة تمنحنا مهلة للنظر إليها، الأمر الذي لا نحب أن نفعله، وأن نسأل أنفسنا ما هي العلاقات التي نريدها مع هذا الكيان المعادي الذي يسكن على أعتابنا.
توافق إسرائيل حاليا على زيادة عدد العمال الوافدين من غزة حتى 20 ألفا، لكنها تشترط دخول مشاريع كبرى إلى القطاع بالتقدم في المفاوضات على الأسرى والمفقودين. لا جدال في التزام إسرائيل تجاه عائلتي المقاتلين اللذين سقطا في غزة، والسؤال هو، هل بكل ثمن؟
في هذه اللحظة، لن توافق "حماس" على صفقة أسرى لا تتضمن تحرير "قتلة"، وتعارض إسرائيل صفقة أخرى يتحرر فيها "مخربون قتلة". في هذه الوضعية أفليس من الصواب التقدم مع غزة في مجالات مدنية، تعفينا من المسؤولة عن رفاه سكان القطاع؟ السماح لهم بأن ينتجوا لأنفسهم الكهرباء والمياه دون التعلق بنا؟
تشكل غزة تهديدا عسكريا، لكنه محدود. في كل يوم يمكن للجيش الإسرائيلي أن يدخل وان يهزم "حماس"، بأثمان لن تكون سهلة. فهل مطلوب جولة قتال أخرى قبل أن نفهم بأن المشكلة الأساسية لغزة ليست عسكرية بل اقتصادية؟ بغياب الماء، الكهرباء، والرزق ليس لغزة ما تخسره ولا يمكن ردع من ليس له ما يخسره.
ما سيكون له ليخسره ابتداء من الأسبوع القادم إذا سار كل شيء كما كان مخططا هو لبنان. في نهاية هذا الأسبوع، سيتسلمون في بيروت وفي القدس مسودة الاتفاق على الحدود البحرية، والتي إذا ما أُقرت في الطرفين، فستشكل ذلك تغييرا دراماتيكيا لوضعنا الاستراتيجي تجاه لبنان.
في الشهر القادم، يفترض أن تبدأ شركة "انيرجيان" اليونانية بإنتاج الغاز من حقل كريش. إذا أُقر الاتفاق فستتمكن شركة "توتال" الفرنسية أيضا من البدء بإنتاج الغاز من حقل قانا لرفاه اللبنانيين. مثل هذا الاتفاق، الذي تحقق من فوق رأس "حزب الله"، يمكنه أن ينتج ميزان ردع متبادلا مستقرا بيننا وبين لبنان. فهو سيضع لجامات ثقيلة على دافع "حزب الله" للمبادرة لأعمال تجاه إسرائيل تعرض للخطر المستقبل الاقتصادي للبنان.
فضلا عن فحص الاتفاق وإقراره، يجدر تكريس مجال تذكير لتصميم العلاقات المستقبلية بيننا وبين دولة لبنان. فإنتاج الغاز المتبادل هو أساس ممتاز لتعاون مستقبلي، في كل أنبوب غاز مشترك ينزع المحفز من التهديد العسكري الأكبر على إسرائيل – "حزب الله".
وأخيرا إيران: توجت القيادة الإسرائيلية نفسها بتيجان عديدة على النجاح في تأخير المفاوضات مع إيران. أما الحقيقة فهي أن من أخر الوصول إلى الاتفاق هم الإيرانيون. التوقف في المفاوضات تكتيكي، ويمكن التقدير بأنه بعد تشرين الثاني ستستأنف المحادثات، وفي النهاية، سيكون هناك أيضا اتفاق. عندما يكون الطرفان – إيران والولايات المتحدة – معنيين بالاتفاق، فمن شبه اليقين أنه سيتحقق أيضا.
أيام استمتاعنا بتوقف المفاوضات قد تكون قصيرة، وليس بعيدا اليوم الذين نبدأ فيه بالتوق لاتفاق جديد. فهل سيحصل هذا عندما ستخصب إيران اليورانيوم إلى مستوى 90%؟ هل سيحصل هذا عندما تستبدل إيران كل أجهزة الطرد المركزي لديها بطراز جديد وسريع؟ أيام المراوحة في المكان في المفاوضات علينا أن نستغلها كي نفكر بالمرحلة التالية.
إذا وقّعت الولايات المتحدة مجدداً على الاتفاق النووي السيئ من العام 2015 مع إيران فستكون هذه خاتمة طيبة لنا. لكن صحيح حتى اليوم وحيال البدائل أن هذه الخاتمة الأفضل التي يمكننا أن نحصل عليها، الآن.

عن "معاريف"