اتفاق استخراج الغاز: إسرائيل تنازلت تكتيكياً وربحت إستراتيجياً

حجم الخط

بقلم: يوآف ليمور



­يحمل اتفاق المياه الاقتصادية مع لبنان بشرى، ليس أقل. على طريقة الاتفاقات فإنه ليس عديم العلل. لكن بديله أسوأ بكثير: احتمال تصعيد خطير في الحدود الشمالية.
للاتفاق ثلاث مزايا مركزية: الأولى أنه أجري بين إسرائيل ولبنان، حتى لو لم توقع الدولتان عليه الواحدة أمام الأخرى بشكل رسمي، بل فقط أمام الأميركيين كوسطاء. من المرغوب فيه عدم الاستخفاف بأهمية الاتفاق، حتى وإن كان جزئياً، مع دولة عدو، في قلبها يقف تنظيم "إرهابي" هو التهديد المركزي اليوم على أمن إسرائيل. فالقدرة على إنتاج وتحقيق مصالح مشتركة هي في أساسها عنصر مهدئ ولاجم، في جبهة لا تنقصها عناصر لتدق طبول الحرب.
الميزة الثانية هي اقتصادية. لبنان دولة متفككة، عديمة القدرة على التسديد، وهي على شفا الفوضى. المال الذي سيدخل إلى صندوقها سيساعدها على استقرار المنظومة. والادعاء بأن المال سيضخ إلى "حزب الله" (للصواريخ وللمقذوفات الصاروخية) هو هراء؛ فـ"حزب الله" لا يمول تعاظم قوته من أموال دافع الضرائب اللبناني. فضلاً عن هذا، لـ"حزب الله" أيضاً مصلحة في أن يستقر لبنان اقتصادياً، لأنه متهم (وعن حق) في أن إمساكه بخناقه يمنعه من الإشفاء.
الميزة الثالثة هي الطاقة. يمكن لإسرائيل أن تبدأ على الفور في إنتاج الغاز من كاريش، في الوقت الذي يتوق فيه العالم إلى الغاز الطبيعي والأسعار في ارتفاع. وهي ستفعل ذلك بلا تهديد مادي على طوافات الغاز لديها؛ الطوافة اللبنانية - التي ستصب أمام الطوافة الإسرائيلية - ستكون عنصراً لاجماً لأن الدولتين ستخافان من فقدان ذخائر مهمة في البحر. كما أن لبنان سيقلص تعلقه بالطاقة من إيران، وضمناً سيوثق علاقاته مع دول غرب أوروبا.
النقيصة الأساس هي في فقدان ذخائر محتملة في البحر. لا يدور الحديث عن حدود، لأن المساحة موضع الخلاف تقع خارج المساحة السيادية لإسرائيل، لكن في مساحة توجد لها فيها "حقوق خاصة".
ظاهراً، لو أصرت إسرائيل لكان يمكنها أن تنقب في مساحات أوسع وأن تنتج أيضاً الغاز (والمال) منها، لكن في ظل أخذ مخاطرة أمنية غير قليلة بتصعيد واسع (وعلى أي حال لم تتلق تعويضاً مالياً من لبنان على الغاز الذي ينتج من المساحة "الإسرائيلية"). بكلمات أخرى، أقدمت إسرائيل على تنازل تكتيكي لقاء ربح إستراتيجي يتمثل بالاستقرار في الحدود الشمالية.
على فرض أن الاتفاق سيوقع بالفعل، على إسرائيل أن تتأكد من أن "حزب الله" لا يتشوش بالتفكير أن تهديداته هي التي أدت إلى النتيجة النهائية. بين إسرائيل ولبنان عدة نقاط خلاف أخرى في الحدود البرية، من شأن "حزب الله" أن يستغلها كي يبقي تهديداته مع الهواء. صحيح أن حسن نصر الله يبدو متصالحاً أكثر من أي وقت مضى في خطابه أول من أمس، لكنه لن يتردد في العودة إلى تحدي إسرائيل إذا ما شعر بضعف من جانبها.
الاتفاق المتحقق هو ذروة مفاوضات بدأت في فترة كان بنيامين نتنياهو يتولى رئاسة الوزراء، ويوفال شتاينتس وزير للطاقة. وعليه فإن الهجمة الحادة، أول من أمس، من نتنياهو و"الليكود" على الاتفاق الذي تحقق غريب، على الأقل. أولاً، كما أسلفنا ليس هذا تنازلاً عن أجزاء من الوطن. ثانياً، أن الادعاء بأن "حزب الله" سيستخدم المال كي يتعاظم في قوته ادعاء سخيف حين يأتي على لسان من تعاظمت في فترة ولايته قوة التنظيم بلا عراقيل بعشرات آلاف الصواريخ والمقذوفات الصاروخية، وبوسائل قتالية متطورة أخرى. وثالثاً، لأن الاتفاق معناه استقرار في الحدود الشمالية - مصلحة إسرائيلية صرفة، قدسها نتنياهو، في سنوات حكمه، بكل ثمن.
لكن الأخطر هو القول: إن "الليكود"، إذا ما صعد إلى الحكم، لن يكون ملتزماً بالاتفاق. في إسرائيل الديمقراطية يوجد تواصل سلطوي، في إطاره كل حكومة ملتزمة بالاتفاقات التي حققتها سابقاتها.
يعرف نتنياهو هذا جيداً، ولن يلغي هذا الاتفاق، بالضبط مثلما لم يلغ اتفاقات أوسلو. أقواله في الموضوع ليست فقط مثيرة للحفيظة بل أساساً خطيرة: فمعنى إلغاء الاتفاق هو إمكانية كامنة أكبر بكثير للتصعيد بل ربما الحرب، في الحدود الشمالية. ومن المشكوك فيه أن تكون هذه هي البشرى التي يتوق الجمهور الإسرائيلي لسماعها.

عن "إسرائيل اليوم"