تجاذبات بايدن وبوتين... والرعب الكوني

نبيل-عمرو-1-1.jpg
حجم الخط

بقلم  نبيل عمرو

 

تورط بوتين بحرب مكلفة كان بالإمكان تفاديها أو معالجة أسبابها بطرق مختلفة.

وتورط بايدن بنزف مالي وتسليحي لن يتوقف، ليس من أجل إنقاذ أوكرانيا وحماية أوروبا، بل من أجل استنزاف روسيا ووقف نموها، التي قطعت فيه شوطا مهما بعد أن تخلصت من المخلفات المرهقة للاتحاد السوفياتي، الذي كان قائما على أكتاف الروس وعلى حساب اقتصادهم وحياتهم.

تورط بوتين وبايدن، لم يعد مكلفا ماديا لدولتيهما وحسب، بل تجري من خلاله أخطر عملية تمزيق لدولة وشعب، وأخطر تهديد تعرضت له أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، فمن كان يتصور أن أوروبا المرفهة والثرية والمتقدمة تخشى من برد الشتاء بفعل عدم القدرة على التدفئة، ناهيك عن تعثر عمل مرافق كبيرة بفعل نقص الطاقة وبطء إيجاد البدائل، وإذا كانت الخسائر البشرية والسلاح من نصيب روسيا بالمقام الأول، وأوكرانيا الأضعف أساسا بالمقام الثاني، فإن الخسائر الأوروبية تبدو مفتوحة على ازدياد مضطرد، ويكفي مؤشرا أوليا على ذلك، ما سينفق على تطوير الجيوش الأوربية التي لم تعد دولها آمنة من التوريط الأمريكي، ولا هي مطمئنة إلى كفاية الناتو لحمايتها ودرء الأخطار المحدقة بها فالحرب ليست على حدودها بل في قلبها.

حتى الآن لم يخترع بعد الحاسوب الذي يفيدنا بأرقام دقيقة عن الخسائر الروسية والأوكرانية، فلا أحد من طرفي الحرب المباشرة يفصح عن خسائره وخصوصا البشرية منها، إلا أنه ومن قبيل الاستنتاج فحرب بين جيش سوفياتي راهن وجيش سوفياتي سابق، ومكانها مدن وقرى ومجتمعات، ومداها الزمني نصف سنة حتى الآن، فبوسعنا تقدير الخسائر على أنها فادحة وإلا فما معنى أن يتجه بوتين لتعبئة توصف بالجزئية قوامها مئات الألوف تحت السلاح وملايين في الانتظار للاستدعاء، مع منح جنسية روسية فورية لمن يرغب بالتطوع، وكذلك الأمر وإن بأرقام أقل يحدث في أوكرانيا، وبحسبة منطقية فإن نتائج هذه الحرب الشرسة والمكلفة وطويلة الأمد وواسعة المساحة، تبدو إنجازاتها على كلا الجانبين أقل شأنا من الثمن الذي دفع فيها حتى الآن.

روس أوكرانيا يعانقون أشقاءهم على أنقاض المدن المدمرة، وقوميو أوكرانيا دخلوا في حرب استنزاف كتلك التي دخل فيها الأفغان ضد الروس أولا ثم أمريكا تاليا، والنتيجة النهائية كما سجلت وقائع وخلاصات أفغانستان، أن خرج كل طرف من أطراف هذه الحرب خاسر حتى لو أقنع نفسه بأنه المنتصر.

أمريكا وروسيا انتصرتا بالهروب والأفغان انتصروا بعودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل سنوات طويلة، كل ذلك على فداحته أخف وطأة من الرعب النووي الذي أطل على العالم بعد احتجاب طويل الأمد منذ هيروشيما وناجازاكي، وبعد التسرب المحدود من تشيرنوبل، كان التسرب قليلا إلا أنه أرعب البشرية، فكيف يكون الحال والأمر تجاوز حكاية التسرب ليصل حد التهديد بالاستخدام.

لم تكن البشرية كلها في خطر كما هي الآن وحتى لو استبعدت الحرب النووية عن الأجندات الراهنة، إلا أن الخوف منها يدك قلوب مليارات البشر في كل أنحاء المعمورة فكثير من الأمور يبدو الخوف منها أعمق أثرا حتى من وقوعها.

بوتين يلاحق انتصارا لا زمن له، وبايدن يلاحق هزيمة روسية تبدو كذلك، وبين الاثنين حرب كونية مستمرة مركزها الساخن روسيا وأوكرانيا وعصفها يطال كل شبر وكل إنسان على وجه الأرض، بوتين يسعى لحفظ ماء الوجه بعد التعثرات الكبيرة، وبايدن يسعى لاستعادة الهيبة الأمريكية بعد تراجعات كثيرة، وبين هذا وذاك يضع مليارات البشر أيديهم على قلوبهم خوفا على حياتهم.