نتنياهو الذي استسلم لإملاءات "حماس"، ينتقد اتفاق الغاز !

حجم الخط

بقلم: آفي يسسخروف

 



في مثل اليوم قبل 11 سنة توصلت إسرائيل و"حماس" الى اتفاق على ما أصبح يُطلق عليه بشكل رسمي صفقة شاليت. كانت هذه صفقة معيبة وقع عليها رئيس الوزراء في حينه بنيامين نتنياهو، واليوم أصبح كبير منتقدي صفقة الغاز التي تنسج بين إسرائيل ولبنان.
كانت الصفقة غير مسبوقة في تاريخ المفاوضات على صفقات تحرير الأسرى من حيث عدد المحررين (1.027 مقابل جندي واحد، جلعاد شاليت) واساسا من ناحية هويتهم. 280 من بين المحررين كانوا ممن حكموا بمؤبدات على اعمال "ارهاب" ضد إسرائيل. ممن يعتبرون مع "دم على الايدي"، وأبعد الكثير منهم من الضفة الغربية الى قطاع غزة والى الخارج كونهم لا يزالون يعتبرون خطرا على أمن إسرائيل.
غيرت هذه الصفقة وجه "حماس" في غير قليل من المستويات: أولاً، منحت دفعة هائلة لشعبية المنظمة وقدمت ظاهراً دليلاً على "عدالة طريقها" – بمعنى ان الإسرائيليين يستسلمون امام القوة و"الإرهاب". ثانياً، لان تحرير هذا العدد الكبير من بين زعماء "حماس" الكثيرين تغيرت قيادة المنظمة في السنوات ما بعد ذلك، وعلى رأس الحركة في غزة يقف اليوم من كان يعتبر في حينه كبير السجناء المحررين، يحيى السنوار. السنوار ليس وحيدا. جملة زملائه – مثل روحي مشتهى، وغيرهم – اصبحوا مسؤولين كباراً في اجهزة "حماس" العسكرية في القطاع. في غزة أُقيمت "قيادة الضفة" التي تتكون كلها من محرري صفقة شاليت. وهم يعملون على مدار الساعة على توجيه وتمويل عمليات "الارهاب" في الضفة الغربية. بينما يتواجدون في قطاع غزة. بعض المحررين الآخرين ممن عادوا الى بيوتهم في الضفة عادوا الى تنفيذ عمليات "ارهاب" مادية ولم يكتفوا بالتوجيه عن بعد.
المسؤول عن كل هؤلاء شخص واحد ضغط ودفع لهذه الصفقة: نتنياهو. سلفه، إيهود اولمرت، عارض ذلك بشدة ورفض مطالب "حماس". غير قليل من التقارير في وسائل الإعلام ادعت بان نتنياهو فعل ذلك ليس فقط كي يؤدي الى تحرير شاليت، بل أيضا كي يؤدي الى إنهاء الاحتجاج الاجتماعي. من الصعب أن نقول ذلك. الواضح هو أن دولة إسرائيل برئاسته استسلمت في إملاء "حماس" التي طالبت بتحرير نحو الف سجين تقريبا من اللحظة التي اسر فيها شاليت، قبل خمس سنوات واربعة اشهر من ذلك. "حماس" لم تغير مطالبها. بينما نتنياهو، بالكلمات الاكثر بساطة انثنى. الرجل الذي يزعم انه "يعرف كيف يتحدث مع العرب" انكشف بعريه، واعطى لـ "حماس" مبتغاها. الاحتفالات التي اجرتها المنظمة في الضفة في الايام ما بعد ذلك كانت دليلا قاطعا على المسافة التي قطعتها إسرائيل للالتقاء بـ "حماس" في المفاوضات التي بدأت بوساطة مصرية وألمانية.
فهل كانت هذه كبوة لمرة واحدة؟ ليس حقاً. انثنى نتنياهو امام القوة – او للدقة، "الإرهاب" – اكثر من مرة واحدة، قبل وبعد صفقة شاليت. في أعقاب أحداث نفق "المبكى" في نهاية ايلول 1996 (قتل في حينه 17 جندياً إسرائيلياً ونحو مئة فلسطيني) توصلت حكومة إسرائيل برئاسة نتنياهو و م.ت.ف برئاسة ياسر عرفات لـ "اتفاق الخليل"، الذي تضمن انسحابا إسرائيليا من مناطق واسعة في منطقة الخليل وتقسيمها الى مناطق H1 وH2. في حدث آخر، عرف باسم "أزمة البوابات الالكترونية"، في تموز 2017، بعد موجة إرهاب واطلاق صواريخ من غزة نحو إسرائيل وبالطبع مظاهرات عنيفة وعاصفة، قرر نتنياهو ان يأمر بسحب البوابات الإلكترونية التي نصبت في مدخل الحرم (بعد عملية قاسية كانت هناك، قتل فيها شرطيان إسرائيليان).
ليس في كل هذا ما يعني ان الاتفاق الذي (ربما) ينسج بين لبنان وإسرائيل حول حقول الغاز، هو جيد. من متابعة للمنشورات المختلفة يبدو أن إسرائيل قطعت هنا شوطا طويلا نحو لبنان، او بكلمات أخرى، قدمت تنازلات كبيرة جدا. ثمة من سيقول انثنت. معقول جدا ان التخوف من مواجهة مسلحة مع "حزب الله" كان جزءا من اتخاذ القرارات في إسرائيل، ولهذا السبب ستخسر دولة إسرائيل مبلغا ماليا لا بأس به. لكن يجب أيضا الإشارة الى الفضائل: استقرار الساحة السياسية حيال لبنان، بداية العمل في كريش، في محيط هادئ سيمنح مداخيل كبيرة لصندوق الدولة، وأخيرا خلق تعلق لبناني لحقول الغاز وحتى مظهر من الاتفاق بين الدولتين هو تغيير ذو مغزى. من المعقول أيضا ان "حزب الله" الذي منذ 2006 كان حذرا جدا من الانجرار الى مواجهة مسلحة مع إسرائيل، سيحذر الآن اكثر. ولا يزال يعد هذا تنازلاً قدمته إسرائيل في صالح لبنان وأساساً انطلاقاً من الفهم بان الهدوء افضل – اقتصاديا وامنيا.
لكن لمن نسي لم يكن لابيد بالتأكيد اول من فعل ذلك وعلى ما يبدو ليس الأخير. العجب هو أنه يتبين ان حكومات إسرائيل في الماضي، بما في ذلك تلك التي برئاسة نتنياهو، فضلت تقديم تنازلات في المفاوضات مع منظمات "الإرهاب" وحتى الاستسلام لمطالبها، عندما يدور الحديث عن البشر. في حالة حقول الغاز لا يدور الحديث عن حياة البشر، بل المال فقط.
عن "يديعوت"