أصدر الاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين، اليوم الجمعة، بيانًا صحفيًا، بمناسبة يوم التراث الفلسطيني الذي يوافق اليوم السّابع من تشرين الأوّل من كل عام.
وفيما يلي نص البيان كما ورد وكالة "خبر":
تمسكا بالثابت الأصيل، وتمكينا لمجيد يعيشنا ونعيشه من غير رجفة جفن، نجدد الحقيقة الساطعة، أننا أهل الأرض الكاملة من رأسها في تاريخ لن تجرفه سطوة الاحتلال، ولن تهوده مؤامرات الظلام، رغم ارتفاع الأثمان، وقسوة المشوار، وانهيارات الذمم، في زمن الرمل والتطبيع الخائب مع صاحب المخرز المسموم، وإننا ثابتون على إبرة الجمر حتى انزياح مدلهمة طالت واستطال وجعها في الخاصرة، دون انحراف بعد إغراءات تجار المعاناة، ولا انفتاح شهوات الأضواء، في كتاب التردي الوسيع، فلنا الأصالة وفينا ومن أجلها نبقى أهل تراثنا وموروثنا، من عروة ثوب لخيوط أشبعت الحب فينا قربا، إلى حناء اليد في أعراس حرائرنا.
وإذ نعبر النهر وقد جفاه الجسر بُعدا غير مقطوع الأمل، نؤكد على أننا إلى قادم ينتصر، وقوس لن ينسى رمحه في بطن الريح من غير رجوع قريب، فسيل الدماء العطرة سقية أبدية لعهدة لن تجف عروقها، وليالي الأسر في جوف العتمات لن تمرر معاناتها دون حصاد واجب لنورِ أشجاره باسقات، وهذا العهد أن يبقى الاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين، على الوفاء تشبث العناد المحق دفاعا عن تراث شعبنا، وحراسة بوابته الصامدة في وجه الأنواء العاتية.
تراثنا الفلسطيني بذرتنا الأولى في الوجود، ودليلنا إلينا، وحقنا المنهوب بالجريمة الدامية، والعمارة المزيفة، لن نتراجع قيد أنملة عن شبابة أمهرت القمر عروسين، وأخذت المدى إلى نزهة فرح عامرة، ولن نترك أناشيد الحصادين الأوائل في بطن عدونا، لينهب أعواد سنابلنا، ويطحن عظامنا في طابع بريد مغشوش، ولن نتخلى عن أغاني الحجل، في مواسم الجبال والأودية التي تربت على زغاريد أمهاتنا، ولن تخذلنا الذاكرة في ذكريات الباحات المقمرة وهي تستقبل العائدين من حج مبرور، ولنا البقاء في أواني الجدات ونارهن في تنانير الصباحات الدافئة، ونسائم البحر تهب النسوة لفحة الشوق لأحبابهن، لن نترك عرق الأجداد في تربة سمراء انشقت عن نفسها لترى زيتونة الشمس فتضحك من فرط سعادتها زيتا صافيا.
تراثنا يعني وجودنا الذي كان ومنه امتداد سيرتنا في جدارية عريضة رسمتها أنفاس من قبلنا، ونرسمها بأنفاسنا، فلنا المواويل وقرص الفلافل، وربابة الراعي، وأغاني الفلاحات في السهول الممتدة، لنا كحل العيون، وقمباز الأشتية الباردة، وأيام الثلجة الكبرى، ورائحة البخور في زفة الأسمر والسيف أعلى من رقبة الريح وهي تحشد الممرات إلى فراغ مستهتر، ولنا سفر القرى وإن غابت بقهر الظلام، ولنا حمّالات القنو وهنّ يرتدين الحبرة من بعد هداية واجبة لإزار الحرير حول الخاصرة، والدامر زهو الرجال في نهارات الراحة، ولكل مشربه في تطريز البقاء، والمنقول رسالة في ميراث الأمانة الواصلة، وعين كل مدينة في ثوب الصبية ومن نزل من رحمها، وفي سير كل رجل رائحة الريحان العتيق، يروض الحاضر على دندنة الروح المشتاقة، ولنا في تراثنا كنوز النفس من علوم لا يختزلها عابرٌ جائر ليضعها في حقيبة سفره الصغيرة رغم فداحة ما فيها من دماء لأبرياء، ولا يحرفها معتد أثيم جاور الوحشية فكانت منه بمثابة الهواء للرئة، ولأننا أهل الحقيقة وصنّاعها، وزراعها، وماؤها من عرق جباه أجدادنا، لن نترك حقنا في ماضينا، لسماسرة الزيف والتحريف، فلاسفة القتل المريع، فتراثنا جزء من وجودنا، ومهما طال عمر العدوان لن يغير الزمن وتواريخه المتلاحقة من الحقيقة شيئا.
في يوم التراث الفلسطيني نكرر طلبنا الدائم إلى الهيئات الدولية، والأممية لرفع الغطاء عن المحتل الناهب لتراثنا، وتثبيت حق شعبنا في ماضيه وما أنتجه، وحراسة إثاره ومورثه، ووضع محاولات العدو المستمرة في سرقة ما لشعبنا كقضايا جنائية في المحاكم الدولية المعنية، وملاحقته قضائيا وفق القوانين الضامنة للتراث الشعبي وحق كل شعب في حماية تراثه.
كما ندعو كتّابنا وأدباءنا في فلسطين والمنافي، والكتّاب العرب وأنصار شعبنا من أدباء العالم، إلى صياغة الكلمة المدافعة عن تراثنا، وإبراز تفاصيل مورثنا الشعبي والرسمي، حفاظا عليه من الخطف والتحريف والنهب والتهويد، ولنبقى على عهد الشرفاء في أمانة القول والنقل، وتحميل الإبداع رسائل أهل الحقوق لمواجهة الرواية المحرفة، والمضادة لكل حقيقة.
وعلى شرف يوم التراث الفلسطيني نتوجه بالتحية المخلصة إلى شعبنا العريق، وبالدعاء ترحما على من قضوا نحبهم وهم يحفرون في الصخر وجودنا لنكون لهم الصوت والحنجرة، وحراس الأمانة، وسنبقى بالدم نكتب لفلسطين".