المجموعات المسلحة غير المُنظّمة في الضفة تربك الجيش الإسرائيلي و"الشاباك"

تنزيل.jpg
حجم الخط

بقلم تل ليف رام

بقلم تل ليف رام

في رحلة على طول طريق 60 من حوارة، من قاعدة لواء "السامرة" التي توجد بجوار المدخل الجنوبي لنابلس وحتى مفترق تفوح، الإثنين الماضي، في ساعات المساء المبكرة، أحصينا في القرية نفسها فقط، التي تقوم على محور سير حيوي للسكان اليهود والفلسطينيين على حد سواء، أكثر من 30 جنديا وشرطياً من حرس الحدود. كانوا يرابطون في مهام حراسة مختلفة، بقرب سيارات الدورية في المفترقات على طول الطريق، وأمام بوابات الدكاكين، وعلى أسطح المنازل. يجسد عدد الجنود العالي داخل القرية جيداً التوتر والخوف من تصعيد إضافي في هذه الجبهة. بعد ساعات قليلة من سفرنا على طول الطريق، جرت محاولة عملية أخرى حيث أُطلقت النار من بعيد من "مخرب" نحو قوة من الجيش الإسرائيلي، ترابط في أحد المفترقات المجاورة للقرية. انتهى الحدث بلا إصابات. عشية "يوم الغفران"، في ساعات الصباح، مرة أخرى مواجهة عنيفة بين مستوطنين وفلسطينيين، بعد أن وصلت مجموعة من اليهود إلى محيط مدرسة فلسطينية قرب مفترق "يتسهار"، وبدأ بين الطرفان تراشقاً متبادلاً للحجارة. شهدت العلاقات بين الفلسطينيين في حوارة وبين اليهود في المستوطنات منذ القدم ارتفاعات وهبوطات. ولكن في السنوات الأخيرة كانت جماعات الأغلبية المعتدلة في المستوطنات وفي أوساط الفلسطينيين هي التي كانت تعطي النبرة. لا توجد هنا قصة حب، لكن المصالح المشتركة في الهدوء على طول الطريق المشترك تغلبت مثلما تغلبت أيضاً العلاقات الاقتصادية والتجارية التي توثقت في السنوات الطيبة التي كانت هنا حتى السنة الأخيرة.
شهدت المحلات الكثيرة على طول الطريق، والكراجات، ومحلات غسل السيارات، أيضاً زبائن يهوداً كثيرين، بينهم غير قليل من مستوطنة يتسهار المجاورة. فهم اليهود والعرب على حد سواء المصلحة المشتركة، وانتصر الاعتدال، وتم جسر الفجوات الكثيرة، حيث كانت منطقة حوارة هذه ومحيطها على مدى عدة سنوات من أكثر المناطق هدوءاً وأمنا في أرجاء الضفة.
لكن هذا لم يعد قائماً. بقدر كبير، يروي تسخين الأجواء في حوارة أجزاء من قصة تصعيد الأشهر الأخيرة في شمال "السامرة". ظاهرة "الإرهاب" وعمليات إطلاق النار الكثيرة تعود إلى قلب المدن الفلسطينية، مثل جنين ونابلس، لكن الخطر الحقيقي على استقرار المنطقة يوجد في "المناطق" التي يكون فيها احتكاك يومي بين اليهود والفلسطينيين. في حوارة، بعد سنوات من الاستقرار، بات صوت "المتطرفين" الفلسطينيين واليهود على حد سواء هو الذي يعطي النبرة، ونجح في أن يغير الواقع من أقصاه إلى أقصاه في غضون وقت قصير.
أصبح رشق الحجارة نحو سيارات يهودية تسير على طول المحور أمراً عادياً، وبالمقابل العنف من جانب المتطرفين اليهود ورشق الحجارة نحو سيارات فلسطينية وإفساد الأملاك الفلسطينية لم تعد أحداثاً شاذة، كما حصل مثلاً، الإثنين الماضي، عندما حطم نحو 50 يهودياً من سكان المستوطنات المجاورة في وضح النهار سيارات عمل في موقع بناء فلسطيني.
جهاز الأمن، الجيش، والشرطة يجدون صعوبة كبيرة في إنفاذ القانون والنظام، ودوائر الكراهية والعنف آخذة في الاتساع فقط. رأى الجيش ولواء "السامرة" عن حق على مدى السنين أهمية كبيرة في الهدوء في حوارة كمصلحة أمنية واضحة، وعززا قنوات التعاون الاقتصادي والحوار المعتدل مع القيادة الفلسطينية في القرية. المسؤولية عن لواء "السامرة" هي الجيش، الذي عزا لنفسه على مدى السنين نقاط استحقاق على حفظ النظام في الجبهة وفي توازنات صحيحة بين الأمن ونسيج الحياة المدنية، لذلك فإن تغيير الواقع الأمني هو بمثابة فشل عسكري أيضاً، وهو التحدي الأهم أمام قائد اللواء، العقيد شمعون سيسو، الذي حلّ قبل أقل من شهر فقط محل العقيد روعي تسفيغ.
إلى جانب موجة العمليات في نيسان – أيار، يحددون في جهاز الأمن المواجهات حول رفع الأعلام الفلسطينية على طول الطريق، الذي يقطع القرية، في نهاية أيار من هذه السنة كنقطة انعطافة مهمة سرعت ميل التصعيد والمواجهات بين الفلسطينيين واليهود في المنطقة.
علّق سكان حوارة، كما أسلفنا، أعلاماً فلسطينية في الطريق الذي يقطع القرية ويؤدي إلى مستوطنات الجبل. مجموعة من المستوطنين، بينهم تسفي سوكوت، شخصية بارزة جداً في المستوطنات، وثقوا في شريط فيديو وهم يتسلقون الأعمدة لأجل إنزال الأعلام، الأمر الذي تكرر بعد ذلك مرات عديدة، وأثار نقاشاً وجدالاً سياسياً، بل أثار انتقاداً داخل الجيش ضد العقيد تسفيغ بعد أن حماهم الجنود، بل أنزلوا هم أنفسهم الأعلام داخل القرية، ما اعتبر في قيادة الجيش استفزازاً زائداً رفع فقط مستوى التوتر.
في المستوطنات في المنطقة أيضاً سمعت أصوات مضادة. فقد نشرت القناة "7" أقوالاً ضد إنزال الأعلام صادرة عن حاخام مستوطنة هار براخا، إليعزر ميلميد، مثلما نشرت أيضاً أصوات السكان، الذين ادعوا أن الانشغال بإنزال الأعلام يؤدي إلى تسخين وتصعيد زائدين في الجبهة.
ليس في ذلك ما يبرر العنف، "الإرهاب"، ورشق الحجارة نحو سيارات إسرائيلية، وهو الميل الذي أصبح شبه يومي في الأشهر الأخيرة. إنزال الأعلام بالتأكيد ليس السبب الوحيد، لكن يوجد في التصعيد الأخير ما يتطلب من الجيش أن يراجع نفسه كيف كان يمكنه أن يعمل بذكاء وبحكمة أكبر كي يهدّئ الخواطر. سؤال كبير آخر يمكنه أن يطرح بشأن قلة الاعتقالات والتحقيقات، فيما تزداد في المقابل ظواهر العنف، ورشق الحجارة، وإلحاق الضرر بالممتلكات من جانب شبان يهود متطرفين أيضاً. يمكن الافتراض بأن الأغلبية الصامتة في حوارة وفي الاستيطان الإسرائيلي معنية بالهدوء وبالحياة بأمان، لكنها بحاجة لجهاز أمن – جيش وشرطة فاعل، مبادر، ومنفذ للقانون، وليس لجهاز ينجر وراء الواقع في الميدان، وصوت المتطرفين، ويجد صعوبة في حكم المنطقة.

إشعال الشارع
على بعد بضعة كيلومترات من حوارة، حيث وقعت عملية إطلاق النار الأخيرة، نُفذت، هذا الأسبوع، عمليتا إطلاق نار أخريان ضد قوات الجيش الإسرائيلي. وخلف هذه العمليات الثلاث تقف الشبكة الجديدة في نابلس والتي تسمى "عرين الأسود". يدور الحديث عن شبكة "إرهاب" باعثة على التحدي الشديد لجهاز الأمن، إذ بخلاف منظمات "الإرهاب" المؤطرة والمعروفة، فإن هذه قبل كل شيء مفهوم شديد غريب في حجومه.
على مدى سنوات طويلة تتصدى إسرائيل بنجاح عال لمنظمات مؤطرة مثل "حماس" و"الجهاد". فالتوغل الاستخباري، والقدرات التكنولوجية، والأعمال العملياتية في الميدان، واعتقالات المطلوبين المتواصلة منذ سنين كل ليلة، تؤدي إلى أن يحبط الجيش و"الشاباك" مئات العمليات القاسية كل سنة.
لا يسمح النشاط الحثيث لتلك المنظمات بأن تعيد بناء شبكاتها، القيادات، مختبرات المواد المتفجرة، وسلسلة القيادة التي كانت لهم عشية الانطلاق إلى حملة "السور الواقي". منذ الحملة ذاتها مرت أكثر من عشرين سنة، ولا تزال منظمات "الإرهاب" الكبيرة والمعروفة بعيدة جداً عن امتلاك القدرات العملياتية التي كانت لها في الماضي.
من هنا أيضاً فإن موقف جهاز الأمن هو أنه لا يوجد مضمون عملياتي من خلف الأقوال التي تُسمع هذه الأيام في الساحة السياسية وفي الخطاب الجماهيري عن عملة "سور واق-2" كبيرة في ضوء التصعيد الأمني الأخير. تعالج هذه المنظمات بشكل ناجع في إطار النشاط الذي ينفذ في السنوات الأخيرة، وبقوة أكبر في الأشهر الأخيرة.
عملية إطلاق النار، هذا الأسبوع، قرب "ألون موريه"، والتي أُصيب فيها بجروح طفيفة سائق سيارة عمومية إسرائيلية، تعبر جيداً عن نمط العمل وميول "الإرهاب" الجديدة في المنطقة التي بات صعباً أكثر على جهاز الأمن التصدي لها بسبب التحدي الاستخباري الجديد. اعتُقل "المخرب" سلمان عمران، وهو نشيط معروف سابق من "حماس"، بعد أن أطلق رشقة من سلاح أوتوماتيكي من سطح المبنى في بلدة بيت فوريك نحو باص محصن وسيارة عمومية. في غضون دقائق قليلة صعد الفيلم إلى الشبكات الاجتماعية، وعلى الفور أعلن تنظيم "عرين الأسود" المسؤولية عن العملية، حيث اعتقل في "يوم الغفران" الأخير. في نابلس يسمون التنظيم الجديد "أبناء الفتح". أولئك الشبان الفلسطينيون ممن ليسوا تحت علم ديني أو رعاية منظمة "إرهاب" جهادية، حيث يسعون ليتصدروا خطاً وطنياً صقرياً جديداً ضد إسرائيل. في جهاز الأمن لا يشخصون في هذه المرحلة شبكة منظمة ومراتبية قيادية. ويبدو مرات عديدة أن الانتماء لشبكة "الإرهاب" الجديدة يتم بعد تنفيذ العملية.
في منطقة جنين، التي كانت مركز التصعيد الأخير، تتم معظم أحداث إطلاق النار والعمليات بين "مخربين" مسلحين ومقاتلي الجيش الإسرائيلي، لكن في نابلس طبيعة الجبهة مختلفة. فثمة مستوطنات يهودية عديدة توجد في المنطقة مثلما هي أيضاً محاور حركة مشتركة للإسرائيليين والفلسطينيين، الأمر الذي يؤدي إلى اندفاع سريع في تنفيذ عمليات إطلاق النار الموجهة ضد مدنيين، ومن هنا فإن نابلس، عاصمة "الإرهاب" في الماضي والتي كانت غافية نسبياً على مدى السنين، أكثر خطورة بكثير على استقرار المنطقة، وعلى السكان، وتبعث على التحدي من ناحية أمنية حتى أكثر من جنين.
في الجيش و"الشاباك" قلقون من أن تنتقل هذه الظاهرة من نابلس إلى مناطق أُخرى في الضفة، وبات يمكن تشخيص مؤشرات أولية في أماكن أخرى. "حماس" و"الجهاد" لا تقفان خلف هذه الشبكات، ويبدو أنها نشأت في الميدان بشكل عفوي. ومع ذلك، فهموا في "حماس" بسرعة جداً الإمكانية الكامنة لإشعال الميدان أمام إسرائيل والسلطة الفلسطينية. وبالتالي في بعض الحالات على الأقل يقدمان مساعدة مالية أو سلاحاً لتنفيذ العمليات. إضافة إلى ذلك كجزء من المعركة على الوعي توفر منظمات "الإرهاب" منحة مالية يمكن أن تصل إلى بضع مئات من الدولارات على رفع أفلام إلى الشبكات الاجتماعية فور تنفيذ العملية، حتى لو كانت هذه إطلاق نار من بعيد نحو سيارة في موقف، مستوطنة إسرائيلية، أو قاعدة. وحتى في الحالات التي يكون واضحاً فيها أن احتمال الإصابة متدنٍ.
في "حماس" يشخصون الإمكانية الكامنة التي في فكرة إشعال وجرّ الشارع الفلسطيني حيثما فشلوا المرة تلو الأخرى في السنوات الأخيرة. وهم يؤيدون الفكرة رغم الفوارق في التفكير الديني، ويحاولون تعزيزها بتمويل موضعي، لكن ولا بأي حال يقودون المعركة. لا من الضفة ولا من غزة. يواجه الجيش و"الشاباك" صعوبة في التصدي للميل الجديد، وهي تنبع من أنه ليس لهذه الشبكات عنوان واضح: لا مؤسسات، لا منظمات، ولا مطلوبون كبار، وبالتالي جمع المعلومات لإحباط العمليات يصبح مركباً على نحو خاص.
مرات عديدة يكون القرار بتنفيذ عملية عفوياً، مثل إطلاق النار نحو تظاهرة سكان "السامرة" ورئيس المجلس يوسي داغان، هذا الأسبوع، والذي أُصيب فيه مقاتل من الجيش الإسرائيلي. هذا الحدث كان يمكنه أن ينتهي بشكل أخطر بكثير. فحرية التظاهر بالطبع ليست موضع شك، ولكن حتى الآن ليس واضحاً لماذا أُقرت التظاهرة قرب مدخل نابلس في منطقة مكشوفة تماماً للنار، فيما يدعون في الجيش أنه في أثنائها خرج بعض المستوطنين عن المسار الذي خصص لهم، وتقدموا عشرات الأمتار داخل الأراضي الفلسطينية.
في الجيش الإسرائيلي غاضبون من غياب تحمّل المسؤولية، ومن الكشف الزائد لخطر إطلاق النار على المدنيين، من نساء وأطفال ومقاتلين في حدث زائد، بينما كان يمكن إجراء التظاهرة في مكان آخر. هذه الرسالة هي الأخرى رفعها رائد الفرقة، آفي بلوط، في لقاء مع السكان في المنطقة، لكن يبدو أنهم في الجيش حذرون جداً من أن يقولوا ذلك بشكل واضح خوفاً من أن يعلقوا في ورطة سياسية، وبالتأكيد حين نكون عشية الانتخابات.

عن "معاريف"