المصالحة الفلسطينية في الجزائر كملهاة أو كـ"طبخة بحص" أخرى

حجم الخط

بقلم ماجد كيالي

 

"في هذه اللحظات المصيرية من تاريخ شعبنا... وفي هذا الاجتماع التاريخي المنعقد اليوم، ينطلق الفعل الفلسطيني على قلب رجلٍ واحد تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا، بمبادرة شجاعة ومسؤولية وطنية عالية من الأخ الرئيس أبو مازن... وكشعب واحد وموحد، نعيش في وطنٍ حرٍ واحد، توافقنا... أن نعيش في ظل نظام سياسي ديموقراطي واحد، وسلطة واحدة، وقانون واحد، في إطار من التعددية السياسية والفكرية، وترسيخ مبدأ التداول السلمي للسلطة من خلال الانتخابات الحرة والنزيهة، وفق التمثيل النسبي الكامل في دولةٍ وفق المعايير الدولية".

 

هذا ليس بياناً جديداً، فهو بعض مما جاء في بيان صدر عن آخر "مفاوضات" جرت بين الفصائل الفلسطينية قبل عامين، بين تموز (يوليو) 2020 ونيسان (أبريل) 2021، في رام الله وغزة وبيروت وإسطنبول والقاهرة، لإنهاء الانقسام في النظام السياسي الفلسطيني، واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية، وتحقيق المصالحة الداخلية، خصوصاً بين الفصيلين الأكبرين "فتح" و"حماس"، إذ من المرجح أن يتضمن البيان الجديد، الذي سيصدر بعد أيام، عن "مفاوضات" فلسطينية ـ فلسطينية أخرى، تُجرى في الجزائر للغرض ذاته، تحت رعاية الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، والتي يشارك فيها 14 فصيلاً، كلاماً مكرراً من الطراز ذاته.

 

ما يفترض التذكير به هنا، أيضاً، أن محاولة المصالحة، واستعادة الوحدة، ربما هي الـ16 من نوعها، بعد الاتفاقات الثنائية أو الجماعية، التي تمت طوال الـ17 سنة الماضية، بدءاً من إعلان القاهرة 2005، ثم وثيقة الأسرى 2006، وبعد ذلك اتفاقات مكة 2007، وصنعاء 2008، والقاهرة 2009 و2011 و2012 و2014 و2017، والدوحة 2012 و2014، والضفة وموسكو 2018 وغزة 2018، ورام الله وبيروت وإسطنبول 2020 ـ 2021، إذ إن كل تلك الاتفاقات ظلت حبراً على ورق، بل وتمت الإطاحة بها قبل أن يجف حبرها، وآخرها حصل بعد عودة القيادة الفلسطينية إلى التنسيق مع إسرائيل بعد أن تم تجميده لأشهر (أواخر 2020)، والذي أعقبه قرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس بتجميد أو إلغاء الانتخابات الفلسطينية التي كانت مقررة في نيسان (أبريل) 2021.

 

ثمة أسباب كثيرة لا تشجع على التفاؤل بأية محاولة فلسطينية للمصالحة واستعادة الوحدة، لا سيما أن الحديث لا يتعلق بهموم وأولويات حركات تحرر وطني، إذ الخلاف بات له طابع مؤسسي، مع تحول الحركة الوطنية الفلسطينية إلى سلطة، بكل معنى الكلمة، ولو كانت منقوصة السيادة، حيث حركة "فتح" سلطة في الضفة، وحركة "حماس" سلطة في غزة. والحاصل أن لا "فتح" مستعدة للتنازل عن سلطتها ومشاركة "حماس"، والعكس صحيح، فلكل واحدة من الحركتين مؤسساتها وقواها الأمنية المسلحة ومواردها المالية، وعلاقاتها الإقليمية أيضاً.

 

أيضاً، ما يعزز الخلاف، والانقسام، والتنازع، بين الحركتين أن كل واحدة منهما تنطلق من رؤية أو من خلفية فكرية وسياسية تختلف عن الأخرى، فحركة "فتح" تعتبر نفسها حركة وطنية فلسطينية أولاً، في حين حركة "حماس" تنظر إلى نفسها كحركة إسلامية أولاً، ويفاقم من ذلك أن كل حركة منهما تستمد دعمها ونفوذها من قوى إقليمية تختلف عن الأخرى، بغض النظر عن الشعارات المطروحة، وضمنه تركيز "فتح" على إنهاء الاحتلال في الأراضي المحتلة عام 1967، وتركيز "حماس" على أنها حركة لإنهاء إسرائيل، فالإثنتان تتقاطعان في التركيز على كون كل واحدة منهما سلطة في إقليمه، مع تحوّل "حماس" نحو التركيز على إنهاء احتلال إسرائيل للضفة وغزة، وقبول هدنة ولو كانت طويلة الأمد.

المشكلة بين الحركتين تكمن، أيضاً، في أن "فتح" تهيمن على منظمة التحرير الفلسطينية، المفترض أنها بمثابة الكيان الجامع للشعب الفلسطيني، في حين تقف "حماس" خارج ذلك الإطار، أي أنها ترغب في مشاركة "فتح" في قيادة المنظمة، وهو ما لا تسهله الحركة الأخرى، بمعنى أن "حماس" ترغب في أن تكون شريكة في قيادة النظام السياسي الفلسطيني بمجمله، المنظمة والسلطة، لذلك فهي تطرح التوافق على رزمة كاملة.

 

ويُستنتج من ذلك أن المحادثات الجارية تتوخى مجرد تقاسم السلطة، أو الشراكة في إدارة النظام السياسي الفلسطيني، بين "فتح" و"حماس"، بمعزل عن الفصائل الأخرى، التي بات أغلبها لزوم ما لا يلزم، وأيضاً بمعزل عن الشعب الفلسطيني، الذي بات خارج المعادلات السياسية في الداخل والخارج، بحكم واقع السلطة في الضفة وغزة، وتضاؤل شرعيتها، وبحكم إخراج اللاجئين الفلسطينيين في بلدان اللجوء والشتات من المعادلة السياسية الفلسطينية.

 

وعليه، ثمة ما يرجّح أن نتائج تلك المحاولة، هذه المرة، لن تكون بأفضل من سابقاتها، لا سيما أن قيادتي "فتح" و"حماس" لم تذهبا إلى هذه المحاولة مجدداً إلا بضغط الظروف والتحديات والضغوط الخارجية، وبواقع الأزمة التي تعيشها كل واحدة من الحركتين، لا سيما مع تعثر مشروعهما في المقاومة والمفاوضة وفي السلطة، وليس بناءً على إدراك كل منهما لضرورة الانتهاء من الوضع الفلسطيني الشاذ المتمثل في الانقسام، ولا إدراكاً منهما بتغليب واقع التحرر الوطني على واقع السلطة.

 

المعضلة أن القيادات الفلسطينية لم تصل بعد لإدراك طبيعة أزمة العمل الوطني، باعتبارها أزمة شاملة وعميقة تطاول الكيانات والسياسات والخيارات والخطابات والرؤى وأشكال الكفاح، وأن هذا الواقع بات يتجاوز فكرة الإصلاح والتعويم، إلى تجديد الحركة الوطنية الفلسطينية، التي دبّت فيها الشيخوخة والترهل والجمود بعد أن بات لها من العمر 58 عاماً.

 

مع ذلك يفترض إيجاد الوسائل والديناميات المناسبة للضغط على تلك القيادات - السلطة، لإحداث تغيير سياسي فلسطيني، وهذا يحتاج بداية إلى إحداث تغيير في الوعي السياسي الجمعي للفلسطينيين في الداخل والخارج، وأيضاً يتأسس على وحدانية الشعب والأرض والقضية والرواية التاريخية، وإجراء مراجعة نقدية للتجربة الوطنية الفلسطينية.