في أزمة المفاوضات.. لبيد يرفض مطالب لبنان ويرسل تهديداً وغانتس يتهيأ لـ”سيناريو التصعيد”

عاموس-هرئيل.jpg
حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل

نحتاج بصعوبة إلى أسبوع كي يتحول التفاؤل الساحر في إسرائيل بخصوص احتمالية التوقيع على الاتفاق مع لبنان إلى تشاؤم جارف. نشرت حكومة لبنان أمس بيانات تحفظ من صيغة الاتفاق على الحدود البحرية؛ وعقد “الكابينت” جلسة طارئة، لم تنته بالتصويت؛ أعلن فيها وزير الدفاع بني غانتس، وبصورة استثنائية، أنه أعطى توجيهات للجيش للاستعداد لـ “سيناريو تصعيد في الشمال” بكل الجهود الهجومية والدفاعية على خلفية أزمة المفاوضات.

عندما عرض الوسيط الأمريكي، عاموس هوكشتاين، اقتراح الحل الوسط خطياً على الطرفين قبل أسبوع كان كل شيء يظهر مختلفاً، فقد ظهرت الردود من إسرائيل ولبنان إيجابية جداً، لكن الأمور بعد ذلك بدأت تتعقد. وهاجم رئيس المعارضة، بنيامين نتنياهو، الحكومة بشدة بسبب خضوعها كما يبدو للبنان و”حزب الله”. يبدو أن رئيس الحكومة يئير لبيد، شعر بضغط وجُرّ إلى شجار لا حاجة إليه مع الليكود. بدلاً من محاولة إنزال الخلاف عن رأس جدول الأعمال، بالغ لبيد ورجاله في إصدار تصريحات انفعالية بدرجة معينة، وصفت الاتفاق بأنه إنجاز استراتيجي، وقارنته باتفاقات إبراهيم التي أدت إلى التطبيع مع دول الخليج، بل ولدغت نتنياهو بانتقاده بعدم نجاحه طوال العشر سنوات في تحقيق ما حققه لبيد في شهرين.

كل ذلك كان مدحوضاً تماماً؛ فقرار الحكومة حول الاتفاق كان معقولاً ومطلوباً في هذه الظروف. وخلافاً لادعاءات المعارضة، لم تتنازل إسرائيل هنا عن أجزاء من الوطن ولم تخضع للإرهاب. فقد أجرت موازنة باردة وموضوعية وقررت أن تدفع بتنازلات مالية بهدف إخراج حقول الغاز من معادلة المواجهة وحرمان نصر الله من ذريعة رئيسية لتصعيد مستقبلي. ولكن الصفقة لم تحل حتى النهاية، سواء من الداخل أو من الخارج. وقد تبين للبيد وغانتس بأن عملية المصادقة على الاتفاق قد تكون أطول مما اعتقد، وأن معارضيه يمكنهم إعاقته باللجوء إلى الالتماس للمحكمة العليا.

 على خلفية هذه التطورات، قامت الحكومة بعملية استدارة أو أنها تظاهرت بالتراجع. وأعلن مصدر سياسي رفيع، أمس، للمراسلين باسم لبيد بأن لبنان يريد إجراء تغييرات جوهرية في الاتفاق، وأنه قرر رفضها (تولد لدى الإدارة الأمريكية انطباع بأن طلبات لبنان صغيرة جداً). لكن لبيد، كما قيل، لم يتنازل عن مصادر إسرائيل الأمنية والاقتصادية حتى لو كان معنى ذلك رفض الاتفاق. مع ذلك، إسرائيل مصممة على استخراج الغاز من طوافة كاريش في اللحظة التي يمكنها فعل ذلك تقنياً؛ وأي تهديد للحفر من الطرف اللبناني سيؤدي إلى وقف المفاوضات. كان بيان لبيد مقتضباً إزاء تصريحات غانتس بعد بضع ساعات. وأعلن مكتب وزير الدفاع بأن الجيش مستعد لأي سيناريو في الشمال. وسارعت النشرات الإخبارية للإبلاغ عن ارتفاع الاستعدادات والتوتر على الحدود مع لبنان.

 قبل ثلاثة أسابيع ونصف على الانتخابات، يصعب فصل مركبات خليط لزج للاعتبارات والضغوط الأمنية ومناورات المفاوضات والغمز السياسي. هل يقلق غانتس بالفعل؟ هل يتبنى رئيس الحكومة ووزير الدفاع خطاً متشائماً فقط لردع الحكومة اللبنانية وجعلها تتراجع عن طلباتها؟ هل تم إغلاق نافذة الفرص للتوقيع على الاتفاق قبل الانتخابات وأن الائتلاف لا يريد سوى تقليص أضراره وينزل نتنياهو عن ظهره؟

لا يسهم نتنياهو في تهدئة النفوس؛ فقد سارع رئيس الليكود لينسب إلى نفسه وأصدقائه تراجع حكومة لبيد لتقول بأنها أنقذت المصالح الأمنية الإسرائيلية. المتحدث بلسانه أحسن فعلاً أكثر من ذلك، إذ غرد بأن “باراك هرب من لبنان، أما أولمرت فتم قصفه من لبنان، ولبيد استسلم للبنان. علينا إعادة يمين قوي أمام لبنان”. 

حتى لو أخذنا في الحسبان علاقة دعاية الليكود المرنة مع الحقائق، فيبدو أنه كسر رقماً قياسياً صغيراً هنا. هذا هو نتنياهو نفسه الذي خاف من اتخاذ أي خطوة في جنوب لبنان في سنواته الثلاث الأولى في الحكم، في نهاية التسعينيات، في الوقت الذي يرتفع فيه الثمن الدموي هناك. كان مطلوباً قرار شجاع من إيهود باراك الذي هزمه في الانتخابات لإخراج الجنود من المنطقة الأمنية. وعندما عاد نتنياهو إلى الحكم في 2009 اتخذ فعلياً في لبنان خطاً حذراً كان بعيداً عن خطابه المتشدد.

بخصوص البيانات الإسرائيلية الواثقة بشأن بداية الحفريات، يجب أن نتذكر بأنها مرتبطة بتعاون صاحبة الامتياز، الشركة البريطانية – اليونانية “انيرجيان”. حتى الآن، أظهرت هذه الشركة تعاملاً مرناً جداً مع الجداول الزمنية. وبقي رؤية ما إذا نجح لبيد في إقناع رؤساء هذه الشركة بإرسال عمالها إلى “كاريش” في حالة جدد “حزب الله” تهديداته بضرب الطوافة.

في هذه الأثناء، يبدو أن احتمالية التوقيع على الاتفاق والمصادقة عليه قبل الانتخابات ضعفت كثيراً. من السابق لأوانه الحديث عن حرب؛ فهي لا تبدو مصلحة لأي طرف من الطرفين. ولكن لا شك بأن نسبة العصبية ارتفعت، وأن الجيش الإسرائيلي يستعد بجدية لاحتمالية استفزاز آخر من “حزب الله” قرب الطوافة. لن تخرج الحكومة بشكل جيد من هذه القصة، لكن المعارضة لم تحقق أي فائدة انتخابية منها حتى الآن، على الأقل ما لم يتم تسجيل احتكاك عسكري حقيقي في الشمال.

 

 هآرتس