تفجير جسر القرم ضربة لبوتين

حجم الخط

بقلم: انشل بابر

 

 


في 15 أيار 2018 أضاف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، فيلما جديدا لمجموعة الأفلام المثيرة للانطباع لعروضه الرائعة، هذه المرة وهو يقود بثقة شاحنة فوق الجسر. لم يكن هذا مجرد جسر. بعد أربع سنوات على احتلال جنوده جزيرة القرم وضمها، قام بتدشين الجسر فوق مضيق كيرتس.
أقيمت 19 كم من الشوارع وسكك الحديد بتكلفة 3.7 مليار دولار، وربطت بين الأم روسيا وشبه جزيرة القرم.
هذا الجسر هو الجسر الأطول في أوروبا؛ "مشروع بناء القرن"، حسب وسائل الإعلام في روسيا. على مدى مئات السنين حلم الروس بهذا الجسر، قال بوتين في خطابه. والآن "حدثت المعجزة". المعنى الرمزي والاستراتيجي كان واضحاً وهو أن روسيا لا تنوي التنازل مرة أخرى عن شبه جزيرة القرم في أي يوم. والآن هي لا تعتمد على خطوط التزويد التي تمر في أراضي أوكرانيا.
صمدت هذه المعجزة حتى الساعة السابعة صباحا أول من أمس إلى حين دمّر انفجار شديد جدا مقطعا كبيرا من الجسرين المعبدين وقطعه بالكامل، وفي الوقت ذاته تسبب بحريق كبير في سكة الحديد. استخدام جسر القرم الآن سيكون بشكل محدود لبضعة أشهر على الأقل.
الاعتقاد الأساسي، مثلما صادقت روسيا أيضا، هو أن الانفجار، الذي يظهر بوضوح في كاميرات الحماية ومن السيارات التي كانت فوق الجسر، كان نتيجة انفجار شاحنة محملة بالمواد المتفجرة سارت فوقه. ولكن ما زال من السابق لأوانه استبعاد احتمالات أخرى مثل القصف من الجو أو إطلاق صواريخ بعيدة المدى أو سفينة كانت تبحر تحته.
على أي حال كانت الدقة الزائدة مطلوبة هنا من أجل القيام بتفجير بهذه القوة فوق جسر ضيق. ولكن تقريبا لا يوجد أي خلاف حول أمر واحد وهو أن هذا هجوم ناجح للأوكرانيين الذين أظهروا سرورهم بسرعة وتحملوا المسؤولية الضمنية عن الهجوم.
بعد يوم على عيد ميلاد بوتين السبعين تعرضت روسيا لضربة شديدة، سواء معنويا أو استراتيجيا، منذ بدأت الحرب في أوكرانيا. "العملية العسكرية الخاصة"، التي حسب الكرملين كان يمكن أن تضمن سيطرة روسيا على الأقاليم الشرقية في أوكرانيا، كشفت ليس فقط ضعف الجيش الروسي، بل أيضا حقيقة أنه غير قادر على ضمان الأمن في المناطق التي احتلها في السابق.
تفجير الجسر لا يفصل شبه جزيرة القرم عن روسيا. فبالإمكان نقل التموين عن طريق البحر، والروس يوجد لهم معبران بريان في المنطقة المحتلة في شرق أوكرانيا. ولكنّ هذين المعبرين قريبان جدا من الجبهة، وهما مكشوفان للنيران الأوكرانية. أثناء الغزو تم استخدام القرم ممرا لوجستيا رئيسا للوحدات المقاتلة في الشرق، والآن يتوقع أن يتضرر حجم الدعم بشكل كبير.
يواجه الجيش الروسي في الأصل كابوسا لوجستيا متواصلا، حيث تنقص الجنود على الأرض الذخيرة والوقود والوسائل الأساسية. المهمة الرئيسة للروس مؤخراً هي استقرار الجبهة الشرقية أمام تقدم كبير لأوكرانيا في بؤر مختلفة. المعضلة الوحشية التي يمر بها الجنرالات الروس، الذين يشغلهم سؤال أين يجب تقديم الدعم ووضع الوحدات الفقيرة أصلا في جبهة طولها أكثر من ألف كم، ستتحول الآن إلى معضلة أشد.

ثقة زائدة بالنفس

إلى جانب التداعيات الفورية لتقليص مسارات التموين من القرم إلى ساحة الحرب في أوكرانيا، فان تفجير الجسر طرح علامات تساؤل مهمة حول اتخاذ القرارات، سواء في كييف أم في موسكو. على فرض أن الهجوم نفذ وبحق بتعليمات مباشرة من الرئيس الأوكراني، فلوديمير زيلينسكي، فإن هذا يدل على الثقة الزائدة بالنفس. هذا هو التحدي المباشر والمكشوف حتى الآن أمام رمز روسيا الرئيس.
في هذه المرحلة من غير المعروف إذا كان حلفاء أوكرانيا يعرفون عن خطة الهجوم أو إذا تم الأمر بوساطة سلاح وفره الغرب لأوكرانيا. قبل ذلك سربت جهات في الإدارة الأميركية لـ "نيويورك تايمز" بأن اغتيال الناشطة الوطنية، داريا دوغينا، قبل ستة أسابيع في موسكو، تم تنفيذه من قبل جهات مرتبطة بالنظام في كييف، وأن هذا الأمر قد تم بعدم رضا من يجلسون في واشنطن، الذين لا يحصلون دائما على تقارير عن الخطط الأوكرانية.
رغم أن الإدارة الأميركية زودت أوكرانيا حتى الآن بكمية كبيرة غير مسبوقة من السلاح فإن الأميركيين يحرصون على عدم نقل سلاح يمكن أن يمس بعمق أراضي روسيا.
في الوقت الذي تنجح فيه أوكرانيا في ضرب الكثير من المواقع الاستراتيجية بشكل ناجع، بما في ذلك مطارات عسكرية في القرم، فان الرئيس الأميركي، جو بايدن، غارق في انتصار أوكرانيا، لكنه يخشى من تصعيد يمكن أن يجر الولايات المتحدة إلى داخل أوكرانيا بشكل مباشر أكثر، والذي يمكن أن يجعل روسيا تستخدم السلاح النووي.
السيناريوهات المختلفة حول استخدام روسيا للسلاح النووي ضد أوكرانيا مرتبطة بأسئلة لا يوجد لدى أي أحد إجابة عنها.
هل يئس بوتين بما فيه الكفاية من اجتياز الخط الأحمر الأخير الذي بقي حتى الآن وتحطيم "التابو" الموجود منذ 77 سنة منذ قصف هيروشيما وناغازاكي، من خلال استخدام عسكري للسلاح النووي؟ إذا كان الأمر هكذا فهل بقي في القيادة الروسية من ما زالوا قادرين على وقفه؟ في الغرب يأخذون التهديد بجدية كبيرة، وفي واشنطن يعمل طاقم كبير، أعد في السابق لجو بايدن، عدة طرق عمل رداً على مثل هذا التطور.
إضافة إلى ذلك فإن البدائل لدى بوتين قليلة. فعلى الأرض الجيش الروسي غير قادر على أن يحتفظ في هذه الأثناء بالمناطق التي احتلها في الأشهر الأخيرة. ولا نريد التحدث عن هجوم مضاد. روسيا في الواقع يمكن أن تواصل إطلاق الصواريخ والقذائف على التجمعات السكانية، وعلى البنى التحتية في أوكرانيا، لكنها في الأصل تفعل ذلك منذ الغزو. ومخزون الصواريخ بعيدة المدى آخذ في الانخفاض.
أيضا القصف الروسي جواً لا يتوقع أن يكون مهما في ظل غياب التفوق الجوي.
هناك احتمالية واحدة يخشون منها وهي حدوث خلل نووي في المنشأة النووية زابوريجيا التي توجد الآن تحت سيطرة روسيا.
في الوقت ذاته أصبح الضغط الداخلي على بوتين يقوى. فالأسبوع الذي انقضى، منذ أن أعلن بصورة احتفالية عن ضم الأقاليم الأربعة في شرق أوكرانيا، كان مليئا بالعناوين عن إخفاقات عسكرية أخرى وفقدان مناطق واسعة، ما يعتبر الآن أراضي روسية خاضعة للسيادة. في الشبكات الاجتماعية ينشر المزيد من الصور والأفلام التي توثق مواقع مهملة ومخازن سلاح فارغة ومناطق تجمع متروكة تم إحضار سكان روس إليها أصبحوا بين عشية وضحاها جنوداً.
في الاستوديوهات يتهم المعلقون الآن قادة الجيش بالإخفاقات وليس الرئيس، لا سمح الله. بعد مهاجمة الجسر سيتعين على المعلقين للعثور على مذنبين جدد، بوتين كان مرتبطاً شخصياً بالجسر بشكل كبير بحيث لا يمكن أن يضره ذلك.

*عن "هآرتس"