لا حرب ولا سلام على أي من جبهات المنطقة وأزماتها المفتوحة، لكأن الإقليم برمته يجلس على مقعد الانتظار وفي وضعية «Pause»، ولكأن لاعبيه المحليين والإقليميين والدوليين بانتظار حدوث «تطور ما» أو «اختراق نوعي» يقرر وجهة تطورها اللاحق، ويحسم خياراتها المستقبلية.
«أم الأزمات» في الإقليم، إيران وبرنامجها النووي.. المفاوضات تتعثر، ولغة التصعيد والتهديدات المتبادلة تطغى على خطاب الأفرقاء وبياناتهم، لكن الاتفاق لا يموت، ولا يدفن، ولا أحد يعلن خسارة «الدبلوماسية» الرهان أمام التصعيد..لا شيء يدعو للاعتقاد بأن المواجهة آتية، لا أحد يرغب في الانخراط في سيناريو «يوم القيامة»، وفي المقابل، لا أحد لديه يقين بأن ما تبقى من خلافات يمكن أن يجد طريقه للحل على مائدة التفاوض.
اليمن ودّع الهدنة، لكنه لم يعد للحرب بمعناها الشامل، هناك مناوشات محلية، ومواجهات متنقلة، لكن الحرب لم تطل برأسها البشع بعد، والسلام يبدو بعيد المنال.. لم ينع أحدٌ التهدئة أو يدفن فرص تجديدها، لكن الفجوات بين الأطراف لا تزال على اتساعها كذلك، و»الدبلوماسية» تكابد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فيما إيقاعها البطيء ينذر بأوخم العواقب، وبعضها مما لم تشهده حرب الأعوام الثمانية.
لبنان المنكوب بأزماته المركبة لم ينجز اتفاق ترسيم حدود مع إسرائيل، التجاذبات بين الأطراف وصراعاتها المحلية تفرض «منطقها» على سياق التفاوض ومآلاته.
الراعي الأميركي الذي أحاط وساطته بقدرٍ هائلٍ من التفاؤل يعود للانكفاء على وقع الحملات الانتخابية في إسرائيل، وإطلالة شبح نتنياهو من جديد، الاتفاق لم يدفن، ولكنه ليس على «مرمى حجر»، فيما الحكومة الجديدة لا ترى النور، وميقاتي بالكاد يصرّف الأعمال، والفراغ الرئاسي هو الأكثر ترجيحاً بعد انتهاء ولاية عون في مختتم الشهر الجاري، والمصارف تغلق أبوابها، والليرة تلامس حاجز الأربعين ألفا للدولار الواحد، والضحية الأولى والأخيرة لأزمات هذا البلد الصغير هو المواطن اللبناني.
الأزمة العراقية ما زالت تراوح في مربع الانقسام، والشقّة بين الأطراف تزداد اتساعاً، وحرب «المرجعيات» وصراع الأوزان والكتلة الأكبر تزداد احتداماً..الصدر الذي تحرك بوحي من سياسة «الأمر لي» لم ينجح في تحجيم خصومه، والهجوم المضاد من قبل خصومه المدعومين من طهران لا ينجح في تفكيك «العقدة الصدرية»، أما العراقيون الشيعة فقد خبروا مؤخراً مغزى غياب المايسترو ومعاونه وتداعيات «فراغهما»، فمنذ واقعة اغتيال سليماني والمهندس فقدت إيران قدرتها على «ضبط الإيقاع»، والمواجهة المحتدمة بين خصوم متكافئين لا تشي بحل أو حسم قريبين.
سورية ليست بعيدة عن وضعية الـ “Pause”، أهم تغير طرأ على أزمتها المفتوحة منذ أحد عشر عاماً تمثل في التقارب بين دمشق وأنقرة، وهو تقارب محفوف بإرث دامٍ من الصراعات وحروب الوكالة، العملية السياسية غائبة أو مغيبة، والحسم ممنوع على جبهتي الشمال، الشرقي والغربي، والجولاني الممسك بإمارة إدلب يراوح ما بين خياري التكيف و»الجهاد» المكلفين، فلا هو بقادر على مغادرة قواعده الأصولية، ولا هو مؤهل للتصرف كطرف في عملية سياسية.. «قيصر» الكرملين منهمك في «حرب وجود» بعيداً عن المياه الدافئة، و»قيصر» البيت الأبيض يعتصر السوريين بعقوباته، ويحول دون استرداد سورية لعافيتها.
ليبيا ليست خروجاً عن المشهد الإقليمي الراكد فوق الجمر، في ظل تناقص الاهتمام العالمي بهذه الأزمة، مع استمرار تدفق النفط بغزارة من الأنابيب الليبية.. وأزمة «سدّ النهضة» التي قيل إنها أزمة وجود لمصر لا نسمع بتطوراتها إلا عندما ننتقل من مرحلة إلى أخرى، من مراحل الملء.
ما الذي ينتظره الإقليم؟ وكيف يمكن لهذه الملفات أن تتحرك؟ ومن سيحركها؟ هل ننتظر حتى تضع حرب أوكرانيا أوزارها؟ هل ننتظر انجلاء مواسم الانتخابات في كل من الولايات المتحدة وإسرائيل ولبنان؟ وهل «مفتاح تشغيل» محركات هذه الأزمات يكمن في فيينا؟..
أسئلة وتساؤلات يصعب الإجابة عليها، بل ويصعب معرفة متى يمكن لهذه الإجابات أن تتوفر، وكيف ستأتي، وصوب أية وجهة ستدفع بتطوراته اللاحقة.