صـمـت فـي إيـران، صـمـت فـي غـزة، وتـقـدّم مـع لـبـنـان

عاموس-هرئيل.jpg
حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل

 



بعد أزمة شديدة في المحادثات سُجل مرة أخرى تقدم كبير في المفاوضات حول الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان. وقالت مصادر أمنية وسياسية في إسرائيل، أول من أمس، إنه يبدو أنه قد تم إغلاق الفجوات الرئيسة في المواقف التي بقيت بين الطرفين.
وإذا لم تظهر مرة أخرى عقبات اللحظة الأخيرة فسيكون بالإمكان التوصل إلى اتفاق نهائي في الأيام القريبة القادمة.
حسب التقارير من بيروت، التي تجد تأكيداً لها في الطرف الإسرائيلي أيضا، فقد عرض الوسيط الأميركي، عاموس هولشتاين، مشروع حل وسط جديد على الطرفين، يوصف بالنهائي.
يبدو أن الولايات المتحدة تقترح طريقة لتجاوز إحدى العقبات الكأداء الأساسية، ترسيم "خط الطوافات" حتى مسافة 5 كم غرب الشاطئ. وقال الرئيس اللبناني، ميشيل عون، أول من أمس، إنه يأمل بأن تستكمل المحادثات في الأيام القريبة القادمة.
حسب الاقتراح الأميركي السابق فإن خط الطوافات سيواصل الإشارة إلى الخط الذي على طوله ستُجرى النشاطات الأمنية الجارية لسفن سلاح البحرية، وسيبقى محاذيا للخط رقم 1 (الطلب الإسرائيلي الأصلي لترسيم الحدود). هدف الاقتراح هو الفصل بين الجانب الأمني من الدفاع عن الشاطئ الذي يعتبره الجيش الإسرائيلي موضوعا حاسما وبين النقاش حول تقسيم حقول الغاز، الأكثر بعداً عن الشاطئ. هناك سيمر خط الحدود البحرية أكثر نحو الجنوب على طول خط 23. قدم لبنان اعتراضاته حول هذه النقطة، ويبحث الأميركيون عن آلية التفافية بحيث تمكن السفن الإسرائيلية من مواصلة القيام بأعمال دورية على طول الخط دون التشويش على التوقيع على الاتفاق.
وأكدت مصادر أمنية إسرائيلية للصحيفة أنه حقا حدث تقدم جديد في الاتصالات بصورة تزيد احتمالية التوصل إلى الاتفاق في القريب. ولكن حسب قول هذه المصادر ما زالت حتى الآن علامات استفهام بخصوص المعاني السياسية والقانونية للتطورات في الطرف الإسرائيلي.
إزاء الالتماسات التي قدمت للمحكمة العليا ضد الاتفاق والحملة التي تديرها المعارضة ضده فليس من الواضح حتى الآن هل سيكون بالإمكان استكمال المصادقة عليه في الحكومة وإيداعه لدى الكنيست، بحيث تستكمل عملية المصادقة عليه قبل الانتخابات. أعلن رئيس "الليكود"، بنيامين نتنياهو، مؤخرا أنه إذا عاد إلى الحكم فلن يحترم الاتفاق.

أُوقفت إيران
رغم ازدياد التوتر مؤخراً فإن "حزب الله" يحافظ على نغمة منضبطة نسبيا ولا يكثر من تهديد إسرائيل. من المهم أيضا صمت إيران، التي رغم تأييدها لـ "حزب الله" وتدخلها الكبير في ما يحدث في لبنان إلا أنها امتنعت بشكل عام عن التطرق إلى المفاوضات.
صمت إيران يمكن أن يكون مرتبطا أيضا بالأزمة الداخلية في الدولة. الاحتجاج ضد النظام، الذي بدأ بقتل الفتاة مهاسا أميني على يد "شرطة الآداب"، يستمر في إيران للأسبوع الرابع. يبدو أن عدد المشاركين في المظاهرات ليس كبيرا بشكل خاص، لكن الاحتجاج يتعلق بعصب رئيس للنظام – فرض توجيهات دينية متشددة على الجمهور في إيران، الذي تعارض أجزاء منه ذلك.
الاضطرابات الأكثر صعوبة منذ احتجاج الوقود في 2019 تجبر النظام على تخصيص قوات لتطبيق النظام واستخدام متزايد للعنف، خاصة في أقاليم بعيدة عن طهران تعيش فيها أقليات إثنية كبيرة.
حسب أقوال النظام فقد قتل في التظاهرات حتى الآن أكثر من 100 شخص، لكن ربما أن العدد الحقيقي للقتلى بنار قوات الأمن أكبر.
في جهاز الأمن في إسرائيل يتابعون بقلق التطورات في الساحة الداخلية الإيرانية، لكنهم يحذرون من إعطاء توقعات بشأن احتمالية إسقاط النظام الذي نجح في التغلب بوحشية كبيرة أيضاً على احتجاج الوقود وعلى "الثورة الخضراء" في 2009.
في نهاية الأسبوع الماضي اخترق قراصنة البث التلفزيوني الرسمي في إيران، وقاموا ببث صورة للزعيم الروحي، علي خامنئي، وهو يحترق. إضافة إلى ذلك تم بث صور لنساء قتلن أثناء المظاهرات وشعارات لحركة الاحتجاج.
في إسرائيل ينظرون بارتياح إلى النجاح النسبي المسجل في كبح التقدم الإضافي لجهود نفوذ إيران في سورية. في العقد السابق قاد الجنرال قاسم سليماني، قائد قوة القدس في حرس الثورة، جهود إيران لإقامة قواعد ونشر منظومات سلاح متقدم وتشغيل رجال مليشيات شيعية مدعومة من النظام في سورية والعراق. قُتل سليماني في عملية اغتيال أميركية في العراق في كانون الثاني 2020. الآن يقولون في الجيش الإسرائيلي إن "حلم سليماني توقف"، وتهريب السلاح عبر سورية إلى لبنان قل، ومعظم رجال المليشيات تركوا، وتم التشويش على جهود "حزب الله" في فتح جبهة أخرى ضد إسرائيل على الحدود في هضبة الجولان.
يبدو أنه تقلص أيضا حماس الرئيس السوري، بشار الأسد، في الاستجابة لطلبات إيران. ومثلما نشر مؤخراً في الصحيفة فإن الأسد منع الحرس الثوري الإيراني من إطلاق الصواريخ على إسرائيل من أراضي سورية، وهو يتحفظ على إقامة قواعد لمليشيات تؤيد إيران في سورية.
في المقابل، تتعزز العلاقات بين إيران وروسيا. فالرئيس الأوكراني قال إن الروس استخدموا طائرات مسيرة هجومية إيرانية من نوع "شاهد" إضافة إلى الصواريخ البالستية في الهجوم الكثيف، صباح أول من أمس، على مدن في أوكرانيا. في إسرائيل قلقون من احتمالية أن تقوم روسيا بمكافأة إيران على نقل الطائرات المسيرة بتزويدها بمنظومات دفاع جوية متقدمة من إنتاجها. جريمة الحرب الروسية الأخيرة، التي أدت إلى قتل عشرة مدنيين على الأقل، تذكر الكثيرين بالسلوك الوحشي لروسيا أثناء الحرب الأهلية في سورية. ربما ليس بالصدفة. القائد الجديد للقوات الروسية في القتال هو الجنرال سرجيه سوروفيكم، الذي قاد في السابق قوات موسكو في سورية.

صمت استثنائي في غزة
في نهاية الأسبوع أثناء الأعياد استمرت الأحداث في الضفة الغربية وفي شرق القدس. تحقيق أولي أجراه الجيش حول ظروف الحادثة التي قتلت فيها الجندية الرقيب نوعا ليزر على حاجز شعفاط في القدس عشية يوم السبت، وجد ثغرات كثيرة في نشاطات قوات الحماية في المكان. في الفيلم الذي وثق الحادثة ظهر فلسطيني مسلح وهو ينزل من السيارة على الحاجز، تقدم نحو عدد من الجنود ورجال الحماية، الذين كانوا يقفون قريبا وقام بفتح النار من مسافة قصيرة وهرب من المكان دون أن يتمكنوا من الرد بصورة فعالة. قتلت الجندية ليزر وأصيب رجل الحماية في شركة مدنية إصابة بالغة.
في الفيلم ظهرت أخطاء عملياتية كثيرة. يبدو أن مستوى الاستعداد لرجال الحماية كان متدنيا رغم موجة العمليات التي حدثت في الأسابيع الأخيرة. خروج الفلسطيني من السيارة خلافا للتعليمات على الحواجز لم تتم مواجهته بأي رد، في حين أن الجنود ورجال الحراسة كانوا يقفون بكثرة وبصورة مكشوفة للإصابة وتصعب عليهم العمل. بعضهم ظهروا وهم يحاولون الهرب رغم أنهم جميعا كانوا مسلحين.
زار رئيس الأركان، أفيف كوخافي، أول من أمس، الحاجز وأكد أنه سيتم فحص الحادثة واستخلاص الدروس منها لمنع أحداث كهذه. إطلاق النار في شعفاط هو الأول من نوعه في القدس في الأسابيع الأخيرة. ربما أن الاحتكاك العسكري اليوم بين الجيش الإسرائيلي وفلسطينيين مسلحين، لا سيما في منطقة جنين، بدأ يؤثر على حجم المواجهات في مناطق أخرى في الضفة الغربية وفي القدس، بالأساس بسبب عدد المصابين الكبير في الطرف الفلسطيني.
من بداية السنة قتل أكثر من 100 فلسطيني في مواجهات مع قوات الجيش وأثناء محاولات تنفيذ عمليات، وهو العدد الأعلى منذ 2015.
في نهاية الأسبوع الماضي قتل أربعة فلسطينيين، شابان بإطلاق النار على يد جنود في مواجهات في قلقيلية ورام الله وشابان في تبادل لإطلاق النار بين الجيش ومسلحين أثناء عملية اعتقالات إسرائيلية في جنين. في مخيم جنين للاجئين قتل، أول من أمس، فلسطيني خامس وهو فتى عمره 12 سنة أُصيب قبل نحو أسبوعين.
في الجيش الإسرائيلي ما زالوا يميزون بين ثلاث مناطق مختلفة في الضفة. في جنين فقدت بالكامل سيطرة السلطة الفلسطينية، وتعمل إسرائيل في المدينة وفي محيطها تقريبا كل يوم مع الاحتكاك الدائم والكثيف مع خلايا مسلحة. في نابلس هناك ارتفاع في عدد أحداث إطلاق النار ولكن السلطة تحاول بدرجة معينة فرض السيطرة على التنظيمات المستقلة (على رأسها التنظيم الذي يطلق على نفسه "عرين الأسود"). في حين أنه في مناطق جنوب نابلس (من مفترق زعترة وإلى الجنوب) ما زالت السلطة تسيطر على الأرض وعدد الأحداث حتى الآن غير مرتفع. في رئاسة الأركان يقولون إن التوتر في الضفة لا يقتضي القيام بعملية على صيغة "الدرع الواقي 2" وإنه على الأكثر ستكون هناك بعد ذلك حاجة إلى القيام بعمليات واسعة تتركز في جنبن وربما في نابلس.
درجة تأييد "حماس" لما يحدث في الضفة ما زالت متدنية رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها قيادة "حماس" في غزة لتأجيج النار. أغلبية المشاركين الساحقة في أحداث إطلاق النار في الضفة أو في عمليات إطلاق النار، الذين تم اعتقالهم من قبل "الشاباك"، قالوا في التحقيق معهم إنهم لا ينتمون لأي تنظيم وإنهم لم يعملوا بناء على توجيهات من أعلى.
في هذه الأثناء، رغم تصعيد المواجهات في الضفة، يسود في قطاع غزة صمت نسبي، حتى استثنائي في أبعاده، مع الأخذ في الحسبان ما يحدث في الضفة. بتوجيهات من رئيس الأركان سيستمر تعزيز القوات في الضفة وفي منطقة التماس في الأشهر القريبة القادمة، رغم الضرر النابع من ذلك على تدريبات الوحدات النظامية واستعدادها للمعركة.

عن "هآرتس"