إذا صحّت الأخبار بأن الوثيقة التي ستصدر، هذا اليوم، عن اجتماع الجزائر هي نفس الوثيقة التي تسرّبت إلى وسائل الإعلام قبل صدورها رسمياً، وإذا ما كان ما تتضمنه هذه الوثيقة من منطلقات وبنود وآليات هي بالفعل ما سيتم الإعلان عنه، اليوم (أمس)، فإن الأمر لا يُبشّر بأي خيرٍ من أي نوعٍ كان، لأن كل البنود التي تضمنتها سبق وتمت "معالجتها" سابقاً، وسبق أن تم "التوافق" عليها في محطّات أخرى، وسبق أن وضعت لبعضها آليات تنفيذية محدّدة ودقيقة وملموسة، وبأكثر مما جاء في الوثيقة الجديدة، والتي ما زالت مسوّدة حتى الآن.
لا شك أن الصيغة التي بين أيدينا منذ، أمس، تحتاج مع نهاية الجلسات إلى بعض التعديلات التي سترضي هذا الطرف أو ذاك، لكن جوهر ما جاء فيها لن يغيّر شيئاً "جوهرياً" على الإطلاق.
إليكم ملخصاً لها:
• التأكيد على أهمية الوحدة الوطنية!
• ضرورة تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، وإعادة الانخراط فيها بعد عقد مجلس وطني بمشاركة الجميع، واستعداد الجزائر لأن يتم عقد المجلس في العاصمة الجزائرية.
• ضرورة عقد الانتخابات التشريعية والرئاسية في كل الأرض الفلسطينية (المحتلة في الواقع)، بما في ذلك مدينة القدس حسب القوانين المعمول بها!
• ضرورة قيام حكومة وحدة وطنية.
• التأكيد على دور اجتماع "الأمناء العامين" في دعم حكومة الوحدة الوطنية، وفي المساعدة على إجراء الانتخابات.
• توحيد المؤسسات الوطنية وتجنيد الطاقات لتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار.
هذه هي بنود المسوّدة، ليس على وجه التقريب، وإنما على وجه التحديد، مع بعض "التعديلات" الخفيفة هنا وهناك، والطفيفة في هذا البند أو ذاك.
الشيء الوحيد الجديد هو الاستعداد الجزائري لتشكيل لجنة عربية برئاسة الجزائر للرقابة على آليات التنفيذ، التي لم تعلن بعد.
أما الصيغ التوفيقية الجديدة فتتمثل بالقضايا التالية:
أولاً: لم يعد هناك من شروط سياسية محددة "للوحدة"، وغابت مسألة "الرباعية"، وتم التأكيد على الالتزام بالشرعية الدولية بصورة عامة.
ثانياً: تحدد دور صيغة "الأمناء العامين" في المساعدة على إجراء الانتخابات، ولم تعد هذه الصيغة تحمل أيّ شكلٍ من أشكال "البديل"، أو الوصاية على القرار أو غيرها، وإنما المساعدة.
ثالثاً: جرى التأكيد على أن "حلّ" أي خلافات يتم "بالتشاور" في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
رابعاً: جرى التأكيد على مبدأ الشراكة السياسية عن طريق الانتخابات بمشاركة الجميع وعلى كل المستويات.
وفي المحصلة فإن الوثيقة لا تحمل من الجديد ما هو جوهري أو نوعي أو مختلف جذرياً عمّا كان يتم التوافق عليه، إلّا بصورة جزئية، وهامشية وثانوية.
إليكم ما غاب في الوثيقة، أو تم تغييبه عنها:
أولاً: غاب النصّ المُلزِم بإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، طالما أن النصّ حول "القدس" مُبهم.
ماذا يعني نصّ: "وفق القوانين المعتمدة"؟
عن أي قوانين يتم الحديث؟
إذا كان المقصود هو القوانين الفلسطينية، فقد فشلنا في إجراء هذه الانتخابات؛ إمّا لأن هذه القوانين مُبهمة، أو لأن الاعتبارات العملية لتطبيق هذه القوانين حالت دون التوافق عليها، أو لأن تفسير هذه القوانين قد تم الاستناد إليه في عدم إجرائها!
ولهذا فإن الصيغة المطلوبة ما زالت غائبة، وما جاء في الوثيقة لا يقدّم حلّاً متوافَقاً عليه.
فمثلاً، لماذا لم يتم الاتفاق على إجراء الانتخابات في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس، رغماً عن موقف الاحتلال، وبكل السبل والوسائل التي تضمن إجراءها؟
أو لماذا لا يُقال في الصيغة، إن الاحتلال إذا منع إجراء الانتخابات في المدينة فإن الفصائل وممثلي المجتمع الفلسطيني سيعتمدون الشكل والوسيلة المتاحة دون أن يتم رهن إجراء الانتخابات بموافقة الاحتلال عليها؟
ثانياً: لماذا غاب أو غُيِّب النص الذي يؤكد على وحدة الأرض الفلسطينية، ووحدة الولاية السياسية عليها، وخضوعها لسلطة واحدة، ونظام سياسي واحد وموحَّد ووحيد؟
ما الضمانة أن تتخلى حركة حماس عن سيطرتها على قطاع غزة؟، وما ضمانة أن تتخلى "فتح" عن سيطرتها على الضفة؟ إذا جاءت نتائج الانتخابات "مغايرة" لهذه السيطرة هنا وهناك؟!
ثالثاً: لماذا غاب النص في الوثيقة عن طبيعة العلاقة مع دولة الاحتلال؟
ما مصير هذه العلاقة؟ ماذا عن القرارات التي اتخذها المجلسان الوطني والمركزي؟ وما الموقف من "السلام الاقتصادي"؟ والموقف من "الأمن مقابل التسهيلات"؟ وماذا عن الحق في مقاومة الاحتلال؟ وماذا عن شكل هذا الحق؟ وماذا عن السلاح الواحد، والسلطة الواحدة؟ وهل تتوقع الفصائل الموقعة، أو التي ستوقع على هذه الوثيقة أن مثل هذه القضايا "بسيطة" إلى درجة أنه يمكن حلها بالتشاور والحوار؟!
هذا كله ليس سوى أمثلة على أن اجتماع الجزائر ليس سوى محطة جديدة من محطات اجترار مسألة إنهاء الانقسام، بالبنود السابقة نفسها، والنصوص المكرّرة إيّاها، وبالعموميات التي تصلح لكل محطة، ولكل مناسبة من محطات ومناسبات "الاجتماعات" والحوارات "القادمة" طالما أننا ما زلنا ندور في نفس الدائرة، وطالما أننا ما زلنا لم نغادر ساحة الانقسام، وما زلنا نبحث عن طريقة لتلطيف هذا الانقسام، بل وما زلنا نصرّ على بيعه لشعبنا باعتباره "الحلّ" "الممكن" لهذا الانقسام الذي حلّ بشعبنا كنكبة وطنية عامة وطامة.
على القوى الحية في شعبنا كله، في كل أماكن تواجده أن تكتب وثيقتها الحقيقية لإنهاء الانقسام، بعيداً عن حسابات السلطات، وعن مصالح السلطات، وعن وصاية الفصائل التي تتحول بصورة متزايدة وموضوعية ليس فقط إلى عائق لإنهاء الانقسام، وإنما إلى عبء على استنهاض الحالة الوطنية.
كل بند من بنود هذه الوثيقة الشعبية التي تعكس النبض الوطني الحرّ، والمصالح العليا للشعب والوطن والقضية تحتاج إلى جهود وآليات عمل، ومواعيد إنجاز، وإلى عمق انتماء وتشبُّث بوحدة الشعب ووحدة أرضه وحقوقه منصهرة في قضية وطنية واحدة وموحَّدة.
اتركوا الفصائل تنهي انقسامها بالطريقة التي تراها، أما الناس، أما الشعب فهو ليس منقسماً أصلاً، وهو لا يحتاج إلى إنهاء انقسام فصائلي، ما يحتاجه الشعب هو استنهاض نفسه كما حصل في الانتفاضة الأولى، وفي محطات كثيرة، وكما وحّد نفسه في أيار الماضي، وكما يحاول أن يُعيد تجربة الشيخ جرّاح، اليوم، في شعفاط.
هذه ليست دعوة لمزيد من الانقسام أبداً، إنها دعوة لمحاصرة الانقسام وحصاره في دائرة الفصائل، والانتقال إلى وحدة الشعب، وإلى استنهاض الشعب، وحينها سيسقط الانقسام تلقائياً من تلقاء نفسه.
الفصائل لن تنهي الانقسام، لقد ثبت ذلك بالملموس، الشعب وقواه الحيّة هو القادر الوحيد على ذلك.