«عرين الأسود» يقضّ مضجع إسرائيل

جاكي-خوري.jpeg
حجم الخط

بقلم: ينيف كوفوفيتش وجاكي خوري



في بداية السنة الميلادية، لاحظوا في جهاز الأمن ارتفاعاً في عمليات إطلاق النار على أهداف عسكرية في نابلس. في إسرائيل، نسبوا هذا الارتفاع لتنظيم عرف باسم "كتائب نابلس"، التي زادت نشاطاتها في البلدة القديمة في نابلس. وقادت معلومات استخبارية إلى عدة شخصيات بارزة في التنظيم، وفي جهاز الأمن، تقرر العمل ضدها. في شباط، أشار "الشاباك" إلى نية أربعة من أعضاء التنظيم المس بالجنود في الفترة القريبة، وتقررت تصفيتهم.
في ظهيرة 8 شباط، دخلت قوة "اليمام" إلى مركز نابلس بهدف اعتقال أعضاء الخلية. وفي معركة جرى فيها تبادل لإطلاق النار قتل ثلاثة من أعضاء الخلية، اشرف المبسلط وادهم مبروكة ومحمد الدخيل، الذين كانوا معروفين لأجهزة الأمن كنشطاء في "كتائب نابلس". عضو الخلية الرابع، إبراهيم النابلسي، الذي ترأس مجموعة المسلحين، لم يكون موجوداً في المكان. بعد ستة أشهر من ذلك، في 9 آب، قتلت قوات "اليمام" ودورية "غفعاتي" النابلسي الذي كان يختبئ في منطقة نابلس. أعلن الجيش الإسرائيلي في حينه أن "النابلسي كان جزءا من الخلية (الإرهابية) لمبروكة، التي لا تنتمي لأي تنظيم (إرهابي)".
بعد شهر من قتل النابلسي، بينما كان إسرائيلي يقود سيارته قرب قرية حوارة في الضفة الغربية أُطلقت عليه النار من سيارة مارة هربت من المكان. أعلنت مجموعة اسمها لم يكن معروفا حتى ذلك الوقت المسؤولية عن الحادثة، وهي "عرين الأسود". ومنذ ذلك الحين أصبحت هذه المجموعة، المسؤولة عن عمليات إطلاق نار كثيرة في نابلس، إحدى المشكلات الرئيسة لأجهزة الأمن الإسرائيلية.
في جهاز الأمن، يعتقدون أن هذه المجموعة تتكون من نشطاء كانوا في السابق أعضاء في تنظيمات مختلفة، وجعلهم تسلسل الأحداث يصنفون أنفسهم من جديد باسم "عرين الأسود". أعضاء المجموعة يعملون في نابلس، بالأساس في البلدة القديمة، وفي مخيم بلاطة للاجئين، حيث هدفهم العلني هو مواجهة الجنود عندما يدخلون المدينة أو يأتون لتأمين المصلين اليهود في قبر يوسف. معظمهم شباب علمانيون في أعمار 18 – 24، ولا يذهبون إلى المساجد، ولا يتأثرون بشخصيات دينية.
في محادثة مع "هآرتس"، اعترفوا في هذا التنظيم بأن كل نشاطهم يتركز في الرد على نشاطات الجيش الإسرائيلي أو القيام بمبادرات محلية. "لا توجد غرفة عمليات بالمعنى العسكري أو خطط وأهداف. هذا التنظيم بعيد عن أن يكون مليشيا منظمة أو له نشاطات مثلما نشاهد في غزة مع الذراع العسكرية لحماس أو الجهاد الإسلامي"، قالوا في التنظيم. "هذا نشاط أقرب الرد على دخول القوات الإسرائيلية إلى المدينة أو إطلاق نار عرضي على مواقع للجيش وأيضا على أهداف لمستوطنين. أحيانا تكون هناك محاولات لتحدي الجيش، لكن من الواضح أنه لا تكون هناك قوات على الإطلاق".
معظم أعضاء "عرين الأسود" كانوا ينتمون لـ"فتح" حتى الأشهر الأخيرة. الكثيرون منهم أبناء عائلات لأعضاء في أجهزة الأمن الفلسطينية، وعملوا في السابق في إطار التنظيم أو في إطار مجموعات مسلحة كانت تخضع لأوامر السلطة والأجهزة الأمنية. الإلهام لنشاطاتهم حصلوا عليه من المواجهات في مخيم جنين للاجئين. على خلفية الصراعات الداخلية في السلطة والوضع الاقتصادي الصعب وازدياد السلاح في مناطق السلطة، أدركوا في "عرين الأسود" الإمكانية الكامنة في مجموعات مسلحة للتأثير على مكانتها.
ناشط مخضرم من "فتح" في البلدة القديمة في نابلس، ويعرف بصورة شخصية عددا من أعضاء "عرين الأسود"، قال للصحيفة، إن هذا التنظيم بعيد عن أن يكون تنظيما هرميا يتلقى التعليمات من قيادة أو من مستوى سياسي. "إذا قمنا بمقارنته مع كتائب شهداء الأقصى في الانتفاضة الثانية فقد كان هناك تنظيم هرمي وصل حتى رئيس التنظيم، ياسر عرفات، وكبار شخصيات (فتح)، بما في ذلك البرغوثي، الآن هذا مختلف كليا". حسب أقوال هذا الناشط فإن الحديث يدور عن تنظيم محلي لشباب، في معظمهم عاطلون عن العمل وينتمون لعدة تنظيمات. معظمهم يتماهون مع "فتح" وبعضهم مع "حماس" و"الجهاد الإسلامي" والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

نجوم في الشبكة
في إسرائيل، طلبوا من السلطة العمل ضد "عرين الأسود"، لكن مشكلة السلطة هي أنه خلافا لجنين، حيث يحصل هناك المسلحون على الدعم من "الجهاد الإسلامي"، فإن مجموعة "عرين الأسود" في نابلس هي جزء من بنية "فتح" والسلطة، قررت التمرد. نتيجة لذلك فإنه كان من الصعب على السلطة العمل بدون المس بشرعيتها في الضفة. لأنهم في "عرين الأسود" قالوا، إن هدفهم هو حماية السكان في نابلس من جنود الجيش الإسرائيلي الذين يدخلون المدينة.
بعد قتل النابلسي فإن من تولى المسؤولية عن المسلحين في "عرين الأسود" هو مصعب اشتية. بدأ اشتية بتقوية علاقات التنظيم مع "حماس" من ناحية اقتصادية ولوجستية. وبدرجة معينة حوّل "عرين الأسود" إلى مشكلة للسلطة الفلسطينيين اكثر مما هي لإسرائيل. في "حماس" أدركوا الإمكانية الكامنة في هذا التنظيم. ولأن "حماس" وجدت صعوبة في إقامة بنية تحتية "إرهابية" منظمة بسبب الضغط الاستخباري والعملياتي الذي استخدمته الأجهزة الأمنية في إسرائيل فقد استخدمت أعضاء "عرين الأسود" كنوع من المقاولين لديها.
دفعت "حماس" لاشتية مقابل نشاطاته، وحصل على بروز في الشبكات الاجتماعية. مسلحو "عرين الأسود" الشباب والعلمانيون عرفوا كيفية استغلال الشبكات الاجتماعية لنشر الدعاية. وبالأساس على "التيك توك". في "حماس" فهموا حاجة الشباب إلى كسب الرزق، وبدؤوا يدفعون إلى أعضاء "عرين الأسود" عن كل فيلم وضعوه في الشبكة مع توثيق نشاطاتهم. كل فيلم كهذا جلب لهم الأموال والدعم للتنظيم الذي كبر وازداد قوة.
عندما أصبح أعضاء التنظيم نجوما في الشبكة وأصبح الارتباط مع "حماس" أكثر أهمية، قرروا في السلطة الفلسطينية العمل ضدهم. في 19 أيلول، وصلت قوة من الأجهزة الأمنية الفلسطينية إلى مخبأ اشتية في نابلس، وقاموا باعتقاله بتهمة حيازة السلاح. وقد رافقت اعتقاله مواجهات تحولت إلى يوم من القتال في نابلس بين المسلحين في "عرين الأسود" والأجهزة الأمنية الفلسطينية.
في جهاز الأمن في إسرائيل، يعتقدون أنه بعد خطاب رئيس الحكومة، يائير لابيد، في الأمم المتحدة حدث تغير كبير لدى عباس. يعتبر الرئيس الفلسطيني أقوال لابيد حول اتفاق يقوم على دولتين لشعبين فرصة للتغيير داخل السلطة، وهو مستعد للعمل من اجل حماية الحوار مع إسرائيل. وحسب مصادر في جهاز الأمن فإن إنقاذ العائلة الإسرائيلية التي دخلت إلى نابلس، الأسبوع الماضي، كانت مثالا على ذلك. رجال أجهزة الأمن الفلسطينية سارعوا في الوصول إلى أبناء العائلة وحمايتهم من الذين يريدون المس بهم وأعادوهم إلى الأراضي الإسرائيلية بصورة مكشوفة، الأمر الذي كان في السابق يتم بسرية قدر الإمكان (...).

عن "هآرتس"