تعثر السياسات الأميركية والإرتباك الاسرائيلي قد تشكلان مدخلا لمعادلات جديدة

حجم الخط

بقلم: مروان اميل طوباسي 

 

رغم تسارع الاحداث الدولية السياسية والاقتصادية وما له علاقة بالاقليم وتحديدا في موضوع ترسيم الحدود المائية بين لبنان ودولة الاحتلال وتداعيات قرار "اوبك" بتخفيض انتاج النفط اضافة الى ازمة الطاقة الناشئة باوروبا وأثرها على حاضر الاتحاد الأوروبي الذي حاول ماكرون الاستعاضة عن اطاره بدعوة مجموعة الدول الاوروبية ال ٤٤ قبل اسبوع للقاء في براغ، والاضرابات التي تعم عددا من الدول فيها والبحث عن مصادر غاز من اسرائيل في محاولة لتعويض الغاز الروسي مع رفع اسعار الغاز الأميركي للقارة الأوروبية.


كل ذلك يدور الان مع تعثر سياسات الإدارة الأميركية في أفغانستان، سوريا، إيران، اليمن، اميركيا اللاتينية،البلقان ومؤخرا فيما يتعلق بالازمة الاوكرانية التي اثارتها هي كحرب بالوكالة بالتعاون مع النازيين الجدد منذ ٢٠١٤ لمحاولة حصار روسيا والاضرار بامنها القومي واضعافها .


حيث يبدو أن الإدارة الاميركية الحالية تتجه إلى انتهاج فكر غير متوازن في حسابات علاقاتها الدولية بعد فشلها المذكور حتى مع اصدقائها التقليدين، مما يدفعها لتنفيذ رؤية ما تعتقده هي حول فرض السلام والامن بالعالم من خلال القوة والتوحش وفرض الحروب والعقوبات على كل من يختلف معها كقوة تعتبر نفسها ما زالت مهيمنة على مقدرات العالم .


وهو ما لا يختلف بالجوهر والنتائج عن منهج السياسات التي اتبعتها الادارة السابقة للرئيس ترامب بالانسحاب من المعاهدات والاتفاقيات الدولية وانتهاك القانون الدولي وسيادة الدول .


حيث كلا المنهجين بل وكل سياسات الإدارات الأميركية المتعاقبة قد بحثت عن عدو أو حتى اخترعته في بعض الأحيان لتمارس سياساتها العنجهية في هذا العالم وترتكب الجرائم بحق شعوب العالم منذ التطهير العرقي بحق الهنود الحمر، مرورا بشعوب اخرى ومنها شعبنا بمنع استقلاله تحت مبرر نقاء الجنس الانجلو ساكسوني ولاحقا لخدمة مصالح اصحاب سياسات النيوليبرالية الجديدة المتوحشة والمحافظين ومصالح المجمعات العسكرية وتجمعات المال والاعمال والغاز الواقعة تحت تأثير الحركة الصهيونية العالمية والمال اليهودي المحافظ واليمين الاصولي الديني بالولايات المتحدة الذي يسعى لاستمرار السيطرة أيضا على القرار السياسي الأوروبي في ظل الأزمة القائمة بأوروبا. وهو ما ادى الى تنامي عنصريتها وسقوطها الاخلاقي حتى على المستوى الأميركي الداخلي بتنامي عدم الاستقرار الداخلي فيها .


بالمقابل هنالك اليوم في ظل تسارع الاحداث الدولية صعود متنامي لتكتلات دولية جديدة إلى جانب دول البريكس، كما حدث خلال الأيام الماضية في كازاخستان في مؤتمر التفاعل وتدابير بناء الثقة في اسيا "سيكا " الذي شارك به الرئيس "ابو مازن " والرغبة بإعلان هذا اللقاء منظمة دولية، وما سبق ذلك الشهر الماضي من انعقاد مؤتمر منظمة شنغهاي للتعاون واستعادة قوى لمكانتها الدولية والذي تَمثل بشكل خاص في القمة الصينية الروسية الأخيرة .


كل ذلك بدأ يعكس تشكل نظام عالمي جديد وتزايد نفوذ دول غير محسوبة على الغرب وبروز دور لمراكز قوى جديدة، إضافة إلى ابتعاد عدد من الدول عن فلك السياسات والاملاءات الأميركية وهو ما تمخض عنه قرار منظمة اوبيك بشأن تخفيض انتاج النفط وما لذلك من تداعيات على الاقتصاد الأميركي الذي يعاني من ازمة تقترب من ما حصل في بدايات القرن الماضي، كما والى تعزيز استخدام العملات الوطنية بدلا عن احتكار الدولار الذي ساد كعملة التبادل التجاري.


هذا اضافة الى متغيرات في الخارطة السياسية الأوروبية خاصة بعد الانتخابات التي جرت في عدد من دولها والتي قد تؤدي الى الانفلات من الاحتواء الاميركي السياسي الذي ابتدأ مع تنفيذ مشروع "مارشال" في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وهو ما يؤشر عليه التباين القائم بمواقف دول الاتحاد الأوروبي بشأن العقوبات على روسيا التي باتت ترتد على الأوضاع الاقتصادية ومستقبل هذا الاتحاد .


من جهة اخرى لا بد من ملاحظة الارتباك الحاصل اليوم ليس فقط على الساحة السياسية في إسرائيل على اثر كل تلك المتغيرات الدولية الجارية وسقوط رؤية التطبيع الذي لم يحرز نتائج بل واقتراب دول الخليج من روسيا اليوم وعدم انصياعها المعتاد سابقا لعدد من المطالب الاميركية، وكذلك الخلافات الإسرائيلية الناشئة مع روسيا على اثر الموضوع الاوكراني والغاز،اضافة الى الخلافات على الساحة البرلمانية وازمة حكومتها التي ربما ستمتد في إسرائيل على أثر التنافس الحاد الانتخابي الذي يرتكز على استمرار قهر شعبنا بالاساس وعدم وضوح طبيعة تشكيل الحكومة اللاحقة أن تمكنوا من ذلك ، بل وعلى مجمل قطاعات المجتمع في دولة الاحتلال مع ترسخ نظام الابرتهايد والفوقية اليهودية، ومع بداية انهيار المفهوم الذي اعتمدت عليه دولة الاحتلال وحكوماتها بعدم ضرورة تحريك عملية سياسية جديدة بمبررهم بأن " السلطة ضعيفة وغير شريكة باي عملية سلام"، وأن "الحلول الاقتصادية قد تساهم في استدامة إدارة الازمة "وترسيخ الاحتلال بطبيعته وجوهره الكولنيالي من حيث تشغيل ايادي اكثر من مئة الف عامل بسوق الإنتاج الإسرائيلي والمستوطنات.


هذه الرؤية التي تتساقط اليوم بسبب اشتعال المقاومة الشعبية ضد جنود الاحتلال والمستوطنين الأمر الذي يقوض استمرار الوضع الراهن الذي ترغب به دولة الاحتلال خاصة مع مقتل اكثر من ٢٥ اسرائيليا منذ بداية العام الحالي واستشهاد اكثر من ١١٠ من ابناء شعبنا باغتيالهم وانتقال الصراع إلى شوارع المدن والقرى بشكل يومي ، مع ظهور مجموعات شبابية جديدة مقاتلة تؤمن بضرورة الخروج من الدائرة المغلقة تفرض الارباك على الاحتلال نظرا لابتعادها عن النمط القديم سواء بالأداء أو بالتنظيم ، وهو ما يخدم رؤية تغيير عقد العلاقة مع الاحتلال التي تحدث عنها الرئيس "أبو مازن" أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.


ان ثبات موقفنا الفلسطيني وترجمة خطاب الرئيس من خلال برنامج وادوات مناسبة لهذه الرؤية،وما تمخض عنه لقاء لم الشمل الفلسطيني بشكل جدي ومسوؤل بتحمل الجميع مسوؤلياته بشكل مختلف عما تم سابقا من حوارات، وبداية بضرورة إنهاء الانقلاب والابتعاد عن أي اجندات غير وطنية واجراء الانتخابات وبالمقدمة منها في القدس العاصمة، سيساهم بالاستفادة من كل المتغيرات التي أشرت لها والبناء عليها في كفاحنا من أجل الاستقلال الوطني ويفتح افاق معادلات جديدة قد تفتح افقا سياسيا جديدا .


ان استمرار اصرار قيادتنا في منظمة التحرير الفلسطينية على مواجهة الهيمنة والعنجهية الأميركية وعدم الاكتراث لسراب وعودها الكاذبة كطرف شريك مع إسرائيل . كما وان وضوح دائرة الأصدقاء في هذا العالم من دول وشعوب واحزاب وتمتين العلاقات معهم نحو المساهمة في الوصول سريعا إلى شكل النظام الدولي الجديد، كلها عوامل تعزز من صمودنا ونجاحاتنا القادمة والانتصار لحقيقة ضرورة انهاء الاحتلال اولا ولقضايا الشعوب وحقوقها في الحرية وتقرير المصير والسيادة من أجل ترسيخ العدالة والسلام في هذا العالم