وثائق جديدة تُؤكّد الشهادات: الجيش الإسرائيلي نفّذ عمليّة تسميم سريّة لآبار العرب في 1948 شملت بيروت والقاهرة،

حجم الخط

بقلم: عوفر أديرت

شارك فيها بن غوريون وموشيه ديان وأفرايم كتسير

حملت العملية اسم «أرسل لأخيك» وامتدت إلى القدس وعكا وغزة وبئر السبع وأريحا وعيلبون..


في 1 نيسان 1948 كتب بن غوريون في مذكراته عن تطوير العلم وأهمية استخدامه في المعركة. بعد شهر ونصف كتب عن «مواد بيولوجية» اشتُريت بمبلغ 2000 دولار. فقط الآن، بعد 74 سنة، تبين أنه توجد علاقة بين هذين الأمرين. وقد تمك كشف القصة الكامنة وراء ذلك في بحث ارشيفي شامل نُشر مؤخراً. حسب البحث فإن المقاطع الواردة في المذكرات هي آثار لتدخل بن غوريون في عملية سرية لتسميم آبار المياه في قرى عربية في «حرب الاستقلال».
تم كشف القضية بشكل جزئي قبل عشرات السنين عندما نشرت في صحف وفي كتب شائعات وشهادات شفوية عن محاولة الجيش الإسرائيلي تسميم آبار في عكا وفي غزة بوساطة حقن جراثيم في مياه الشرب في العام 1948، ستؤدي الى الاصابة بمرض التيفوس والديزنطاريا. ولكن الآن فقط، في البحث الذي أجراه بني موريس وبنيامين كيدار، الحاصل على جائزة إسرائيل، تم كشف توثيق رسمي يوفر شهادات عن العملية.
حسب الوثائق فإن العملية بدأت نيسان من السنة نفسها اثناء الحرب، قبل شهر ونصف على قيام الدولة، مع ازدياد الخوف من غزو الجيوش العربية للبلاد. شرح الباحثون بأن العملية استهدفت تسميم آبار في قرى عربية مهجورة لمنع العرب من العودة اليها، لكن ايضا في بلدات يهودية، كانت الدولة – القادمة تنوي إخلاءها خوفا على سلامة السكان من اجل منع العرب من التمركز فيها اذا قاموا باحتلالها.
نُشر بحث موريس وكيدار تحت عنوان «حرب إسرائيل البيولوجية في 1948» في مجلة «ميديل ايست ستاديز». «أرسل لأخيك» كان الاسم السري للعملية. معظم المادة في القضية سرية، لكن عندما بحث موريس في ارشيف الجيش عن ذكر للعملية، حسب اسمها، تفاجأ باكتشاف وثائق كثيرة. كتب موريس في المقال بأن الرقابة كما يبدو لم تكن تعرف معنى الاسم السري.
«ابتكاراتنا كثيرة»، قال موريس. «لقد قمنا بحل لغز تطور العملية ومراحلها، واكتشفنا من الذي أعطى التفويض ونظم وقاد العملية، وكيف تم تنفيذها على الأرض في المناطق المختلفة». حسب اقوال كيدار «الصورة التي لدينا أكثر اكتمالاً، وهي تعتمد، ضمن امور اخرى، على توثيق الجيش الإسرائيلي».

ديان سيقوم بإحضار المادة
تكشف قراءة الوثائق أن العملية كانت واسعة جدا، وقد شاركت فيها إضافة الى بن غوريون شخصيات كبيرة اخرى في قيادة الجيش والدولة. مثلا، في احدى الوثائق كتب «هذه العملية سيتم تنفيذها على يد نحشون (الجنود الذين شاركوا في عملية نحشون) في يوم الأحد أو يوم الاثنين. سأنزل في منتصف الاسبوع مع كل المادة». الكاتب هو موشيه نفتون، الاسم السري لموشيه ديان، والمرسل اليه هو يغئال يدين، رئيس قسم العمليات في الجيش الإسرائيلي، الذي عمل فعليا رئيساً للاركان في جزء من الحرب.
في برقية أخرى كتب ديان تحت الاسم السري «ماغي»: «بدأت عملية «أرسل لأخيك» على الارض. كتب يدين نفسه في برقية بأنه «هناك حاجة ملحة الى تحديد ضابط خاص لشؤون عملية «ارسل لاخيك». الموضوع مهم جدا ويجب الحفاظ عليه بسرية كبيرة من قبلكم». وفي برقية أخرى اوضح: «أبقِ في الآبار مادة من نوع «ارسل لاخيك». وفي برقية اخرى كان هناك سؤال «هل توجد مصادقة على استخدام المادة ب (القصد مادة بيولوجية) في المناطق التي سيتم اخلاؤها؟».
بدأت العملية في المحور بين القدس وتل ابيب، واتسعت بعد ذلك ايضا الى عكا في الشمال والى غزة في الجنوب. حسب الشهادات فقد شملت بعد ذلك، في مرحلة التخطيط أو فعليا، بلدات اخرى مثل اريحا وبئر السبع وعيلبون في الجليل والقرى العربية بدو وبيت سوريك وبيت محسير قرب القدس وايضا الموشاف اليهودي هار طوف، بعد أن تم اخلاء السكان منه. ايضا شملت العملية أهدافاً خارج إسرائيل مثل القاهرة وبيروت، لكن هذه بقيت على الورق فقط. أراد منظمو العملية بوساطتها أيضا أن يشوشوا على تقدم الجيوش العربية.

«ستفهم بنفسك»
شهادة مهمة عن العملية وجدها موريس في ارشيف كيبوتس نعان. فهناك تم الحفاظ على شهادة قدمها في 1988 عضو في الكيبوتس، رجل الآثار شماريا غوتمان، قائد المستعربين في «البلماخ» وضابط كبير في مخابرات الجيش الإسرائيلي. قال غوتمان بأنه عبر عن رفضه الاخلاقي للعملية، وحذر من أن تسميم الآبار يمكن أن يضر ايضا باليهود. «نحن أيضا يمكن أن نحتل في الغد هذه المنطقة وأن نشرب هذه المياه، وجيشنا ايضا سيصاب بالتيفوس أو الديزنطاريا»، شهد غوتمان بأنه قال ذلك في الوقت الحقيقي للجنرال يوحنان ريتنار الذي عينه بن غوريون لقيادة العملية.
          شهد غوتمان ايضا بأنه طلب تسلّم أمر خطي، لكن هذا الطلب رفض. ورد عليه ريتنار: «لا يمكن اعطاء شيء كهذا طوال حياتي. افهم بنفسك». وأضاف غوتمان في الشهادة: «سألته، ما هي المادة؟ هل هي سائل أو مسحوق أو شيء آخر». واجمل قوله: «لقد كانت عملية استثنائية من ناحية أخلاقية».
في شهادته أشار غوتمان الى أن ريتنار أبلغه بارسال شخصين الى الحدود مع مصر لتنفيذ العملية في الآبار. كان هذان دافيد مزراحي وعزرا حورين (عفغين)، وقد انطلقا في 22 ايار 1948 لتنفيذ هذه المهمة في غزة ولكن تم القاء القبض عليهما وحوكما في محكمة عسكرية في مصر بتهمة نية تسميم الآبار من أجل المس بالجيش المصري الذي كان في طريقه الى البلاد، وتم إعدامهما.
شهادة اخرى لتنفيذ العملية في الخارج وجدها الباحثان في مقابلة أُجريت مع السفير السابق، آشر بن نيان، من قبل المؤرخ نير مان في 2008. في صيف 1948 كان بن نتان يعيش في باريس بحكم وظيفته الاستخبارية العملية. هناك، حسب قوله، التقى معه رجل المخابرات، بنيامين غبلي، وأعطاه «كبسولة لتسميم آبار المياه في القاهرة»، لكن الخطة تم الغاؤها. «بقيت الكبسولة معي، وأخيرا قمت برميها في مياه المجاري»، قال بن نتان. دليل على ذلك وجده موريس وكيدار في ارشيف الجيش الإسرائيلي في وثيقة بتاريخ ايلول 1948، فيها كتب يدين: «رجاء، اتصل في اقرب وقت... بخصوص تنفيذ «ارسل لاخيك» في الخارج».

بن غوريون على رأس الهرم
من الوثائق التي لدى الباحثين يتبين أنه على رأس الهرم يقف بن غوريون، وتحته كان يقف يدين الذي اشرف على العملية من الناحية العسكرية، وريتنار كان القائد الفعلي لها. رجل الميدان الكبير في هذه المجموعة كان في البداية ديان، الذي اصبح بعد ذلك وزيرا للدفاع ورئيسا للاركان. عمل ديان حسب الوثائق ساعياً، حيث نقل الجراثيم من سلاح العلوم الى نقاط مختلفة في ارجاء البلاد. ايضا دافيد شئلتئيل، قائد لواء عصيوني في القدس، كان مشاركاً في العملية. بعد ذلك انضم رجل المخابرات عزرا هيلمر (عومر). وبقيت هوية شخص آخر شارك في العملية مجهولة. في البرقيات كان اسمه مزراحي.
الذين نفذوا العمل الأسود بتسميم الآبار في بداية الطريق كانوا جنودا عاديين، جنود الكتيبة الرابعة في لواء هرئيل. ولكن بعد ذلك انتقل هذا الدور الى اعضاء القسم العربي في «البلماخ»، الذين تمت تسميتهم «المستعربون»، وتخصصوا في اعمال تخريب واغتيالات في مناطق العدو.
في الجانب العلمي، إعداد السم، شارك اعضاء حماد بـ (سلاح العلوم البيولوجية)، وهو قسم في سلاح العلوم انشغل بالحرب البيولوجية. وقد ترأسه اليكس كينان، الذي أصبح بعد ذلك مؤسس المعهد البيولوجي في نستسيونا. وقد اشرف على هذه المهمة العلمية الاخوان كتسلسكي (كتسير): البيوفيزيائي افرايم كتسير، القائد الاول لسلاح العلوم، الذي فاز بعد ذلك بجائزة إسرائيل، وكان الرئيس الرابع للدولة. وشقيقه البكر العالم اهارون كتسير، رجل معهد وايزمن، الذي قتل في 1972 في العملية التي وقعت في مطار اللد. «شارك في العملية ايضا عدد من المساعدين الذين أصبحوا بعد ذلك بروفيسورات في سلك الاكاديميا»، قال موريس.
ذكرتنا العملية بخطة مجموعة «المنتقمين» برئاسة آبا كوبنر، التي ارادت بعد الحرب العالمية الثانية تسميم مصادر المياه والغذاء في المانيا من اجل التسبب بالقتل الجماعي. ايضا في هذه العملية شارك الاخوان كتسير اللذان وفرا السم لكوبنر. ولكن في نهاية المطاف قام هو نفسه برميه في البحر قبل اعتقاله من قبل البريطانيين.
يعتقد موريس وكيدار أن القصد من عملية الجيش الإسرائيلي لم يكن التسبب بالقتل الجماعي للعرب، بل التشويش على نشاطاتهم في الحرب. في نهاية المطاف لم تغير العملية وجه الحرب. وحسب تقارير مختلفة من مصادر عربية فان بضع عشرات من العرب اصيبوا بالأمراض، لا سيما في عكا. أثارت العملية انتقادا لاذعا داخل المنظومة، سواء في الجيش أو في قيادة اليشوف، ضمن امور اخرى، لكونها مخالفة لميثاق جنيف من العام 1925 الذي يمنع استخدام «الحرب الجرثومية».
رغم الكشف عن الوثائق التي تدلل على العملية وعلى المشاركين فيها إلا أن أمر تنفيذ العملية لم يتم كشفه حتى الآن، وأيضا المعلومات عن شراء أو انتاج السلاح البيولوجي. وما زالت بعض الوثائق في ارشيف «حرب الاستقلال» سرية، والتقدير هو أنه لن يتم في القريب كشف تفاصيل رسمية أخرى عنها.

عن «هآرتس»