اتفاق الجزائر وحسابات الربح والخسارة في مبادرات المصالحة

ابراهيم ابراش.jpg
حجم الخط

بقلم د  إبراهيم ابراش

 

 

 حوارات المصالحة في الجزائر جاءت في سياق استعداد الجزائر لاحتضان القمة العربية في نوفمبر القادم ورغبتها في إنجاح القمة من خلال تبريد بعض الملفات الساخنة التي قد تعيق التوصل لقرارات تسمح بالترويج لنجاح القمة، فتم تحييد الملف السوري بإقناع سوريا بعدم حضور القمة، كما تحاول الوساطة في الملف الليبي، وحركت ملف المصالحة الفلسطينية عسى ولعل أن تنجح فيما فشل فيه الآخرون منذ أن بدأت الحوارات في القاهرة عام 2009.

مع كل جولة من جولات الحوار الفاشلة للمصالحة الفلسطينية، تسجل الدولة المضيفة إنجازا لصالحها من خلال دعوتها للأحزاب الفلسطينية وإنفاقها على استضافتهم والقول بأنها حاولت توحيد الفلسطينيين وبالتالي قامت بواجبها القومي تجاه القضية الفلسطينية، ومع أن الجزائر صادقة في مسعاها للم الشمل الفلسطيني إلا أن بعض الدول المستضيفة لجلسات الحوار متواطئة ومشاركة في صناعة الانقسام. أما بالنسبة لأصحاب القضية فيخسرون، حيث يعزز الانقسام أكثر بعد كل جولة حوار فاشلة و تسوء سمعة الشعب الذي يظهر أمام العالم أنه فاشل عن تحقيق الوحدة وأحزابه متصارعة على المصالح، كما تفقد الأحزاب نفسها مزيدا من مصداقيتها وسمعتها.

إن كانت إسرائيل المستفيد الأكبر من فشل مبادرات المصالحة لأن الفشل يعني نجاح مشروعها ومخططها بفصل غزة عن الضفة وتدمير المشروع الوطني وإدامة الخلافات الفلسطينية إلا أن هناك مستفيدون آخرون. حركة حماس تستفيد حيث من خلال تواجدها في الدول المضيفة يتعزز حضورها إعلاميا وسياسيا، عربيا ودوليا، كطرف سياسي متواجد على الأرض ومساو لحركة فتح ومنظمة التحرير على طاولة الحوارات، وهي تتفنن في توظيف حضورها من خلال الظهور مع قادة البلاد وأخذ الصور وتكثيف اللقاءات الصحفية ونشر الفيديوهات الخ، وبهذا تسجل حركة حماس مع كل مبادرة للمصالحة نقاطا لصالحها حتى وإن فشلت الحوارات، فالفشل يعني استمرارها في السيطرة على القطاع وهذا هو هدفها الرئيس منذ انقلابها على السلطة في يونيو 2007 وربما منذ أن تأسست، أيضا هناك طبقة سياسية اقتصادية في غزة والضفة مستفيدة من الانقسام وبالتالي من فشل مبادرات المصالحة.

 أما الخاسرون، فبالإضافة إلى الشعب الفلسطيني، تسجل منظمة التحرير وحركة فتح خسارة أو هزيمة مع كل جلسة حوار لأن فشل الحوار معناه استمرار سيطرة حماس على القطاع وبالتالي استمرار خروج القطاع عن سيطرة وإيالة المنظمة التي يفترض أنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، كما أن استمرار الانقسام يضعف من مصداقية المطالبة الرسمية بحل الدولتين الذي يعني وجود دولة فلسطينية تشمل قطاع غزة، فإن كانت منظمة التحرير غير قادرة على السيطرة على قطاع غزة فكيف تطالب بما هو أكثر من القطاع!

خسارة منظمة التحرير وحركة فتح في كل جلسة حوار مصالحة ليس لأن حركة حماس تملك قوة الحق والمنطق والحجة في مقابل عدم توفر ذلك عند حركة فتح، بل لتماسك و وخده الفريق التفاوضي لحماس وقوة إعلامها مقابل ضعف الفريق التفاوضي لحركة فتح وبؤس إعلامها، وارتباطا بهذا السبب يوجد وحدة الخطاب والموقف عند قادة حركة حماس وتعارض الخطابات والمواقف عند قادة حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، والمثال على ذلك ما جرى في لقاءات المصالحة في تركيا والتي جمعت نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح  العاروري مع أمين سر حركة فتح جبريل الرجوب في 2020.

بالعودة لاتفاق المصالحة في الجزائر، فمن السابق لأوانه الحديث عن الفشل أو النجاح قبل مرور العام المنصوص عليه في الاتفاق لإجراء الانتخابات العامة وانتخابات المجلس الوطني مع أن تجارب سابقة للمصالحة تجعل الشعب غير متفائل بمصالحة الجزائر، ولكن ما يجعل اتفاق الجزائر مختلف عن سابقيه أن جهود الدولة الجزائرية ورئيسها عبد المجيد تبون كانت صادقة واستفادت من مبادرات المصالحة السابقة الفاشلة، حيث ابتعدت ورقة المصالحة عن الغوص في الملفات المعقدة بتفاصيلها الصغيرة التي كانت تستنزف جهدا من المتحاورين وبعضها كان سببا في فشل الحوارات وفشل ما يتم الاتفاق عليه عند لحظة التنفيذ، كملف الحكومة والبرنامج السياسي والرواتب والموظفين والأراضي وسلاح المقاومة وركزت اهتمامها على ملفي منظمة التحرير والانتخابات وهما ملفان لا يخضعان للقيود الإسرائيلية وشروط الجهات المانحة، مع أنه خلال الحوارات وما لم يتم ذكره في نصوص الاتفاق أبدت الجزائر استعدادها لتغطية الجوانب المالية المترتبة على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه.

مع أن القفز عن موضوعي الحكومة والبرنامج السياسي يشكل ثغرة في الاتفاق إلا أنه يمكن تفهم ذلك من منطلق أن الجزائر لا تريد أن يكون هذان الملفان سببا في تعطيل تحقيق إنجازات تراها أكثر أهمية ولها الأولوية، كما لا تريد الجزائر التدخل في خصوصيات الشأن الفلسطيني وتركت ذلك ليتم معالجته في حوارات داخلية كما نص البند الثالث من الاتفاق، وفي هذا البند الثالث تكمن كل الألغام حيث تُرك أمر تنفيذه لحركتي فتح وحماس، وإن كنا نأمل أن تقوم اللجنة العربية الجزائرية بدورها الضاغط على الطرفين بل وأن تفضح الطرف الذي يعيق تنفيذ الاتفاق.

في اعتقادنا أن ما يميز اتفاق الجزائر عن سابقيه تركيزه وتأكيده على ملفين رئيسيين وهما منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني مع ضرورة استيعابها لجميع الأحزاب وقطاعات الشعب واستعداد الجزائر لاستضافة اجتماعات المجلس الوطني، والموضوع الثاني تركيزه على الانتخابات العامة التشريعية والرئاسية، كما وضعت المبادرة سقفا زمنيا لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه أقصاه سنة واحدة، أيضا لضمان تنفيذ ما تم الاتفاق عليه نصت المبادرة على تشكيل لجنة عربية بقيادة الجزائر لمتابعة ملف المصالحة.

لا نريد أن نرفع من سقف الأمل بإنجاز المصالحة في ظل نفس الأحزاب والطبقة السياسية الفلسطينية، كما يمكن تفهم  عدم تفاؤل و تفاعل الشعب مع ما جرى في الجزائر خصوصا أن الشعب يلمس مؤشرات لمصالحة خفية بين الطرفين تقوم على قاعدة إدارة الانقسام و تقاسم مغانم السلطة، ومع ذلك فإن حالة النهوض الثوري في الضفة وما عليه السلطة الوطنية من حالة ضعف والمأزق إن لم يكن الفشل الذي وصل إليه مشروع المقاومة عند حماس في غزة كل ذلك قد يكون دافعا للتفكير الجاد بتوظيف اتفاق الجزائر ليكون نقطة انطلاق استنهاض الحالة الوطنية وتغليب المصلحة الوطنية على المصالح الحزبية الضيقة، وإن لم يحدث ذلك فعلى الشعب أخذ زمام المبادرة بنفسه ويُصعد من ثورته ليس فقط ضد الاحتلال بل أيضا ضد الطبقة السياسية الحاكمة في الضفة وغزة.