هل تدرك إسرائيل معنى فشل الاتفاق النووي مع إيران؟

حجم الخط

بقلم: شموئيل مائير*

 



كان صيف 2022 حاراً، ليس فقط من الناحية المناخية، أيضاً من الناحية النووية: تحدث رئيس "الموساد"، دافيد برنياع، عن كارثة إستراتيجية على الأبواب: اتفاق نووي يمنح إيران ترخيصاً لإنتاج قنبلة على وشك التوقيع قريباً، ويجب على إسرائيل الاستعداد لحرب وقائية وشيكة. وفُهم من كلام برنياع أن الأسوأ على وشك الحدوث، وأن التفاهمات التي تحاول إسرائيل تحقيقها مع الولايات المتحدة فيما يتعلق بالمسألة النووية الإيرانية هي مجرد كلمات مطمئنة ذات أهمية محدودة.
مرّ صيف 2022 وحلّ الخريف، ولم يحدث شيء. الاتفاق التفصيلي الذي يطوي صفحة الانتهاكات الإيرانية في الأعوام الأخيرة، ويحرك مجدداً الاتفاق النووي العائد إلى سنة 2015، كان على وشك التوقيع، لكنه وصل إلى حائط مسدود في اللحظة الأخيرة. وحينها، بدأت مناوشة كلامية بين واشنطن وطهران وتبادُل للاتهامات.
في هذه الأثناء، اجتاحت إسرائيل موجة إحاطات صادرة عن "مسؤولين رفيعي المستوى في القدس" وتصريحات زعماء. واعتُبر استبعاد الاتفاق النووي عن جدول الأعمال "إنجازاً" تحقَّقَ نتيجة نشاط إسرائيل الحثيث. واقترح رئيس الحكومة يائير لابيد في خطابه أمام الأمم المتحدة البدء بكل شيء من جديد. أي طرح إمكانية تهديد عسكري موثوق به (أميركي)، وفقط بعدها البدء بمفاوضات مع الإيرانيين بشأن اتفاق جديد "طويل الأمد وقوي أكثر".
لكن الواقع الإستراتيجي أكثر تعقيداً بكثير. ليس هناك ما يؤكد أن تشاؤم رئيس "الموساد"، أو تنفُّس رئيس الحكومة الصعداء، يستند إلى أرضية واقعية صلبة. من المحتمل أن يكون المقصود، عموماً، هو حالة من "الهدنة الدبلوماسية". وعلى الرغم من أن الاهتمام الأقصى لمتخذي القرارات في واشنطن يتركز حالياً على الحرب في أوكرانيا، ويسيطر على كل الإحاطات الصادرة عن وزارة الخارجية الأميركية في الأيام والأسابيع الأخيرة، فإن تصريحات وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، تشدد مرة أُخرى على استعداد الولايات المتحدة للعودة فوراً إلى الاتفاق النووي.
فعلياً، حجر الأساس المركزي هو المتعلق بمطالبة الوكالة الدولية للطاقة النووية بالحصول على ردود مقنعة من إيران، بعد العثور على يورانيوم مخصّب في ثلاث منشآت نووية غير معلنة. وذلك بعد أن سمحت إيران لمراقبي الوكالة بالدخول إليها وجمع نماذج من الأرض، بحسب التعليمات الصارمة للبروتوكول الوارد في الملحق. وأعلنت الولايات المتحدة والدول الأوروبية أن الحصول على ردود إيرانية مقنعة هو شرط أساسي للتوقيع.
قضية المواقع الثلاثة (التي يُطلق عليها "الملفات المفتوحة") تحولت إلى أداة أساسية لجهود إسرائيل في إحباط الاتفاق. وقال رئيس لجنة الطاقة النووية، موشيه أدري، أمام المؤتمر السنوي لوكالة الطاقة النووية: إن الآثار التي عُثر عليها تتعلق بمشروع إيراني سرّي لا يزال موجوداً حتى اليوم، على الرغم من طلب الوكالة إغلاق المشروع قبل 18 عاماً. وبصورة غير مفهومة، تتجاهل إسرائيل التقديرات المتكررة لرئيس الاستخبارات الأميركية المركزية CIA في هذا الشأن. قبل 3 أشهر فقط، قال رئيس الـ"سي آي إي" وليام بيرنز، في محاضرة علنية حضرها وزير الدفاع بيني غانتس: إنه بحسب تقديرات الاستخبارات الأميركية، "إيران لم تستأنف برنامجها النووي الذي كان موجوداً حتى سنة 2004، حين أوقفته". ويمكن الافتراض أن تقدير عدم وجود "مجموعة سلاح" في إيران لتطوير سلاح نووي هو أيضاً تقدير الاستخبارات البريطانية والفرنسية والألمانية.
يبدو أن الأطراف لم تتخلّ عن الجهود الرامية إلى التغلب على الخلاف في مسألة المواقع الثلاثة. رئيس الوكالة الدولية للطاقة النووية، رفائيل غروسي، ورئيس اللجنة الإيرانية للطاقة النووية يواصلان العمل من أجل التوصل إلى حلّ على هامش مؤتمر الوكالة الدولية للطاقة النووية الأخير، ومن أجل وضع خارطة طريق تسمح بتوقيع الاتفاق. ووفقاً لتقرير الوكالة الدولية للطاقة النووية الأخير، تحتفظ إيران تقريباً بنحو أربعة أطنان من اليورانيوم المخصّب في مخازنها، بينها 55 كغم من اليورانيوم المخصّب على درجة 60%.
ثمة شك في أن صنّاع القرار في إسرائيل درسوا كل التداعيات عن نشوء وضع "من دون اتفاق" والتحلل الكامل من الاتفاق، الذي هو في نهاية الأمر اتفاق لمنع السلاح النووي، ولا يبحث في المؤامرات الإقليمية والإرهاب. انهيار منظومة القيود والمحظورات التي تسدّ الطريق أمام إيران لتخصيب اليورانيوم عسكرياً، يمكن أن يؤدي إلى إلغاء التزام إيران بآلية الرقابة المشددة والعميقة والمتواصلة لوكالة الطاقة الدولية على كل المنشآت، وعودة مسار البلوتونيوم المحظور الذي مُنع. وهذا مسار خطِر للغاية يمكن أن يؤدي إلى تركيب رؤوس حربية نووية مدمجة على الصواريخ.
إيران ليست دولة على حافة النووي. لكن انهيار الاتفاق يمكن أن يجعلها كذلك، إذا قررت تنفيذ تهديدات زعمائها واختارت المسار الذي سلكته كوريا الشمالية في الماضي: الانسحاب من اتفاقية وقف انتشار السلاح النووي، وطرد مراقبي وكالة الطاقة الدولية، وتخصيب اليورانيوم على درجة عسكرية من دون رقابة أو قيود، والقيام بتجربة نووية. ثمة شك في أنهم في إسرائيل انتبهوا إلى احتمال أن تختار إيران خياراً أكثر "اعتدالاً"، لكنه لا يقل خطورة: الإعلان رسمياً عن نيتها الانسحاب من وثيقة وقف انتشار السلاح النووي، لكن إبقاء تاريخ تنفيذ القرار رهناً بالأجواء. في مثل هذا الوضع الذي يأمل به كثيرون في إسرائيل، يمكننا القول: أهلاً وسهلاً إلى عهد جديد في الشرق الأوسط.. عهد الغموض النووي الإيراني. وسنكون أمام شرق أوسط ممتلئ بالشكوك ومتوتر، مع سيناريوهات حرب وقائية ومخاطر لا تحصى من سوء الحسابات.

عن "هآرتس"
 
* باحث في مركز الدراسات الإستراتيجية بجامعة تل أبيب.