كانت الانتخابات الأولى في دولة إسرائيل في الجمعية التأسيسية التي غيرت اسمها الى الكنيست الأولى. وقد جرت في كانون الثاني 1949، في فترة معارك «حرب الاستقلال»، واعتبرها الجمهور في إسرائيل يوم عيد. وهذا ما كتبه محرر «معاريف» الأول، الدكتور عزرائيل كرليباخ، في الصحيفة: «هذه هي المرة الاولى في تاريخ أقدم الشعوب، الذي يذهب أبناؤه الى صناديق الاقتراع، أحراراً... نذهب بتفاخر وسرور. طوبى لنا لأننا حصلنا على مثل هذا اليوم» (25/1/1949).
خلال السنين كانت هناك عدة جولات انتخابية اعتبرت مصيرية. مثال بارز على ذلك هو الانتخابات السادسة للكنيست التي جرت في تشرين الثاني 1965، والتي أتذكرها جيداً (في حينه كان عمري 19 سنة). وقد جرى فيها صراع حاد بين «المعراخ» برئاسة ليفي اشكول، الذي كان رئيس الحكومة ووزير الدفاع في حينه، وبين حزب «رافي» (قائمة عمال إسرائيل) برئاسة دافيد بن غوريون. فقط قبل ذلك بسنتين، في 1963، قام بن غوريون بتعيين اشكول وريثاً له، ولكن بعد ذلك اعتبره خطيراً على أمن الدولة، وفعل كل ما باستطاعته من أجل إزاحته. وقد وصفه بصفات قذرة، حتى أنه كان مستعداً ليعقد من أجل ذلك تحالفاً مع غاحل (كتلة حيروت والليبراليين) برئاسة مناحيم بيغن.
في ذلك الوقت فإن رغبته في المس بأشكول ورؤساء «مباي»، الذين كانوا حلفاء له لسنوات كثيرة مثل غولدا مئير وبنحاس سبير وزلمان ارن، كانت كبيرة جداً. في حينه سافرتُ مع والدي، رعنان فايتس، الذي كان مقرباً جداً من أشكول، الى لقاءات «المعراخ»، التي أدّعي فيها بشكل قاطع أن بن غوريون كان على استعداد للتنافس سوية مع بيغن، الذي كان يكرهه جدا في السابق، لهدف واحد وهو الإضرار بـ «المعراخ» وأشكول.
في أوساط «المعراخ» والأحزاب التي كانت مرتبطة به (مبام)، ساد خوف كبير – هناك اعتبروا هذه الانتخابات من الانتخابات الاكثر مصيرية. كان هناك من خافوا من أنه اذا حصل «رافي» على اكثر من عشرين مقعداً فإن بن غوريون يمكن أن يشكل تحالفاً مع «غاحل»، الذي سيضر بشكل كبير بمبادئ حركة العمل ومكانة الهستدروت ومكانة الحركة الكيبوتسية. كان الخوف ملموساً. في منزلنا كان يمكن الشعور به. مع ذلك، لا أحد خشي في حينه من المس بجهاز القضاء، الذي كان محمياً ومستقراً. لم يتحدثوا أبداً عن «الإصلاح». وأكثر من ذلك، احترم الجمهور في حينه هذا الجهاز، بما في ذلك المحكمة العليا، واعتبره رمزاً واضحاً للدولة مثل الجيش الإسرائيلي.
تلاشى الخوف كلياً يوم الانتخابات. فقد تبين أن حزب المعراخ فاز بشكل كاسح وحصل على 45 مقعداً في الكنيست. في حين أن «رافي» تلقى ضربة شديدة وحصل على 10 مقاعد فقط، خلافاً لتقدير بن غوريون (الذي كان يحلم) بأن حزبه سيحصل على 25 مقعداً. حولت النتيجة البائسة لحزب رافي بن غوريون الى شخص ليست له علاقة بالسياسة، حيث أدار شمعون بيريس الحزب فعلياً. في كانون الثاني 1966 شكل اشكول حكومة موسعة بدون «رافي» وبدون «غاحل». ونشر في «معاريف» أن نتائج الانتخابات هي انتصار شخصي لأشكول، وفي الوقت ذاته هي فشل شخصي لبن غوريون.
أيضا اعتبرت انتخابات الكنيست التاسعة في أيار 1977، التي جلبت «الانقلاب السياسي» الأول، انتخابات مصيرية. فغفد صعد «الليكود» الى الحكم، وفي المقابل غرقت حركة العمل، التي كانت في الحكم مدة 44 سنة. مع ذلك، لم يكن هناك في أي يوم انتخابات مصيرية جداً مثل الانتخابات القادمة للكنيست الـ 25. لأنه إذا حصلت كتلة بن غبير – نتنياهو على اكثر من 60 مقعداً وشكّلت الحكومة فإن هناك ثلاثة امور جوهرية ستكون معرضة لخطر كبير.
الأمر الاول هو الديمقراطية الإسرائيلية التي هي محدودة وهشّة منذ اعتبرت حكومة بيغن الاراضي المحتلة ليست وديعة الى حين التوقيع على اتفاقات السلام، كما اعلن اشكول، بل «ممتلكات شعب إسرائيل الى الأبد». حوّل هذا الموقف الفلسطينيين الى رعايا ليس لهم حقوق، وحوّل ديمقراطيتنا ديمقراطية محدودة. تحويل حزب عنصري ويكره المثليين مثل «الصهيونية الدينية» الى حزب رئيسي في حكومة نتنياهو سيحول الديمقراطية مفهوماً فارغاً، لا أكثر.
الامر الثاني المعرض للخطر هو المشروع الصهيوني نفسه، في اعقاب حج اليهود الى الحرم. الحج الذي كان حذراً ومحدوداً في عهد موشيه ديان، وزيراً للدفاع، هو الآن خطير ومنفلت. حكومة بن غفير – نتنياهو يمكن أن تحول الحج الى الحرم الى عبادة بدائية وجماعية، ستعرض للخطر المشروع الصهيوني الذي سيكون ضحية في حرب دينية. يمكن أن يشعل الحرم حريقاً كبيراً يحرقنا جميعاً. يبدو أنه لا توجد أي صلة بين نتنياهو الحذر في السابق وبين نتنياهو الحالي الذي لم تعد لديه أي رؤية منطقية وسياسية، يمكن أن تؤدي الى منع هذه الكارثة الفظيعة.
الامر الثالث هو جهاز القضاء، الذي هو الآن ضعيف وخائف. وزير العدل القادم، ربما يكون ياريف لفين، يمكن أن يواصل درب أمير اوحانا، الذي عمل على خصي الجهاز. خلال بضع سنوات يمكن أن يصبح جهاز القضاء، الذي كان رمز لفخار الدولة، منظومة رسمية عديمة القوة والصلاحية. هنا يجب السؤال ماذا سيحدث عندما ستترك رئيسة المحكمة العليا، القاضية استر حيوت، منصبها بعد سنة تقريبا. هل الرئيس القادم للمحكمة سيتم انتخابه بطريقة الأقدمية الدارجة؟
قبل الانتخابات القادمة أنا وكثير من اصدقائي نعيش حالة خوف، وجميعنا نسأل ماذا سيحدث- إذا لا سمح الله- نجح نتنياهو وأترابه في تحقيق مؤامرتهم. ربما ستمنع نسبة تصويت مرتفعة في معسكرنا هذا المصير السيئ.
عن «هآرتس»