تتشوّق العديد من النساء لأن تصبح أماً؛ فالأمومة غريزة خلقها الله داخل أيّة امرأة، وحُلم يراود كل أنثى.. فكيف إذا كان لدى المرأة ما يمنع الإنجاب، وحصل أن حملت وأنجبت؟ مثلما حصل مع "لورا غايتون"، التي تعتبر ولادة طفل سليم، لم يكن أقل من معجزة.
لورا غايتون، وحُلمها المستحيل يتحقق
"لورا" معلمة سباحة من كيترينج، نورثانتس، هي واحدة من حوالي 10800 شخص في المملكة المتحدة يعانون من التليّف الكيسي (CF)، وهو مرض وراثي تدريجي، يودي بحياة نصف المصابين قبل سن الأربعين.. شخَّص الأطباء حالتها وهي في عمر الشهرين فقط، وتوقّع الأطباء أن تكون "لورا" محظوظة إذا بلغت سن الثلاثين.. لكن اليوم، تبلغ "لورا" من العمر 31 عاماً ولم تشعر من قبلُ بلياقة بدنية أفضل مما هي عليه الآن، بفضل علاج جديد رائد فتح لها باب الحياة من جديد؛ فبعد أربع سنوات من المحاولة والعلاج، أصبح لديها الآن أسرة صغيرة مكوّنة منها وزوجها "نيكولاس"، 33 عاماً ، قائد محطة إطفاء، وابنها "لويس" الذي يبلغ من العمر 13 شهراً.. تقول لورا: "لطالما أحببت الأطفال، وأردت أن أجد شخصاً، وأن تكون لي عائلة، لكنني لم أعتقد أنه يمكن أن يحدث؛ لأن التليّف الكيسي مرض كامل تماماً، ويصعُب التعايش معه".. طوال حياتها، عانت "لورا" من صعوبات في التنفس والتهابات متكررة، من بين مشاكل صحية أخرى ذات صلة مثل: التعب الشديد.. في بعض الأحيان، تركتها التهابات الصدر في المستشفى، وقلّصت سعة رئتها تدريجياً إلى 58 في المائة، مع كل إصابة، كانت "لورا" قلقة بشأن ما سيحدث لها، و إذا كان هناك أيّ شيء للمساعدة إذا ساءت الأمور.
مرض التليّف الكيسي
التليف الكيسي ناتج عن بروتين معيب ينتج عن طفرات في جين يُسمى CFTR.. نتيجة لهذا المرض، تصبح الرئتان والجهاز الهضمي مسدودتين بمخاط سميك ولزج بشكل غير طبيعي، ويكون المصابون عُرضة للإصابة بعدوى رئوية متكررة ومهدِّدة للحياة، في حين أن رئتيهم يمكن أن تتضرر بشكل متزايد.. يمكن أن يؤدي المرض المزمن أيضاً إلى انخفاض الخصوبة، والذي يُعتقد أنه ناتج عن إفرازات عنق الرحم السميكة بشكل غير طبيعي.. لا يوجد علاج حالياً لـ CF.. في حين أن الأدوية يمكن أن تخفف الأعراض، على سبيل المثال: من خلال تخفيف المخاط، إلا أن هذه الأدوية غالباً ما تعمل لفترة محدودة فقط.
علم الجينوم، ودوره في القضاء على التليّف الكيسي
في أغسطس عام 2020، تمَّ طرح دواء جديد لمرضى NHS في إنجلترا؛ حيث يعَد طفرة انبثقت من مجال بحث جديد نسبياً، وقد تمَّ تحديد أول طفرة في التليّف الكيسي في عام 1989 (هناك ما يقرب من 2000 طفرة معروفة في التليّف الكيسي)، ومنذ ذلك الحين، كان هناك عدد من الاختراقات المهمة التي أدّت إلى تطوير عقّار تريكافتا. وظهر علم الجينوم منذ حوالي 50 عاماً، لكن حدثت ثورة في منتصف وأواخر التسعينيات بفضل التقنيات الجديدة، ونتيجة لذلك، تمَّ الانتهاء من مشروع الجينوم البشري، في عام 1990 لرسم خريطة لكل جينات جسم الإنسان؛ لإنشاء مخطط للباحثين للتحقيق في صحة الإنسان، بحلول أبريل 2003 ، قبل عامين من الموعد المحدد.
اليوم، تُستخدم خريطة الحمض النووي الكاملة بشكل شائع، في تطوير عقاقير جديدة وحلول رعاية صحية أخرى.. أصبح التسلسل الجيني رخيصاً جداً، ويمكن الوصول إليه؛ بحيث يمكن للأطباء إنشاء خريطة جينية كاملة للمريض- مأخوذة من عيّنة بسيطة من الدم أو البصاق أو الأنسجة- بنقرة زر واحدة.. من خلال رسم خريطة لجسم الإنسان بهذه الطريقة، يكتشف العلماء أخيراً إجابات لبعض أسئلتنا الأطول، بما في ذلك أسباب العقم، وأمراض مثل سرطان الثدي.. قد تَعني هذه التقنيات الجينية الجديدة أنه بدلاً من الحاجة إلى مثل هذه العلاجات، في يوم من الأيام قريباً، لن يولد أطفال مصابون بأمراض مثل مرض "لورا" على الإطلاق.
يستهدف الدواء الجديد، وهو علاج دوائي ثلاثي، البروتين المعيب بشكل مباشر؛ مما يجعله يعمل بشكل أكثر فعالية، ويخفف المخاط، يساعد على تنظيف الرئتين؛ مما يسمح للمرضى بالتنفس بشكل أسهل، ويقلل من خطر الإصابة بالعدوى.. يمكن أن يساعد الدواء حوالي 90 في المائة من مرضى التليّف الكيسي، وفي سبتمبر من العام الماضي، أصبحت "لورا" واحدة من المرحلة الأولى من 60 مريضاً يتم إعطاؤهم العقّار الذي يتم تناوله كحبوب، مرتين يومياً، وبدأت تشعر بتحسن.. وينتظر الجميع أن تكون النتائج واعدة.