حماس والحزب السياسي: خيار الضرورة والخلاص الوطني

d5ac27ef3d43cab70774aacef4bb6ff7.jpg
حجم الخط

بقلم:د. أحمد يوسف

 

 

بعد إعلان الجزائر للمِّ الشمل الفلسطيني تزايدت قناعتي أكثر من أيِّ وقت مضى بأن مشهد الحكم والسياسة يحتاج إلى إطلالة وجوه جديدة غير تلك التي صنعت المأساة والكارثة الوطنية قبل خمسة عشر عاماً، وأضحت في المشهدية الفلسطينية جزءاً من الأزمة وإخفاقات التوصل إلى حلٍّ يعيد التوازن والاستقرار للحالة الفلسطينية التي فقدت بوصلتها، وتاهت سفينتها في بحرٍ لُجِّي من الاتهامات والمناكفات، تهتك معها-للأسف- نسيجنا الاجتماعي وتفتت عروتنا الوثقى، ولم تعد أشرعتنا وأذرعنا السياسية بهذا الخلاف والتشظي بالقوة القادرة على جمع الشمِّل ومواجهة التحدي.
قد يكون "إعلان الجزائر" قد منحنا بصيصاً من أمل لفتح صفحة جديدة، وهي إجراء انتخابات تشريعيِّة ورئاسية بعد عامٍ من الآن، وهي فترة لو أحسنَّا فيها ترتيب بيتنا الداخلي، فبالإمكان أن نتوسع في فضاءات الأمل، والقول إنَّ تشاؤم العقل السائد اليوم بين الانتلجنسيا، يمكن أن يوازنه تفاؤل الإرادة لدى الشارع الفلسطيني.
ومن جهتي، أنصح لإخواني في حركة حماس إنَّ هناك فرصةً لإطلالةٍ سياسية جديدة، من خلال الإعلان عن حزب سياسي يحمل برنامجه رؤية تعكس حالة النضج التي وصلت إليها الحركة بعد تعاملها مع محيطها الإقليمي، والأنشطة التي تدور خلف الكواليس مع المجتمع الدولي. وعليه؛ أشير على إخواني في قيادة حركة حماس ألا تهدروا فرصة الانتخابات والتقدم لها بوجوه وطنية (تكنوقراط) أمينة على الثوابت، ولا تشوب مواقفها سياقات غير وطنية، وقادرة على إحداث اختراق على المستويين الإقليمي والدولي.
أتمنى لحركة حماس أن تحافظ على تاريخها الجهادي وفعلها المقاوم، ونهجها الرسالي ومدرستها في العمل الدعوي التربوي الأصيل، وأن تترجل لمن تثق بهم من فرسان هذا الوطن لحمل أمانة العمل السياسي، وإدارة العملية التفاوضية مع الاحتلال والمجتمع الدولي، واستثمار ما تملكه من أوراق للضغط والحشد لدعم هؤلاء الفرسان.
لعلي هنا أعاود ما سبق أن طرحته قي سياق النصيحة وهو أنَّ عملية تدبير المستقبل تحتاج إلى فطنة وحكمة بالغة، كما أنها تتطلب التفكير العميق في الخيارات والبدائل المطروحة، مع الأخذ بعين الاعتبار عواقب كل واحدة منها في سياق سيناريوهات يمكن لنا أن نستشرف آفاقها، وبناء على ذلك توضع الخطط، وتُرسم التطلعات في ضوء الإمكانيات ومعطيات الظروف القائمة، حيث إن السياسة هي انعكاس لموازين القوى، والتي تبدو اليوم أنها في غير صالح الإسلاميين وحركة حماس على وجه التحديد.
نعم؛ لقد سبق وأن تحدثنا قبل أكثر من 15 سنة عن أهمية إنشاء حزب سياسي يمثل الحركة ويعبر عن سياساتها، وخاصة بعد أن دخلت حماس حلبة العمل السياسي، وصار لها صيرورة وجود في مشهد الحكم والسياسة.. وقلنا – آنذاك – إن الفصل بين السياسي والدعوي وحتى العسكري يعفي الكلَّ الحركي والتنظيم من تبعات العمل السياسي، حيث إنَّ وجود جناح سياسي يحمي الحركة من الملاحقة والاتهام، وتظل جهات الاستهداف محدودة ولا تطال الجميع.
إن ما طالبنا به قبل أكثر من عقد ونصف العقد من الزمن ما زال قائماً، وإن كانت جدواه في بداية مشروع الحكم أكثر فعالية وأهمية، وأن فرص دخوله إلى عالم المنافسة مع الآخرين وإقامة شراكة وطنية معهم أسهل، وليست محفوفة بالمخاطر التي قد تواجهه اليوم، وخاصة بعد التصريحات التي تورَّطت بها أطراف عربية وإسلامية باتهام حركة حماس بالتطرف والإرهاب!!
إن الحزب السياسي الذي يحمل توجهات حركة حماس بشكل عام سوف يمنح الحركة مساحات واسعة للتحرك والمناورة، كما أنه سيجنب الحركة استنزاف كل طاقاتها، وسيحمي بعض أذرعها عن الملاحقة والاتهام، وربما سيكون هو إطلالتها الحركية في الانفتاح على العالم، وبناء ما تتطلع له من شبكة علاقات إقليمية ودولية.
قد تكون الورقة السياسية الجديدة التي أطلقتها الحركة في العام 2017م تتضمن الكثير مما يمكن اعتماده في برنامج الحزب السياسي، والذي سيمهد الطريق لإمكانية التحرك في إطار أية تسويات سياسية للحفاظ على سقف المطالب الفلسطينية في سياق الثوابت التاريخية، التي قاتلت من أجلها الأجيال خلال كل سنوات الصراع مع المحتل الغاصب.
إن ما يتم تدبيره للمنطقة من مكرٍ وخديعة واستنزاف تحت ما يسمى بالحرب على الإرهاب، والذي تمَّت الإشارة فيه إلى حركة حماس على لسان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بشكلٍ يعكس مدى الانحياز الغربي لإسرائيل، والذي يعطى مؤشرات خطيرة لطبيعة المرحلة القادمة، وحجم التآمر الذي ستتعرض له الحركة ومؤسساتها في الضفة والقطاع.
قد لا يكون خيار الحزب السياسي يحظى بالقبول الواسع لدى قيادة الحركة، وإن كان لدى العديد من نخب الحركة ومفكريها استحسان للفكرة، وهذا ما يجعل من الصعب توقع ولادة طبيعية للحزب حالياً، ولكن عامل الزمن وضغوطات الواقع سيفرض ولادة له، وهذا هو التحدي الذي ستواجهه الحركة في المستقبل القريب، مع تحديات أخرى كثيرة بانتظارها.