منذ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا أواخر شهر شباط الماضي، التزمت إسرائيل سياسة الوقوف على الحياد بين الطرفين الروسي والأوكراني، وامتنعت عن تزويد كييف بطائرات مسيّرة ومعدات عسكرية، بينما واصلت تقديم المعونات المادية والإنسانية فقط.
في الأيام الماضية وبعد احتدام الجدل على خلفية حصول روسيا على طائرات مفخّخة ومسيّرة من إيران، طلبت الحكومة الأوكرانية رسمياً من تل أبيب الحصول على منظومة القبة الحديدية، بالإضافة إلى صواريخ «باراك 8» و»حيتس».
قبل الطلب الأوكراني الرسمي، حاولت كييف جاهدةً الحصول على منظومة القبة الحديدية لاعتراض الصواريخ والطائرات المسيّرة، وعرضت شراءها من إسرائيل لكن الأخيرة رفضت إتمام أي صفقة عسكرية من هذا النوع، واكتفت بتقديم معلومات استخباراتية لإسقاط الطائرات الإيرانية بدون طيار.
ثمة أسباب تمنع تل أبيب من تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا، في مقدمتها العلاقة الجيدة التي تجمعها بروسيا أولاً، فضلاً عن تنبيهات الأخيرة وتحذيرات شديدة اللهجة بشأن مخاطر إرسال أسلحة لأوكرانيا وتأثير ذلك على العلاقات الروسية- الإسرائيلية.
كييف التي استعانت بتركيا للحصول على طائرات مسيّرة بدون طيار، تمكنت من إحداث فرق في طبيعة الحرب، غير أن موسكو تمكنت هي الأخرى من الحصول على المئات من المسيّرات الإيرانية الانتحارية التي استخدمتها بشكل مكثف قبل عدة أيام وألحقت الضرر بأكثر من ثلث طاقة إنتاج الكهرباء في أوكرانيا.
عدا عن المفخّخة «شاهد 136»، حصلت موسكو على مسيّرات حديثة من طراز «مهاجر 6»، التي تتنوع مهامها بين الاستطلاعية والقتالية، وتكمن أهمية استخدام هذا النوع من المسيّرات في الحرب الروسية- الأوكرانية أنها رخيصة الثمن قياساً بالصواريخ قصيرة المدى، فضلاً عن صعوبة تتبعها بالرادار واستهدافها بأنظمة الدفاع الجوي بسبب صغر حجمها وطيرانها على علو منخفض.
إسرائيل لديها معلومات كثيرة عن المسيّرات الإيرانية، وتمتلك الإمكانيات العسكرية التي يمكن أن تضعف تأثيرها في الحرب الروسية على أوكرانيا، غير أنها -إسرائيل- غير قادرة على إرسال أنظمة الصواريخ الدفاعية التي يمكنها إسقاط هذا النوع من المسيّرات.
إذا فعلت تل أبيب ذلك، حينها ستكون أمام مشكلة تغيير جذري في العلاقة مع روسيا، ومخاوف من تقزيم دورها في المربع السوري لصالح تنامي الدور الإيراني هناك. هذا عدا مخاوف من احتمالات تزويد روسيا للجيش السوري بمعدات عسكرية مهمة، مثل منظومتي الصواريخ اس 300 واس 400.
منذ سنوات النزاع السوري وتدخل روسيا في سورية، وإسرائيل تواصل قصف مواقع إيرانية وسورية في العمق السوري، وقبل أكثر من شهر تقريباً قصفت تل أبيب مواقع في سورية، ومع ذلك سكتت روسيا عن هذا الفعل بدواعي فهم المصالح الاستراتيجية الإسرائيلية.
وسط دعوات أوكرانية متكررة لضرورة انحياز تل أبيب لها ودعمها بالمعدات العسكرية، وكذلك دعوات إسرائيلية لتلبية مطالب أوكرانيا، أعلنت الحكومة الإسرائيلية على لسان وزير دفاعها بيني غانتس عدم تقديم أي مساعدات عسكرية هجومية لكييف بسبب مجموعة من الاعتبارات العملياتية والإقليمية.
لا تريد إسرائيل أن تخسر علاقتها بروسيا طالما وأن لها حسابات خاصة في الشرق الأوسط، وقد يجوز أن تتعاون مع كييف من تحت الطاولة عبر شركات أمنية إسرائيلية خاصة وبتدخل من دول أوروبية أخرى لتمرير بعض المساعدات الضرورية والمطلوبة لأوكرانيا.
في كل الأحوال تصنف الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل أهم دولتين في تصنيع الطائرات المسيّرة بدون طيّار، وعلى الأغلب أن تحصل كييف على مساعدات ومعلومات أمنية من الطرفين لإسقاط المُسيّرات الإيرانية، بدعم من تركيا التي تعتبر الثالثة على مستوى العالم في تقنية تصنيع هذا النوع من الطائرات.
هذه الحرب الحالية تعكس إلى حد كبير مصالح الدول، فدولة انتهازية مثل إسرائيل يهمها الوقوف على مسافة جيدة بين روسيا وأوكرانيا وعدم تعرض أمنها الاستراتيجي ومصالحها لأي مخاطر مستقبلية، وكذلك الحال بالنسبة لتركيا التي تلعب دور «الصليب الأحمر» بين روسيا والغرب.
لطالما ارتبط اسم إسرائيل بالدول الداعمة والقوية مثل الولايات المتحدة التي توفر لها الغطاء الأمني والحماية لأنها سيدة العالم، وبسبب وجود لوبي أميركي صهيوني داعم للسياسات الإسرائيلية، وفي عقلية هذه الإسرائيل المصلحة هي أساس وشكل العلاقات مع الدول.
مصلحتها الاستراتيجية أن تغض الطرف عن الحرب الروسية على أوكرانيا وتعتذر عن ركوب القطار الذي تقدوه واشنطن ويدعم أوكرانيا في سبيل الحصول على «كعكة» أدسم، توفر لها مصلحة أكبر في المربع السوري الذي تديره روسيا.