إعلان الجزائر ... ماذا بعد

تنزيل (14).jpg
حجم الخط

بقلم صادق الشافعي

 

 


حقيقة أكيدة أن صورة استقبال أهل الوطن وقواهم السياسية والمجتمعية لإعلان الجزائر جاءت إيجابية وحماسية وبدرجة عالية.
كان في خلفية هذا الاستقبال عامل الحالة الجماهيرية التي تتسم بدرجة عالية من التوافق، ومقترنة بدرجة عالية أيضا من الفاعلية النضالية بكافة تعبيراتها وأشكالها.
وبالتأكيد جاء الدور الجزائري الداعي والمتبني والحاضن بحماس ليزيد ثقلاً هاماً الى هذا الاستقبال ودرجته العالية.
لكن عندما وصل الأمر الى أهل الفكر والسياسة والصحافة فإن تعاطيهم مع الإعلان وبعد الفرحة الموصوفة لم تختلف بالجوهر والمحتوى، وأخذ بالظهور تعاطيهم النقدي مع إعلان الجزائر وبنوده بدرجات مختلفة ومتفاوتة.
ومرة أخرى لم يكن التعاطي النقدي المذكور منعزلاً عن حالة الاستقبال الجماهيري ولا متعارضاً معها، لكنه استحضر الى جانبها مرارات الحالة الجماهيرية نفسها التي اكتوت بنار المرارات التي نتجت عن حال الانقسام بكل ويلاته وبلاويه وخيباته المتعددة. ونتجت أيضاً، عن فشل الاتفاقات العديدة السابقة للخروج من إساره.
ان معظم النقد والتحفظ او عدم الحماس المذكور أتى من خلفية الخيبات العديدة والمريرة التي نتجت عن فشل عديد من اتفاقات المصالحة التي توفرت لها أيضا الرعاية والظروف المناسبة إضافة الى الحاجة والضرورة الوطنيتين.
لكن الاتفاقات المذكورة لم تر بصيصاً من نور النجاح وفشلت على مذبح الذاتية والانانية للتنظيمات القائمة وإنْ بدرجات متفاوتة من الثقل ومن المسؤولية، إضافة الى المصالح والمنافع الذاتية للبعض. ومعها كذلك تضارب في المصالح، مقترنة في بعض الحالات، مع توافقات وتفاهمات مع أطراف وقوى إقليمية لها رؤاها وتوجهاتها المختلفة.
وفشلت أيضاً بسبب ضعف آليات التنفيذ وجداولها الزمنية.
كما جاء فشل الاتفاقات المذكورة من خلفية استبعاد – يقترب كثيرا من حد التغييب أو الإلغاء- لأي دور للمجتمع الوطني (أهل الوطن) وتعبيراته المجتمعية على تنوعها واختلافها.
ونتيجة لكل ما تقدم وعبر السنين الطويلة، حقق الانقسام تجذراً، واكتسب تعبيرات وعلاقات في أرض الواقع يصعب مغادرتها وتخطيها بسهوله، خصوصاً وأن بعض هذه التعبيرات والعلاقات ترافقت في بعض الحالات مع مصالح وامتيازات ومنافع سلطوية بما يجعل التخلي عنها أكثر صعوبة، وبالذات مع كل تقدم في عمر الانقسام وتجذر له في ارض الواقع.
ان تنفيذ/تطبيق إعلان الجزائر وتحويله الى حقائق على ارض الواقع وعلى كل المستويات يتطلب إرفاقه بآلية تنفيذ وبرنامج/جدول زمني محدد يتم الاتفاق الوطني عليهما يكونان ملازمَين للإعلان السياسي ويُعلَنان معه.
وإذا لم يكن ممكناً تحقيق ذلك في توقيت إعلان الاتفاق فانه يصبح من أول إن لم يكن أول الواجبات والمهمات في مسار تطبيق الاتفاق (إعلان الجزائر) وتحويله من الورق الى حقائق وحدوية ملموسة في ارض الواقع الوطني.
ان الإشارة الوحيدة لهذا الأمر جاءت في المبدأ التاسع والأخير للإعلان حين نصت على «يتولى فريق عمل جزائري-عربي الاشراف والمتابعة لتنفيذ بنود هذا الاتفاق بالتعاون مع الجانب الفلسطيني وتدير الجزائر عمل الفريق».
إن اضافة البعد والدور العربي في موضوع تنفيذ الاتفاق يعطي الاتفاق نفسه عمقه العربي ويضيف الدور والجهد العربي الى الدور والجهد الجزائريين.
لكن هذا لا يلغي أساسية وواجب المبادرة الفلسطينية الذاتية لامتلاك آليتها الخاصة في تطبيق الاتفاق وتنزيل تفاصيله على الواقع الفلسطيني الخاص.
فهناك الكثير من العناوين والتفاصيل المركزية والأساسية التي يبقى الدور المركزي والأول للطرف الفلسطيني للقيام بها، ولا يمكن لأي جهة ان تنوب عنه في ذلك. ولا يمكن تنفيذ الاتفاق بدون مبادرته لتحقيقها وتوفير مستلزمات وضروريات تحقيقها. وفي المقدمة منها التوافق الوطني والرؤية الموحدة والالتزام.
وهذا ما يفرض على القوى والتنظيمات الفلسطينية الدخول في ورشة عمل ذاتية وإرادية للقيام بهذا الدور والواجب.
وتبقى المبادرة الى القيام بهذا الواجب ضرورة لازمة، إذ ان هناك عدداً من العناوين التفصيلية تفرض على الطرف الفلسطيني التوصل الى رؤيا موحدة حولها، مثل: الانتخابات، ومجالها وتوقيتها ومداها، ومثل موضوع القدس وما يحمله من خصوصيات وكيفية التعامل معها، ومثل أسلوب وطريقة الانتخابات الأكثر تناسباً مع واقعنا وظروفنا: (الانتخابات النسبية مثلاً وتفاصيلها وبنود وحدود وتفاصيل تطبيقاتها على الواقع .....).
وقد يكون من المفيد، وربما الضروري، الاتفاق على تشكيل لجان وطنية للتعامل مع العناوين الهامة المذكورة وغيرها، وان تضم هذه اللجان ممثلين عن كل الفصائل، وان تضم أيضاً عدداً من الخبراء من المستقلين في كل مجال من المجالات.
حتى الآن لا توجد أي مقدمات لتشكيل مثل هذه اللجان ولا يبادر أي تنظيم للدعوة لها ولا اقتراح تشكيلها ومهماتها وعضويتها.
هل يدخل تأخر هذه المقدمات وإعلانها في باب الدراسة والتفكير والتحضير؟ أم تدخل في باب التطنيش وعدم الاهتمام بكل ما وراءه من مخاوف؟
كل الأمل أن يكون الباب الأول هو الإجابة ..... وليسقط التطنيش.