إلى جانب النجاحات التكتيكية الإسرائيلية في جبهة القتال ضد "الإرهاب" الفلسطيني في "المناطق"، وفضلاً عن الإنجاز الكامن في إعادة الاستقرار في الحدود الشمالية مع التوقيع المرتقب على اتفاق الحدود البحرية، فإننا نوجد في تطور جغرافي سياسي آثاره مهمة للغاية: المنافسة بين الشرق والغرب على تغيير النظام العالمي.
الحلف الروسي – الإيراني، وتطور المعركة في أوكرانيا، والنشر المحدث لاستراتيجية الأمن القومي الأميركية هي ثلاثة تطورات مركزية. رغم أنه في نظرة سطحية لا يرتبط الواحد بالآخر وهي غير خطيرة على إسرائيل إلا أنها عمليا من شأنها أن تتحدى الأمن القومي الإسرائيلي، ويجب الاستعداد لها.
التطور الأول هو دعم طهران لموسكو. فإيران تزود روسيا بمنظومات سلاح دقيقة، وحسب البيت الأبيض تشارك بشكل مباشر أيضا من خلال مهاجمة أوكرانيا بمسيرات إيرانية ترابط في شبه جزيرة القرم. في الساحة الداخلية، تصدر إيران اكثر من مليون برميل نفط في اليوم، ما يكفي لاستمرار اقتصادها (استمرار وليس ازدهارا). بخلاف الانطباع الشديد في الشبكات الاجتماعية، يتصدى النظام بتصميم وبنجاعة لتظاهرات "احتجاج الحجاب".
التطور الثاني هو المعركة في أوكرانيا. تعلن روسيا عن وضع طوارئ في غرب الدولة، وتستأنف الضغط على كييف، لكنها تواصل التورط في حرب فاشلة. موسكو مصممة على مواصلة المعركة حتى النصر. وبالتالي إلى جانب التجنيد المتعثر للاحتياط فإنها تضطر لتنقل قوات ووسائل قتالية من سورية إلى الجبهة الأوكرانية. ظاهرا، تطور ليس سلبيا، لكن على الفور سنشرح كيف من شأنه أن يصبح كذلك.
التطور الثالث هو وثيقة استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة. حسب الوثيقة الأميركية، فإن الصين هي المشككة الأولى للنظام العالمي والتهديد الأول في أهميته على الأمن القومي الأميركي؛ دول الشرق الأوسط يتعين عليها أن تعالج مشاكلها بنفسها بينما ستؤيد الولايات المتحدة من بعيد؛ فهي ملتزمة بمنع وضع إيران نووية، لكنها لن تستخدم القوة العسكرية لتغيير الأنظمة؛ والتكنولوجيا هي مقدر من مقدرات الأمن القومي.
تلزم هذه التطورات إسرائيل بموقف، إذ إنها تتضمن، من تحت شفا الضجيج، معاني سلبية. الخطر ليس في المدى القصير، وهو ليس ملموسا وصاخبا مثل تهديد "الإرهاب" في "المناطق". لكن بالذات لأن الخطر لا يستوجب ردا تكتيكيا فوريا (وفي هذا نتميز)، من الجدير أن نبحث فيه. ينبغي تحليل المخاطر المحتملة في المدى البعيد، إلى جانب استخدام الفرص المختلفة كرافعة.
من شأن التهديد التكتيكي أن يأتي من جهة سورية. صحيح أن روسيا لن تتخلى عن تواجدها في الساحة بسبب المخرج إلى البحر المتوسط وموطئ القدم في الشرق الأوسط، لكن تخفيف حجم القوات هناك والالتزام المتزايد لإيران من شأنهما أن يزيدا التعاون بين طهران وموسكو على الأراضي السورية. بخلاف الماضي، هذه المرة من شأن روسيا أن تدعم بشكل فاعل جهود التموضع الإيراني في سورية أو على الأقل أن تعطي له ريح إسناد – مثلا، من خلال حماية الذخائر الإيرانية في سورية بشكل يشوش حرية العمل الإسرائيلية، بمساعدة غير مباشرة في نقل وسائل قتالية إيرانية متطورة إلى سورية، ويحتمل اتخاذ رد فعل يتجاوز التنديدات المعروفة للهجمات المنسوبة لإسرائيل.
أما التهديد الاستراتيجي فمن شأنه أن يأتي من جهة البرنامج النووي الإيراني. كلما مر الوقت هكذا يتقلص الاحتمال للتوصل إلى اتفاق. يرفض زعيم إيران إقرار مسودة الاتفاق التي عرضت عليه في صيغتها الحالية، طالما لا يتنازل الغرب تماما عن تحقيق "الملفات المفتوحة" (العثور على يورانيوم مخصب غير معلن عنه في ثلاثة مواقع مما هو بمثابة خرق للميثاق ضد نشر السلاح النووي). ورغم الانتعاش الاقتصادي المرتقب جراء الاتفاق، فإن زعيم إيران لا يشخص فيه جدوى بعد.
بخلاف الماضي، حيث اضطر الزعيم لأن "يحتسي كأس المرارة" (على حد تعبيره)، فإن الواقع الحالي لا يستدعي تنازلا كهذا. فحتى لو عاد إلى الاتفاق النووي، من الواضح للجميع أن المردودات الاقتصادية لن تؤدي إلى تغيير كبير في إيران.
يكمن سبب ذلك في التطورات الأخيرة. أدى الدعم الإيراني العملي للحرب في أوكرانيا إلى موجة عقوبات جديدة ضدها. عدم الاستقرار في الشوارع الإيرانية وآنية الاتفاق النووي، حتى لو استؤنف، لن يشجعا المستثمرين الغربيين على الاستثمار في الدولة. وبالمقابل، فإن إيران تنجو بحياتها من العقوبات. والآن، في ضوء مساعدة روسيا فإنها ستتلقى تعزيزا مهما من الإسناد الروسي – الصيني، الذي يمنحها شبكة أمان اقتصادية – أمنية حيال الغرب.
في ضوء النظرة الأميركية لإيران كمشكلة شرق أوسطية محلية، نشأ وضع خطير تواصل فيه إيران تسريع البرنامج النووي بلا عراقيل ودون أي مانع من تأخيره أو تقييده. قد يتوصل زعيم إيران إلى الاستنتاج بأن العقوبات غير ناجعة، وعملية عسكرية أميركية ضد نظامه أقل معقولية في العهد الحالي. في مثل هذا الوضع، وبفرض أن النظام لن يسقط قريبا فمن شأننا أن نجد انفسنا في واقع إيران نووية كجزء من حلف شرقي من القوى النووية.
تهديد استراتيجي أبعد مدى، لكنه لا يقل أهمية، ينبع من المنافسة الأميركية المتزايدة للصين.
إسرائيل، كدولة استحداث، من شأنها أن تحشر في حسم بالنسبة لسياسة تصدير التكنولوجيا والبحث لمنافسي الولايات المتحدة. ما يعتبر، اليوم، تجارة وأعمالا تجارية شرعية من شأنه أن يعتبر في المستقبل القريب موقفا قيميا لا يستوي وينسجم مع مصالح الولايات المتحدة.
تحولات النظام العالمي الجديد تدق باب الأمن القومي الإسرائيلي. في المنافسة العالمية الحالية توجد لإسرائيل مصلحة واضحة في انتصار الغرب. كما أن الجلوس على الجدار نوع من اتخاذ موقف، وينبغي إعادة النظر فيه. نجاح روسيا نتيجة لمساعدة إيرانية سيعزز العلاقة والالتزام الإيراني – الروسي. معنى هذا النجاح هو تعزيز قوة الجمهورية الإسلامية بشكل يسمح لها بتحقيق هدفيها الإستراتيجيين: قدرات نووية وهيمنة إقليمية.
عن "إسرائيل اليوم"
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*لواء احتياط، ومدير معهد بحوث الأمن القومي.
نتنياهو يقيل مستشار الأمن القومي الاسرائيلي تساحي هنغبي
21 أكتوبر 2025
