مع نشر هذا المقال يكون الرئيس الأميركي باراك أوباما قد ألقى خطابه الأخير عن حال الأمة الذي يستعرض فيه مواقف إدارته من مختلف القضايا الداخلية والخارجية التي تهم المصلحة الأميركية، وفي هذا الخطاب يتطرق لما يقلق الإدارة من قبل الأصدقاء والخصوم.
وما يهمنا هو كيف يتناول الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي على ضوء ما قامت أو لم تقم به الولايات المتحدة والمعيقات التي منعت التقدم في هذا الملف.
الموقف الأميركي الذي تبلور في أروقة الإدارة الديمقراطية يعبر عن غضب شديد من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي أصر على عرقلة جهود الولايات المتحدة في ملفات عديدة وخاصة في الملفين الفلسطيني - الإسرائيلي والملف النووي الإيراني، حيث يندر أن يكون الموقف الإسرائيلي بهذا الصلف والتحدي في وجه الحليف الأكبر والإستراتيجي الأهم، وباستثناء المواجهة بين إدارة بوش الأب واسحق شامير التي على أثرها أجبرت الولايات المتحدة إسرائيل على حضور مؤتمر مدريد لم تشهد العلاقة توترات تذكر كما حصل في عهد نتنياهو.
فلا يزال أوباما يذكر كيف رفض نتنياهو أن يبعه فكرة الموافقة على حل الدولتين في لقائهما الأول العام 2009 وبعدها بأسابيع أعلن الأخير في خطاب بار إيلان الشهير أنه يؤيد الفكرة، وكان بامكانه أن يعلن ذلك من واشنطن. وازدادت العلاقة توتراً بعد رفض إسرائيل منح الإدارة الأميركية أي شيء لتبييض ماء الوجه مقابل الفلسطينيين والعالم العربي بعد خطاب أوباما في القاهرة، وكان لفشل الجولة الأخيرة من المفاوضات التي دعا إليها وقادها جون كيري والتي استمرت حوالى ثمانية شهور دون اية نتيجة، بل كانت انعكاساتها السلبية كبيرة، أبلغ الأثر في تعاظم الاحتقان بين الجانبين، والذي وصل حد اتهام كيري بالغباء والعنصرية.
في حين أن إسرائيل استمرت بسياسة تكثيف البناء الاستيطاني الذي تعارضه واشنطن وتعتبره مناقضا لفكرة حل الدولتين ويخرب كل الجهود لتحقيق أي اختراق في العملية السياسية. ولكن ما زاد الطين بلة هو وقوف الحكومة الإسرائيلية ضد موقف إدارة الرئيس أوباما بخصوص الملف الإيراني، واعتماد سياسة التدخل الوقح في الشؤون الداخلية الأميركية، وصلت إلى مستوى زيارة واشنطن وإلقاء كلمة أمام الكونغرس دون التنسيق مع الإدارة والقيام بالتحريض عليها ومحاولة الحصول على دعم النواب لإحباط تمرير الصفقة مع إيران.
ومع أن الاتفاق مع إيران قد حصل ومر من خلال عدم قدرة المعارضين للاتفاق على تحصيل دعم ثلثي أعضاء الكونغرس لإحباط «فيتو» الرئيس، إلا أن نتنياهو استمر حتى يومنا هذا في لوم الإدارة الأميركية بحجة تعريضها مصالح وأمن إسرائيل للخطر، وذلك على الرغم من أن جهات أمنية إسرائيلية وازنة نفت وجود خطر وجودي على إسرائيل بهذه الصفقة كما يدعي نتنياهو.
واليوم تقول الحكومة الإسرائيلية إن روسيا تزود إيران بصواريخ وطائرات متطورة للغاية نتيجة لرفع الحظر عن إيران والولايات المتحدة لا تفعل شيئاً.
ويبدو أن السياسة الأميركية الجديدة تميل إلى احتواء إيران بدليل أنها تقبل بدخولها على خط العملية السياسية في كل من العراق وسورية، وسيكون هناك على الأغلب تعاون وتفاهم بين الجانبين في ملفات عديدة رغم المواقف النقدية التي تسمعها الإدارة تجاه إيران. ومن المؤشرات على تبدل الموقف الأميركي ما يدور في أروقة البيت الأبيض والمؤسسات الأميركية من نية أوباما القبول بوجود الرئيس السوري بشار الأسد باعتباره أفضل البدائل المتوفرة حالياً بالمقارنة مع جهات المعارضة المتطرفة وبعد فشل الإدارة الأميركية في خلق قوة عسكرية قادرة على مواجهة قوات النظام السوري حيث إن عمليات التمويل والتدريب التي أنفقت عليها واشنطن أكثر من نصف مليار من الدولارات لم تنتج سوى عدد محدود جداً من المقاتلين بعد انضمام الغالبية منهم إلى جبهة النصرة والجهات الإرهابية الأخرى.
ويخشى الإسرائيليون مما يجري تسريبه هذه الأيام في العاصمة الأميركية ومفاده أن إدارة الديمقراطيين تنوى الابتعاد التدريجي عن إسرائيل والتقرب إلى العرب، وهذا إذا تم سيكون خسارة استراتيجية لإسرائيل لأنه سيسمح على الأقل بتمرير قرارات معادية للموقف الإسرائيلي في الأمم المتحدة وقد يحرر الضغوط الأوروبية على إسرائيل التي بدأت تلمس حرارة الضغط في موضوع المستوطنات.
صحيح أن الوقت المتبقي لأوباما هو محدود وقد لا يتخذ قرارات دراماتيكية حتى لا يعرض فرص فوز الحزب الديمقراطي للخطر خاصة وأنه يحظى بدعم قطاعات واسعة من اليهود، ولكن يبدو أن التحول في الموقف الأميركي مسألة وقت، ويمكن النظر إلى الهجوم الإعلامي من قبل ساسة وإعلاميين محسوبين على الإدارة الديمقراطية وعلى رأسهم قادة يهود على أنه مؤشر على تقلص مساحة الدعم السياسي لحكومة نتنياهو التي باتت تهدد مصالح واشنطن في المنطقة. وربما تستفيد الولايات المتحدة مما يجري في المناطق الفلسطينية المحتلة من مواجهات لتثبت سوء تقدير الحكومة الإسرائيلية المتهمة من قبل المعارضة والمواطنين الإسرائيليين بالعجز في التصدي لثورة الشباب الفلسطيني. ومع كل هذا التحليل يجب ألا نتوقع حصول تغير سريع وأن قوة الموقف الفلسطيني المبني على الوحدة الوطنية وقوة الفعل الميداني يمكنهما أن يغيرا الكثير من السياسات والتعامل الدولي مع القضية الوطنية وملف الصراع. بمعنى علينا ألا نركن إلى أي تعديل جوهري في المعادلات القائمة دون أن نقوم بواجباتنا البيتية وفي مقدمتها إنهاء الانقسام ووضع رؤية موحدة لمواجهة الاحتلال.