كشف «الشباك» في الاسابيع الاخيرة ثلاث خلايا ارهابية لـ»حماس» على الأقل في الضفة الغربية وفي شرقي القدس خططت لعمليات بالسلاح الحي ضد الاسرائيليين. الاعتقالات ولوائح الاتهام التي قدمت في أعقاب ذلك أظهرت نوايا بعيدة المدى: عملية انتحارية، اختطاف واطلاق نار. على خلفية تصريحات مكررة لقادة «حماس» في قطاع غزة يبدو أن الاتجاه واضح. هناك قادة في «حماس» يريدون تحويل الصراع العنيف الحاصل في المناطق منذ أكثر من ثلاثة اشهر الى انتفاضة مسلحة. وقد تكون لخطوة كهذه تأثيرات بعيدة المدى على الوضع في القطاع ايضا.
نجحت حتى الآن الجهود الموازية لاسرائيل والاجهزة الامنية في السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية في افشال اغلبية مخططات «حماس». العنف في الضفة الغربية وفي داخل الخط الاخضر لا زال يتميز بعمليات الطعن والدهس. ايضا عمليات اطلاق النار التي تحدث احيانا – آخرها وأخطرها قام بها المخرب من وادي عارة في مركز تل ابيب في 1 كانون الثاني – ليست نتاج تنظيمات ارهابية وإنما هي عمليات لمخربين أفراد. لكن اذا نجحت خلايا «حماس» في الضفة في تنفيذ عملية كبيرة فان خطوة كهذه ستلقي بظلها على ما يحدث على حدود القطاع حيث يدور هناك صراع أدمغة منذ زمن بين الاجهزة الامنية الاسرائيلية وبين الاذرع العسكرية لـ»حماس» التي عادت لحفر الانفاق الهجومية باتجاه اسرائيل.
نعت «حماس» في منتصف كانون الاول أحد نشطاء الذراع الذي كان في السابق من بين حراس جلعاد شاليت. هذا الشخص كما جاء في اعلان التنظيم قُتل بسبب انهيار نفق «شرق خان يونس». الشيء الوحيد في القطاع الذي يوجد شرق خان يونس هو الحدود مع اسرائيل. خلال المعركة الاخيرة في غزة، عملية الجرف الصامد في صيف 2014، كشفت اسرائيل عن 32 نفقا هجوميا حفرها الفلسطينيون باتجاه اسرائيل. وثلث الانفاق تم حفرها شرقي الجدار – داخل الاراضي الاسرائيلية. وقد أعلن الجيش الاسرائيلي أنه قام بتدمير كل هذه الانفاق، لكن منذ انتهاء العملية تم استئناف الحفر. «حماس» تبذل جهود وميزانيات ضخمة في مشروع الانفاق. والتقديرات المنطقية هي أن عدد الانفاق التي اجتازت الحدود يقترب من عددها عشية الجرف الصامد.
هل تبحث «حماس» عن مواجهة عسكرية اخرى مع اسرائيل؟ الحكمة المتعارف عليها تقول لا. فالقطاع لم يصح بعد من اضرار الحرب قبل عام ونصف العام وآلاف السكان لم يحصلوا بعد على منازل جديدة أو إعمار التي دُمرت نتيجة القصف الاسرائيلي. لكن يحتمل أن يكون هناك سيناريوهين اثنين: الاول – نجاح «حماس» في تنفيذ عملية كبيرة في الضفة سيؤدي الى رد اسرائيلي ضد «حماس» في القطاع، الامر الذي سيدفع الاطراف الى مواجهة لم يرغبا فيها (كما حدث عند خطف وقتل الفتيان الثلاثة في «غوش عتصيون»، الامر الذي دفع الى التصعيد قبل سنة ونصف). الثاني – الجهد الاسرائيلي للكشف عن الانفاق، اضافة الى تخوف «حماس» من أن اسرائيل ستبادر الى الرد، الامر الذي يدفع قادة الذراع العسكرية، محمد ضيف ومروان عيسى ويحيى السنوار، الى المبادرة لهجوم أحادي الجانب من جانبهم رغم الثمن الكبير الذي قد يدفعه القطاع. الفجوات التي نشأت بين الذراع العسكرية والسياسية في «حماس» في السنة الاخيرة قد تدفع هؤلاء الثلاثة الى قرار كهذا بدون تدخل القيادة السياسية التي فوقهم.
السنوار هو الضلع الثالثة في قيادة الذراع العسكرية لـ»حماس»، يعتبر الآن حركة الوصل المركزية بين القيادة السياسية والعسكرية في المنظمة. في تشرين الاول 2011 تم اطلاق سراحه من السجن الاسرائيلي في صفقة شاليت. شقيقه محمد، قائد وحدة في الذراع العسكرية وكان بين المخططين لاختطاف شاليت. حينما تم اطلاق سراح السنوار التزم بشكل علني العمل من اجل اطلاق سراح «اخوانه» الأسرى الذين بقوا في السجن الاسرائيلي. وقد نشرت «حماس» مؤخرا عدة مقاطع فيديو من فترة خطف شاليت، وهذا النشر يهدف الى الحفاظ على صورة «حماس» في وعي سكان القطاع كمنظمة «مقاومة» تحارب اسرائيل. لكن يبدو أن هذا يبرهن على الأهمية الكبيرة التي تعطيها «حماس» لعمليات الخطف كأداة لفرض التنازلات على اسرائيل.
ربما تباشر «حماس» في المستقبل الى الهجوم عن طريق نفق اذا شعرت أن مشروع الانفاق الهجومية مُعرض للكشف. هناك عناصر اخرى في الصورة الاستراتيجية التي تُذكر بالوضع الذي كان سائدا في تموز 2014 عشية الحرب. والبارز منها هو الضغط الكبير الذي تستخدمه مصر على القطاع. فقد أغرقت قوات الامن المصرية جزءا كبيرا من انفاق التهريب في رفح، الامر الذي زاد من تدهور الوضع الاقتصادي لـ»حماس» الذي اعتمد الى حد كبير في مداخيله على الضرائب على البضائع التي تدخل من خلال الانفاق.
رغم أن اسرائيل تنقل كميات كبيرة من البضائع الى القطاع يوميا عن طريق معبر كرم أبو سالم، إلا أن منع خروج سكان القطاع عن طريق اسرائيل (باستثناء حالات خاصة) يستمر. والحصار يزداد شدة بسبب رفض القاهرة فتح معبر رفح. فالمعبر يُفتح مرة كل شهرين تقريبا مدة 2 – 3 ايام وفقط آلاف محدودة من السكان تنجح في العبور في كل مرة. واذا كانت هناك افكار قد تم طرحها قبل نصف عام في اجهزة الامن الاسرائيلية حول المشاريع بعيدة المدى في مجال البنى التحتية للقطاع – مثل اقامة ميناء عائم وحتى جزيرة اصطناعية – فان كل هذه الافكار قد تلاشت بتوجيه من المستوى السياسي.
بالنسبة للذراع العسكرية، الموقف التنفيذي للمنظمة تعزز في الحرب الاخيرة رغم محدودية الانجازات. الافكار التي بلورها محمد ضيف – نقل الحرب الى ارض العدو، اسرائيل، من خلال الهجوم بواسطة الانفاق واستخدام الكوماندو من البحر (غواصين) ومن الجو (مناطيد) – أثبتت نفسها. تنقيط الصواريخ الى مركز البلاد يعتبر انجازا بالنسبة لـ»حماس». وقبل انتهاء الحرب أطلقت المنظمة راجمات بشكل مكثف باتجاه البلدات المحيطة في غزة بعد أن اكتشفت أن السكان هناك هم نقطة ضعف اسرائيل.
ما زالت كل هذه الافكار قائمة الآن. هل سيظهر في المستقبل القريب سبب يعيد اشعال الصراع؟ يصعب على اسرائيل توقع ذلك مسبقا. رغم أن اجهزة الاستخبارات لاحظت استعدادات لـ»حماس» لتنفيذ عملية بواسطة الانفاق في صيف 2014 وتمت ترجمة هذا الامر في اسرائيل الى استعداد واسع لامكانية الحرب. وفي السياق اخطأت الاستخبارات في عدد من المرات في تنبؤ رد «حماس» ووقف اطلاق النار أكثر من مرة خلال الحرب الى أن تم التوصل الى تفاهمات أدت الى انهائها.
ما الذي تفعله اسرائيل فيما يتعلق بتحدي الانفاق؟ قبل بضعة اشهر تم الحديث عن تقدم في بلورة الحل التكنولوجي الذي سيساعد على الكشف المبكر للانفاق والخطوات الاولية لتنفيذه على الارض. وزارة الدفاع أبقت على تفاصيل الخطة سرية. لكن جهات امنية رفيعة قالت مؤخرا لصحيفة «هآرتس» إن التكلفة المتوقعة لاقامة جدار جديد حول القطاع مع حل تكنولوجي لموضوع الانفاق تبلغ 2.8 مليار شيكل. وهذا البند لم يتم شمله في ميزانية الدفاع للسنة الحالية. وفي وزارة الدفاع يقولون إن كل عمل لتحسين الجدار في القطاع يجب أن يأتي من خارج الميزانية وإلا فلا يمكن تطبيق الخطة متعددة السنوات للجيش الاسرائيلي.
تظهر صورة رئيس هيئة الاركان على غلاف مجلة «معرخوت» العسكرية، وقائد المنطقة الجنوبية وقائد جفعاتي منذ الجرف الصامد. العنوان على الغلاف هو تلخيص لمقال كتبه العقيد رومان غوفمان، الذي هو اليوم قائد كتيبة «عصيون» (بيت لحم): «قبل حرب لبنان الثالثة – من الضروري إحداث تغيير عميق في مجال المبادرة في المستوى التكتيكي»، كتب غوفمان. وقد اختار المحررون اظهار تشخيصه على الغلاف بأن «المبادرة ومعها الخداع والجرأة ايضا هي التي ستحسم المعركة القادمة. لم يتميز الجيش الاسرائيلي في هذه المجالات في الجرف الصامد. ومن واجبنا احداث تغيير عميق».
إن مجرد اعتراف الجيش بهذه النواقص، وبغض النظر عن التأخير، هو أمر لافت. مثل بعض الخطوات التي تم اتخاذها منذ جولة الحرب الاخيرة في القطاع. لكن المركبات الاساسية في صورة الوضع في الجنوب – استمرار حفر الانفاق وغياب عائق ناجع في حدود القطاع والحصار المشدد على غزة – تُبقي خطر احتمال حدوث جولة اخرى، رغم أن موازين القوى العسكرية كانت وما زالت في صالح اسرائيل.
عن «هآرتس»
-