حين ينهض الشباب لحمل المسؤولية

BGh5Q.jpg
حجم الخط

بقلم طلال عوكل

 

 

 

مجزرة جديدة، ستأخذ رقماً بين مئات المجازر التي ارتكبتها الحركة الصهيونية وإسرائيل، التي لم تعد تبدي أيّ حسّاسية، أو اهتمام، لأن ذلك ليس كافياً، لتحريك منصّات العدالة الدولية، خصوصاً المحكمة الجنائية.
أكثر من قرنٍ من الزمان، منذ «وعد بلفور»، وبدايات رحلة الصراع التي تخلّلتها مجازر جماعية كثيرة، لم تستهدف فقط الترويع والقتل وإنما، أيضاً، إرغام الفلسطينيين على مغادرة بيوتهم وممتلكاتهم.
ثمة بالتأكيد جهات كثيرة وأفراد ومؤسّسات تقوم بالتوثيق وربما أهمها ما يقع في الدول التي أنشأت المشروع الصهيوني.
بالنسبة للفلسطينيين، من غير الممكن أن تسقط مثل هذه الجرائم بالتقادم، فللتاريخ آلياته، وحركته، وهي صاعدة دائماً، لصالح أصحاب الحقوق، سواء في فلسطين أو في غيرها.
خمسة شهداء في نابلس، وسادس في النبي صالح، وأكثر من عشرين جريحاً، خلال ساعات، والعدد الكلّي للشهداء خلال العام الحالي يتجاوز المئة وخمسة وثمانين شهيداً، معظمهم لا تتجاوز أعمارهم الخمسة والثلاثين عاماً.
ستة شهداء أعمارهم بين العشرين والثلاثين عاماً، إلّا واحداً عمره خمسة وثلاثون عاماً. على الأرجح أن لابيد وغانتس وآخرين، سيحتفلون بهذا الإنجاز.
يتبجّح رئيس الحكومة ووزير دفاعه، ورئيسا أركان الجيش القديم والجديد، بأن مئة وأربعين من قوات النخبة، نجحوا في اصطياد عددٍ من الأسود، ولكنهم لم يدمّروا العرين.
أحد المعلّقين العسكريين الإسرائيليين يسخر من حالة الجيش والحكومة. فالأمر بالنسبة له، لا يستحق إقامة غرفة عمليات خاصة، وأن الأمر بالكاد يحتاج إلى غرفة عمليات فرقة.
هذا هو الجيش الذي لا يُقهر. فلقد جهّز حملة كبيرة، من الآليات والجُند، والأسلحة المختلفة، والمُسيّرات، والوسائل الاستخبارية والتكنولوجيا، لمواجهة عشرات المقاومين، الذين يفتقرون إلى التسليح المناسب، والتدريب المناسب، ووسائل العمل المناسبة.
وبالرغم من كل ذلك، ثمة استنفار واسع، للجيش والشرطة و»حرس الحدود»، والمستوطنين، و»المستعربين»، والعملاء، تحسُّباً لعمليات انتقامية، تتوقّع المصادر الاستخبارية الإسرائيلية أن تقع في أنحاء الضفة الغربية.
لا ينتهي الأمر، عند حدود ما جرى، ذلك أن الأوضاع تتجه نحو التصعيد، سواء من الجانب الاحتلالي، أو من جانب المقاومة الفلسطينية. ليس مهمّاً إذا كانت الأوضاع تتجه نحو انتفاضة جديدة، أم لا، فالأهم هو أن ثمة ظواهر جديدة ينبغي قراءتها بشكل عميق، واستخراج دلالاتها.
أوّل هذه الدلائل، أنه لا فرق بين اتجاهات سياسية وأُخرى في إسرائيل، بما يتيح مجالاً للمراهنة، فالكلّ لا يرى حقوقاً سياسية للشعب الفلسطيني، والكل لا يرى أصلاً على المدى الأبعد، وجوداً فلسطينياً على أرض فلسطين التاريخية.
الإسرائيليون يصنّفون لابيد، وغانتس، على أنهما ينتميان لـ»الوسط» أو «يسار الوسط»، لكن الحقيقة هي، أنهما وبقية الأحزاب الصهيونية يتنافسون على مواقع التطرّف اليميني. حتى من يسُمّى «اليسار» ومنهم «حزب العمل»، الذي أعلن مؤخراً دعمه لـ»رؤية الدولتين» فقط من أجل تمييز نفسه، عسى أن يحظى بمقاعد أكثر، فإنه متواطئ ومرتاح لما يحققه «اليمين» المتطرف، في ساحة الصراع.
ثاني هذه الدلائل، ما ظهر من مبادرة لاشتراك أجهزة الأمن الفلسطينية، فجر الثلاثاء المنصرم، وهذه تضاف إلى مؤشّر سابق، حيث سقط عدد من شهداء الأجهزة الأمنية في عمليات ضد الجيش والمستوطنين.
قد يبدو أن هذه المبادرات محدودة، وموقعية، لكنها مؤشّر قوي، على بدايات تغيير في دور السلطة وأجهزتها، ودور حركة فتح في ضوء حجم ونوع ومساحة العدوان الإسرائيلي، الذي يؤدي إلى إضعاف السلطة، وعزلها عن قاعدتها الاجتماعية.
ثالث هذه الدلائل، وتلك برسم الفصائل الفلسطينية التي عليها أن تتحسّب لانتظار مولود جديد، يوسّع مساحاته في التأثير على مجريات الصراع، وأيضاً على المجتمع الفلسطيني.
ظاهرة «عرين الأسود»، وقبلها ظاهرة «كتيبة جنين»، إن بدا أن بعضها يتبع بعض الفصائل، إلّا أنها في الغالب تنشأ كظواهر مستقلّة، لا تتبع لفصيل ولا تأخذ قراراتها من أيّ مرجعية سياسية.
منذ فترة طويلة، والمحاولات لم تنقطع، لخلق تيار ثالث أو حزب جديد في الساحة الفلسطينية، التي امتلأت بالحراكات الشبابية والمبادرات. لكنها لم تنجح في تجاوز الفصائل، التي تتمتع بمرونة لاحتواء تلك الحراكات، وأشكال نضالها.
قيمة هذه الظاهرة التي يتّسع وجودها وتزداد فعالياتها من خلال الاشتباك، وأيضاً تتّسع دائرة تأثيرها على الجماهير الفلسطينية، قيمتها بأنها تعتمد على الشباب المندفعين وطنياً، ولا يعانون من أزمات نفسية أو اجتماعية، أو اقتصادية أو صحية.
يحتاج هؤلاء الشباب إلى الخبرة، والحذر، واتخاذ الاحتياطات الأمنية وتعزيز علاقاتهم بالحاضنة الشعبية المؤهّلة لحمايتهم وتقديم الدعم لهم. ولعلّ التجربة العملية، ستمكّنهم من تحسين الأداء.
ويحتاج هؤلاء الشبّان الأسود، إلى الغطاء السياسي، وإن كانوا لم ينتظروا ذلك، لكنه مهم، ومهم أن تغادر المستويات السياسية والفصائلية، خطابات التوصيف، والمطالبة، والإدانة، والدعوات لتدخُّل دُولي لن يأتي، والالتفات إلى ما يخدم مقاومة الاحتلال بوسائل فعّالة.