نابلس تعيش أجواء الانتفاضة الثانية

حجم الخط

بقلم: جاكي خوري

 



لا يظهر المدخل الغربي لمدينة نابلس هكذا منذ أيام الانتفاضة الثانية. فثمة تواجد كثيف للجنود وحواجز بجانب أكوام التراب في الشوارع، إلى جانب ذلك هناك تقارير عن تبادل إطلاق النار وقتل شباب فلسطينيين وجنازات حاشدة في نابلس في الأسبوعين الأخيرين، تمنع الكثيرين من الوصول إليها. وصلت التجارة في المدينة، التي هي العاصمة الاقتصادية الفلسطينية، تقريبا إلى الشلل الكامل.
نابلس معروفة بالتجارة والصناعات الخفيفة. منطقة المطاعم الموجودة في مدخل المدينة الغربي من اتجاه قرية دير شرف فارغة خلال معظم ساعات اليوم. ويجلس أصحاب المحال وينتظرون الزبائن، بعضهم أبلغوا العاملين بعدم المجيء للعمل إلى حين تحسن الوضع. "هناك انخفاض يصل 80 – 90 في المئة في عدد الزبائن، معظم عملنا يقوم على إخوتنا من داخل الخط الأخضر. منذ أسبوعين تقريبا لم نلتقِ مع أي احد"، قال أبو يونس، وهو صاحب مطعم مشاوٍ معروف في المنطقة. "إذا استمر الوضع هكذا سنفقد أعمالنا".
على بعد بضعة أمتار من المطعم وقف أبو محمد السيلاوي، وهو صاحب سوبرماركت حيفا، وهناك كومة تراب أقامها الجيش تغلق مدخل المحل. "دائما قالوا لي إنني في مكان استراتيجي، مكان رئيس في مدخل المدينة الذي يربط عدة شوارع. فجأة وجدت نفسي في محل فارغ منذ أسبوعين"، قال السيلاوي. "لديّ بضائع تبلغ قيمتها عشرات آلاف الشواكل ستتلف". وقال السيلاوي إنه لم يتوقع أن الإغلاق سيستمر لهذه الفترة الطويلة. "اعتقدنا أن هذا موضوع يوم أو يومين، فجأة أغلقوا أسبوعين ولا يظهر أي أفق إلى متى سينتهي ذلك".
في المدينة وفي محيطها يرفضون أي ادعاء يقول إن الأمر يتعلق بخطوات للاحتياجات الأمنية. "هذا عقاب جماعي هدفه إخضاع سكان نابلس"، قال محافظ نابلس، إبراهيم رمضان، في محادثة مع دبلوماسيين تجولوا في المدينة. في البعثة كان هناك ممثلون أوروبيون وممثلون عرب من المغرب والأردن، ممن زاروا نابلس من أجل التعرف عن قرب على تداعيات الحصار. رغم الزيارة فقد بقي في المدينة من يتشككون بخصوص إمكانية أن تؤدي هذه الزيارة إلى الضغط على إسرائيل والذي بدوره يؤدي إلى تغيير سياستها.
ياسين دويكات، من الغرفة التجارية في نابلس، حذر من أن سياسة العقاب الجماعي لن تؤدي إلى التهدئة والاستقرار. "صحيح أن هناك ضغطا اقتصاديا كبيرا على التجار، ولكن إذا اعتقدوا أنه بعد ما شاهدناه في هذا الأسبوع (عملية الجيش الإسرائيلي لتفجير مختبر المواد المتفجرة وقتل ناشط من عرين الأسود)، بأن هذا سيقود إلى توجه معاكس فهم مخطئون"، قال. بعد ذلك تساءل: "نحن كتجار لا نتدخل في السياسة أو الأمن. ولكن من المهم التوضيح أنه أمام عدوانية المستوطنين وما يفعلونه فهل فكر أي أحد بإغلاق مستوطنة أو وضع أكوام التراب أو وضع الحواجز؟ بالتأكيد لا. هم بشكل عام مستوطنون ونحن أصحاب المكان ولسنا غزاة".
أيضا في الغرفة التجارية وفي أوساط التجار يرفضون ادعاء إسرائيل بأن المدينة غير محاصرة، وأن الأمر يتعلق فقط بوضع الحواجز لأغراض أمنية. "أنت أو أي شخص آخر يريد الوصول إلى المدينة من أجل التسوق أو أي أمر آخر يعرف أنه سيضطر إلى الانتظار أربع ساعات على الحواجز أثناء الدخول أو الخروج فهو بالتأكيد لن يأتي"، قال دويكات.

انتقال حاد

المدينة نفسها بدت، الثلاثاء الماضي، فارغة وهادئة. في الصباح الباكر سمعت أصوات إطلاق نار عند دخول قوة للجيش الإسرائيلي من أجل إجراء اعتقالات لمطلوبين، من بينهم إياد النابلسي، وهو شقيق إبراهيم النابلسي، من مؤسسي تنظيم "عرين الأسود"، الذي قتل في عملية للجيش في البلدة القديمة في نابلس في آب الماضي. انتهى الحادث بسرعة نسبية، ولم يتم الإبلاغ عن إصابات. شوارع المدينة، بما في ذلك الميدان الرئيس، بدت هادئة وفارغة.
لكن الانتقال في المدينة من الصخب إلى الهدوء كان حادا. في فجر الثلاثاء اشتعلت المواجهات وتبادل إطلاق النار مع الجيش، حيث انتهت بخمسة قتلى وعشرين مصابا. أثناء اليوم تجمع في مركز المدينة أكثر من عشرين ألف شخص شاركوا في الجنازة الحاشدة مع إطلاق نداءات للثأر وإطلاق كثيف للنار في الهواء. الآن بدا الأمر مختلفا كليا. فالمدينة هادئة مرة أخرى والحركة في الشوارع خفيفة. يبرز بشكل خاص غياب الحركة في مركز المدينة وفي أسواقها.
أبو عماد الحواري، وهو صاحب محل للملابس في وسط المدينة، قال إن هذه التجربة تذكرنا بذكريات من الماضي. "لقد شاهدت ماذا يعني انهيار المصلحة التجارية. في 1991 كنت في الكويت وكانت لي أعمال تجارية هناك. عند دخول القوات العراقية تركنا كل شيء. رجعت إلى نابلس بعد بضع سنوات في محاولة للبدء من جديد"، قال. وحسب قوله أيضا فك الحصار وحده لن يحل كل المشكلة. "لا اعرف متى سينتهي ذلك، لكن في إسرائيل يجب عليهم الفهم بأنه لا يوجد هنا موضوع تجارة واقتصاد. ففي نهاية المطاف لا يمكن تجاهل واقع الاحتلال بكل تداعياته"، قال.

لا يمكن تجاهلهم
في نابلس ما زال يشعر بجو الحداد. في عدد من الأماكن تظهر صور ورسومات غرافيك للقتلى من الأسبوع الماضي. حتى لو كان الكثير من سكان المدينة لا يعرفون تشخيص نشطاء "عرين الأسود"، يبدو أن تأييد هذا التنظيم يزداد من يوم لآخر.
ناشط من الجبهة الشعبية في المدينة أوضح في محادثة مع "هآرتس" بأنهم في إسرائيل يقومون بفحص هذا التنظيم، لكن فقط من خلال رؤية أمنية وبهذا يفوتون بعدا مهما آخر يتعلق بمكانة التنظيم في أوساط السكان. "بالنسبة لإسرائيل نعتبر إرهابيين. هذا كل شيء. إذا اغتالوا أو اعتقلوا المسلحين فبهذا سينتهي الموضوع. في الشارع الفلسطيني يبدو هذا مختلفا تماما، هذه حركة تملك عمقا شعبيا"، أوضح هذا الناشط وقال إن "هذا الدعم يتجاوز الفصائل والتيارات. حتى ممثلو السلطة الذين جاؤوا إلى المدينة عبروا عن التقدير والدعم للتنظيم لأنه ببساطة لا يمكن تجاهلهم". وحسب قوله "لا يوجد هنا مسلحون أمام جمهور. نحن معاً".
زياد البندك، وهو من كبار نشطاء "فتح" في المدينة، اتفق مع هذه الرؤية. "الضغط الاقتصادي والحصار لن يجعل الوضع أفضل، بل العكس"، قال. "إذا كان أي أحد يعتقد بأن هذا سيجعل الجمهور الفلسطيني ينقلب على هؤلاء المسلحين فهو مخطئ جدا. تنظيم عرين الأسود في نهاية الأمر يتكون من شبابنا وأولادنا. هذه ليست مليشيا أجنبية جاءت واستوطنت المدينة".
وأشار البندك أيضا إلى أن نشاطات التنظيم في الواقع "لن تؤدي إلى تحرير فلسطين"، لكنها تخلق انجرافا شعبيا. "ما حدث في الضفة الغربية في الليلة التي تلت تصفية الشباب الخمسة لم نشاهده منذ فترة طويلة في الضفة. يمكن أنه في القريب سيهدأ هذا الحداد. وهذا يعني أننا سنشاهد في كل مرة جولة تلو جولة. لأنهم في إسرائيل لا يريدون معالجة الواقع البسيط الذي يقول إن هناك احتلالاً يجب إنهاؤه".

عن "هآرتس"