في السنة العبرية الجديدة (5783) ..

إسرائيل مستمرة في ممارسة الخداع والتحايل لإنقاذ المشروع الإستعماري الصهيوني المتهاوي في فلسطين

26bdf1e396a251f4b77de6c4cd38b1b0.jpg
حجم الخط

بقلم العميد: أحمد عيسى

 

 

 درج البعض مؤخراً من المراقبين للصراع الفلسطيني الإسرائيلي سواء، بدافع حسن النية أم بسوئها على اظهار مخاوفهم من تصاعد احتمالات نجاح إسرائيل في حسم الصراع مع الفلسطينيين لصالحها وتصفية قضيتهم وجعلها قضية هامشية لا أثر ولا تأثير لها على الأمن والسلم العالمي والإقليمي.

وفيما يبدو هؤلاء المراقبين محقين في التعبير عن مخاوفهم واستنتاجاتهم، لا سيما وأن مخاوفهم تقوم على أساس الفارق الكبير في ميزان القوة (العسكرية والإقتصادية والتكنولوجية) بين إسرائيل والفلسطينيين، إلا أن الفحص الدقيق للواقع الإسرائيلي ومسارات تطوراته يظهر أن إسرائيل حكومة وأحزاب سياسية تمارس خديعة النفس والشعب والشركاء في محاولة منهم لإنقاد المشروع الإستعماري الصهيوني بإقامة دولة يهودية ديمقراطية مزدهرة في فلسطين، وذلك من خلال توظيف القوة لمواصلة القتل والتهجير والتطهير العرقي ضد الفلسطينيين علناً ودون الإختباء خلف مبادئ الليبرالية وحقوق الإنسان.

اللافت هنا أن مؤسسات التقدير الإستراتيجي في إسرائيل وكذلك الخبراء في الأمن القومي الإسرائيلي يحذرون من هذه الحقيقة منذ بداية الألفية الجديدة دون جدوى، الأمر الذي من جهة لا يمكن تفسيره، ومن جهة أخرى يشير الى أن الأسوأ في السياسة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين قادم في قادم الأيام,

وتبدو هذه الحقيقة واضحة في تقريرين نشرهما مؤخراً معهد إسرائيل لدراسات الأمن القومي (INSS) التابع لجامعة تل أبيب الأول نشر بتاريخ 22 من شهر سبتمبر/ أيلول الماضي والثاني نشر بالتاسع عشر من شهر اكتوبر/ تشرين الأول الجاري.

التقرير الأول جاء عبر فيديو قصير للجنرال المتقاعد (تامير هايمن) الذي يشغل حالياً المدير الإداري للمعهد والذي عين العام 2018 ليكون الرئيس رقم (22) لشعبة الإستخبارات العسكرية، حيث هنأ (هايمن) اليهود في إسرائيل بمناسبة السنة العبرية الجديدة، وفي السياق قدم هايمن جملة من النصائح التي يتوجب على إسرائيل الشروع فورا في تطويرها وتنفيذها فوراً ضمن إستراتيجية بعيدة المدى تكون فيها إسرائيل (رأس وليس ذيل) وذلك لتمكين إسرائيل من مواجهة التهديدات والتحديات التي سترافق إسرائيل خلال السنة العبرية الجديدة.

ويقف على رأس هذه التهديدات وفقاً لتقدير الجنرال (هايمن) تهديد زوال هوية إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية، إذ انها تنزلق بسرعة نحو الدولة الواحدة ثنائية القومية، حيث كانت توصيته في هذا الشأن تطوير وتطوير استراتيجية بعيدة المدى تقوم على تنفيذ الإنفصال عن الفلسطينيين.

وجاء ترتيب التهديد الايراني في المرتبة الثانية بعد التهديد الفلسطيني، يليه في الترتيب تضعضع مكانة الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة لتحول النظام الدولي، ثم الصراع الداخلي.

تجدر الإشارة هنا أن التهديد الفلسطيني جاء في المرتبة الثانية بعد التهديد الإيراني في قائمة التهديدات التي تواجه إسرائيل خلال العام الجاري وفقاً للتقرير الإستراتيجي السنوي الذي نشره المعهد في الربع الأول من السنة الجارية، الأمر الذي لا يخلو من دلالة في التحول في ترتيب قائمة التهديدات التي تواجه اسرائيل في الربع الأخير من العام ذاته.

أما التقدير الثاني فجاء بعنوان (عرين الأسود: تنبيه بالتحديات الوشيكة) للواء المتقاعد (أودي ديكل) الباحث الرئيسي في المعهد والذي يترأس حاليا برنامج البحث في الشأن الفلسطيني، حيث كتب (ديكل) في هذا التقدير أن المعنى الرئيس لظاهرة عرين الأسود هو أنه لن يكون بمقدرة إسرائيل إحتواء المناطق الفلسطينية للأبد.

المهم أن التقديرين أشارا بوضوح الى الأزمة المتمثلة بعدم أخذ الحكومات المتعاقبة التهديدات الجارية والمتوقعة بعين الإعتبار في قراراتها، الأمر الذي يتطلب لا سيما من خبراء الأمن القومي رفع الصوت وتكثيف التدخلات النقدية للواقع كما قال (هايمن) في تقديره القصير والمكثف، أما (ديكل) فقد تطرق لهذه الأزمة في نهاية تقديره قائلاً "هل القيادة الإسرائيلية بعيداً عن إنتماءاتها الحزبية تفكر بالتحدبات والتهديدات الجارية، وهل هي جاهزة للتهامل مع هذه التحديات بجدية وفاعلية؟

وفي هذا الشأن يجادل البعض أن إسرائيل منذ بداية الألفية الجديدة تواجه خيارين: يدور الأول حول الإعتراف بفشل مشروع الحركة الصهيونية في فلسطين والسعي الى تحقيق مصالحة مع الشعب الفلسطيني أصحاب الأرض الأصلانيين، ويدور الثاني حول التحايل على الواقع ومواصلة التطهير العرقي بحق الفلسطينيين.

وعلى ضوء ما تقدم يبدو هنا أن إسرائيل قد اختارت الخيار الثاني، الأمر الذي يتجلى في صعود قائمة قائمة بن غفير وسموتريش الكاهانية العنصرية الدموية، الذي يعني بدوره يعني أن إسرائيل قد دخلت في مأزق غير قابل للحل، مما يفرض على الفلسطينيين الإستعداد لما هو قادم من حيث غاياتهم واستراتيجياتهم وأدواتهم وتحالفاتهم لا لمواجهة إسرائيل التي أصبح وجهها أحفاد كاهانا وحسب، بل وللإنتصار عليه.