من اقتصادي كبير وملياردير إلى عضو بارز في حزب المحافظين ووزير خزانة سابق، تمكن ريشي سوناك من الفوز بأرفع منصب سياسي في الحكومة البريطانية، خلفاً لرئيسة الوزراء المستقيلة ليز تراس التي فشلت في إدارة البلاد على وقع أخطاء كارثية في الملف الاقتصادي.
سوناك الذي لم يحالفه الحظ في منافسة سياسية سابقة أمام تراس، حصل هذه المرة على موافقة نواب حزب المحافظين لتسميته رئيساً لهم ورئيساً للوزراء، في الوقت الذي تعيش فيه البلاد حالة غلاء معيشي وتدهور اقتصادي.
اختيار رئيس الوزراء الجديد يعكس إلى حد كبير اهتمام حزب المحافظين بالوضع الاقتصادي، ذلك أن هذا الملف يشكل أولوية الأولويات على باقي الملفات الأخرى، وسمعة سوناك في سوق المال وكذلك خلفيته الاقتصادية سهّلتا مسألة اختياره.
قبل عدة أيام من فوزه بالجائزة السياسية الكبرى، فشلت تراس في إدارة الأزمة الاقتصادية بالمملكة المتحدة، بسبب إقرارها خطة خفض الضرائب، ما ولد اضطرابات حادة في أسواق المال وتدخلاً سريعاً من قبل البنك المركزي الذي سعى لحماية وتأمين صناديق معاشات التقاعد مع ارتفاع سعر الفوائد وانخفاض قيمة العملة المحلية.
يدرك الملياردير الهندي الأصل أنه سيخضع لمساءلة دورية من قبل حزب المحافظين عن السياسات الاقتصادية تحديداً التي سيمضي باتباعها لتحسين الأوضاع الاقتصادية ووقف تراجع شعبية الحزب في أوساط الرأي العام البريطاني.
في كلمته إلى البريطانيين، لم يبد رئيس الحكومة الجديد متفائلاً بشأن النهوض السريع بالواقع الاقتصادي البريطاني الصعب، فهو لا يملك "عصا موسى" السحرية لحل جميع المشكلات، في ظل تحديات كثيرة تتصل بوقف التضخم والغلاء المعيشي وإيجاد فرص عمل جديدة وتخفيض الإنفاق العام.
من أهم المشكلات التي تواجه البلاد أزمة ارتفاع الطاقة بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، وكذلك تحدي مواصلة لندن تقديم المساعدات المادية والعسكرية لكييف، وهذان التحديان يضيفان فواتير كبيرة على فاتورة ارتفاع الأسعار.
في هذه الأحوال، قد يعمل رئيس الحكومة على خطين، الأول قصير المدى والثاني طويل المدى. بالنسبة للخطوات قصيرة المدى، من المحتمل أن تشهد البلاد موجة جديدة من رفع سعر الفوائد لترويض التضخم ومواجهة تدهور قيمة الجنيه الاسترليني. ضمن الخطوات السريعة أيضاً، ستلجأ الحكومة إلى سياسة "الشد على الحزام" عبر تقليل الصرف العام، وفي المقابل دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تضررت بفعل تداعيات "كورونا" وتراجع الاقتصاد المحلي.
أما على صعيد الخطوات طويلة المدى، قد يتمكن رئيس الحكومة سوناك من جذب انتباه الرأي العام لمسألة تصفير الانبعاثات وربطها بالاستغناء التدريجي عن الطاقة التقليدية والاستثمار في الطاقة النظيفة، وهذا الأمر يحتاج إلى خطة اقتصادية واضحة وإرادة للبدء من الآن. كذلك من بين اهتماماته تخفيض الضرائب من 20% إلى 16%، ولا يمكنه تحقيق ذلك في الوضع الحالي وسيحتاج إلى عدة سنوات للشروع في التخفيض الضريبي تدريجياً.
في شؤون السياسة الخارجية، من المرجح أن يبقي على نفس الخط الذي اعتمده سلفه بوريس جونسون، لجهة توثيق التعاون مع الولايات المتحدة الأميركية ودعم أوكرانيا على حساب روسيا، وتعزيز الحضور البريطاني في القارة الأوروبية تحديداً.
أمام التدني الكبير في شعبية حزب المحافظين، لم يجد الأخير من مخرج سوى الرهان على زعيم الحزب للخروج من الأزمة الاقتصادية، حيث يجد "المحافظون" أن من مصلحتهم السير خلف رئيس الحكومة لإنقاذ سمعة الحزب والابتعاد عن شبح عودة إجراء انتخابات عامة.
سبق أن اختبر سوناك في تحدي تفشي فيروس كورونا حينما كان وزيراً للمال في عهد جونسون، ووقتها سطع نجمه وازدادت شعبيته بين حزبه وفي صفوف شرائح المجتمع، بسبب سخائه في صرف 350 مليار جنيه استرليني لدعم الفقراء والعمال والمؤسسات الاقتصادية التي تضررت بسبب الإغلاقات المستمرة.
التحديات التي تواجه رئيس الوزراء ليست سهلة أبداً، وتحتاج إلى إجراءات ونتائج ملموسة لإعادة تحسين العلاقة بين الناخب البريطاني وحزب المحافظين، فإذا فشل في إقناع الرأي العام ببرنامجه الاقتصادي فهذا يعني السلام عليه وعلى حزبه.
على أن كل هذه التحديات، قد لا تمنعه من العبور بحكومته وحزبه إلى شط الأمان، فأغلب الظن أنه رجل المرحلة وهو الأقدر على تجاوز الفوضى والأزمات الاقتصادية التي تعيشها بلاده. بالإضافة إلى أنه مدعوم بقوة من قبل حزبه.