أسباب عديدة منعت المعسكر المناوئ لبنيامين نتنياهو من الاحتفاظ بالحكم، وذلك رغم أنه قطع في انتخابات الكنيست السابقة، أي قبل نحو عام ونصف، نصف الطريق إلى تحقيق هدفه، من تلك الأسباب، أنه لم يسع إلى استثمار فرصته في إزاحة نتنياهو شخصياً عن مقعد رئيس الحكومة، وذلك بتقديم بديل جدي، يغير من مستوى التوغل اليميني في المجتمع الإسرائيلي، فهو أولاً منح مقعد رئيس الحكومة ليميني لم يكن أقل تطرفاً من نتنياهو، بل كان تلميذه في يوم من الأيام، وحين تولى الوسطي يائير لابيد، لم يكن الوقت كافياً، كما أنه لم يحاول أن يتقدم كقائد لمعسكر أوسع من حزبه حيث آثر أن يسعى إلى حصوله على أكبر عدد من المقاعد، وبالتحديد أن ينال المكانة الثانية بعد الليكود، أكثر من حرصه على تعزيز حظوظ المعسكر المناوئ لتحالف اليمين واليمين المتطرف، في الحصول على الأغلبية، ولعل ذلك كان واضحاً، حين ترك العرب يذهبون للانتخابات بثلاث قوائم.
كذلك بعد خروج نفتالي بينيت من المثلث الذي قاد الحكومة البديلة، ظهر الصراع جلياً بين كل من لابيد وبيني غانتس، على مكانة قائد المعسكر المناوئ لليمين بقيادة نتنياهو، وحين كان معسكر اليمين يبدو متماسكاً جداً حتى وهو يخرج من دائرة الحكم، وحيث كان يجلس طوال عام ونصف على مقاعد المعارضة، كان ائتلاف الحكم يبدو على غير ذلك، غير متوافق، ولا حتى في الموقف تجاه الحرب بين روسيا وأوكرانيا، ولا تجاه العلاقة مع الجار الفلسطيني، وفي ملفات أخرى عديدة، وبدا بأن تحالف الحكومة البديلة وكأنه قد اكتفى بتحقيق هدفه بإزاحة نتنياهو شخصياً عن رئاسة الحكومة، ولم يكلف نفسه عناء مواصلة الكفاح من أجل عدم عودة الرجل إلى المقعد ذاته، حتى بعد أن تم اتخاذ القرار بحل الكنيست.
مع ذلك فإن ما ظهر عليه لابيد خلال ثلاثة أشهر من قيادته للحكومة من اتزان سياسي، أبقى على حظوظ معسكره، وفق استطلاعات الرأي على المنافسة، وأبقى احتمال أن يظل لابيد بالتحديد في المقعد على الأقل كرئيس حكومة تصريف أعمال، قائما، ويبدو أن لابيد شخصيا قد حبذ هذا الخيار، وفي ذاكرته بقاء نتنياهو نفسه أكثر من عامين، ما بين عام 2019_2021، وفق هذه الصفة، كما أنه يمكن القول، بأن مجموعة الأحزاب المتباينة، قد اخفت خلافاتها، بعدم إقدامها على اتخاذ سياسة حادة، أو واضحة تجاه أي ملف إشكالي، أو توجد تجاهه خلافات داخلية، بما في ذلك الملف الفلسطيني، وهذا أبقى على حظوظها، وجل ما فعله، على سبيل المثال جدعون ساعر، اليميني المنشق عن الليكود، لإظهار خلافه مع نهج لابيد هو الدخول في تحالف حزبي مع غانتس، الذي بدوره سعى إلى تعزيز صورته كرجل أمن أكثر منه كرجل سياسة، حتى لا يضطر إلى اتخاذ موقف يعد على اليمين أو اليسار أو حتى بينهما، حتى وهو يلتقي بالرئيس محمود عباس.
باختصار لم تظهر إسرائيل على صورة مختلفة كثيراً عما كانت عليه خلال سنوات حكم اليمين متحالفاً مع اليمين المتطرف، لذا ظلت القاعدة الانتخابية لليمين كما هي، إن لم تكن قد تحولت أكثر، وتحولها الأساسي منذ سنوات، يجري بانزياح اليمين باتجاه التطرف والفاشية، التي تصر على السير على طريق إقامة نظام الفصل العنصري، ليس على جانبي حدود الخط الأخضر مع أرض دولة فلسطين المحتلة، وحسب، بل ومع كل من هم من غير اليهود داخل حدود الدولة المعلنة منذ العام 1948.
لكن أسباب عودة اليمين المتحالف مع اليمين المتطرف ومع الأحزاب الحريدية الطائفية، لا يقتصر على أداء الحكومة البديلة بعهديها خلال رئاسة كل من بينيت ولابيد، بل يعود بعضها إلى أداء المعارضة ورئيسها نفسه، الذي وخلال عام ونصف، أولاً لم يسقط في معركة القضاء، كما كان خصومه يمنون النفس، بل لا أحد يدري كيف تم طي الملف أو إهماله، طوال كل تلك الفترة، وثانياً هو حرص طول الوقت على الإبقاء على تحالفه ليس فقط مع الحزب الفاشي متمثلاً بالصهيونية الدينية، بزعامة كل من بتسلئيل سموترتيش وايتمار بن غفير، الذي ليس له بديل سوى التحالف مع الليكود بالطبع، ولا خيار آخر أمامه لأن يتحول للمعسكر الآخر، بل الأهم هو إبقاء تحالف الليكود مع الحزبين الحريديين، شاس ويهودوت هتوراه، اللذين ليس لهما مشكلة مع أي من المعسكرين، خاصة شاس، لكن المشكلة تكمن في رفض أحد أحزاب اليمين ضمن التحالف المناوئ لنتنياهو، بالتحديد حزب إسرائيل بيتنا بزعامة افيغدور ليبرمان.
كذلك لفت الانتباه أداء نتنياهو كرئيس للمعارضة، الذي ظل واثقاً من عودته أولاً، وثانياً، ظل يطلق التصريحات التي تبقي على وجوده على خشبة المسرح السياسي، لكن في نفس الوقت لا تحدث صخباً أو لغطاً، خاصة تجاه الحليف الأميركي، حتى عند التوصل لاتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، ذلك الاتفاق الذي أراده بشدة الرئيس الأميركي جو بايدن، بل أكثر من ذلك لم يظهر كعادته مدعيا، أو مسارعا لإعلان النصر مع اقتراب موعد الانتخابات، كما كان يفعل في المناسبات السابقة، ربما حتى يقوم بتخدير الخصوم، بما تعلنه استطلاعات الرأي من توازن، فيما كانت اللعبة الجوهرية ذات طابع فني، بعيدة عن الشعارات الانتخابية، أو إعلان السياسات، وتتمحور حول من يدفع بأكبر عدد من ناخبيه إلى صناديق الاقتراع.
وحتى يوم الانتخابات خاض نتنياهو، وهو كان هذه المرة يعلم بأن المعركة هي معركته الأخيرة، خاصة لو خسرها، كان يخوضها باتجاهين، الأول الدفع لحصول معسكره على الأغلبية البرلمانية، وفي نفس الوقت الحرص على أن تصب أصوات ناخبي اليمين لقائمة الليكود وليس لحلفائه خاصة حزب الصهيونية الدينية، وذلك لتجنب وجود شريك قوي لليكود في الحكم، يشاركه بحصة أكبر في الكعكة.
أما الآن وبعد أن عادت إسرائيل إلى عهدة اليمين المتحالف مع التطرف والطائفية الدينية، فإن نتنياهو سيواجه مشكلة الالتزام بتعهده منح بن غفير وسموترتيش مقاعد مهمة في الحكومة، والدخول في خصام مع واشنطن التي لن تكون في ظل بايدن كما كانت معه في عهد ترامب، وكذلك مع غيرها، وفي كل الأحوال ستكون إسرائيل أكثر تطرفا وفاشية في صراعها مع الشعب الفلسطيني في القدس وكل مدن الضفة الغربية، وهي لن تتراجع عن اقتحام المدن وارتكاب جرائم الحرب، بما سيضعها في عزلة دولية، وربما بما يؤثر على قوة الدفع باتفاقية التطبيع، مع دول الخليج، خاصة وأن أميركا تواجه تحديا دوليا، سيقلل من قدرتها على الاستمرار في منح إسرائيل «شيكاً على بياض» تمارس عبره كل أشكال ومظاهر الفصل العنصري، وإرهاب الدولة، بما في ذلك ارتكاب جرائم الحرب، دون عقاب دولي.