بقلم طلال عوكل
نجحت القمة العربية التي انعقدت أوائل هذا الشهر في الجزائر في اتخاذ قرارات مهمّة، حيث عاودت القمة الحديث عن لملمة الصف العربي انطلاقاً من اعتبار القضية الفلسطينية هي قضية العرب المركزية.
اللغة جميلة ولكنها مكرورة، في زمنٍ يستدعي من العرب أن يجتمعوا على خدمة مصالحهم وتحديد مكانتهم ودورهم في ظل التحولات الدولية المتسارعة.
من حق العرب بل واجبهم تجاه شعوبهم، ومستقبلهم أن ينحازوا لمصالحهم الذاتية وأن يتمتّعوا باستقلالية قرارهم إزاء ثرواتهم، التي استهلكتها لعقود الدول الغربية، التي فعلت ذلك بأنانية مطلقة، ومن دون أي اعتبار لمصالح الآخرين.
المنطق الموضوعي يفرض على العرب الذين اجتمعوا بعد ثلاث سنوات من غياب القمة، التي تزامنت مع الانتخابات الإسرائيلية أن يقفوا بصدق وجدية أمام نتائج تلك الانتخابات وتداعياتها على مصالحهم حتى لو أرادوا تجاهل مركزية القضية الفلسطينية.
عاصفٌ وخطير التحوّل الذي أظهرته صناديق الاقتراع في إسرائيل حيث دشّنت مرحلة غير مسبوقة من حيث صعود «اليمين الفاشي» إلى سدّة القرار الإسرائيلي.
صعود «اليمين الفاشي» كان طبيعياً ومتدرّجاً في دولة تتبنّى العنصرية رسمياً من خلال تشريع قانون القومية وهي، أيضاً، دولة احتلال، تاريخها طافح بارتكاب جرائم حربٍ باعتراف مؤسسات دولية، ودولة توسعية لا تتورّع عن ممارسة الإرهاب ليس ضد الشعب الفلسطيني وحسب.
لا نأتي بجديد حين نُشخِّص المشهد الإسرائيلي على النحو الذي سبق، ما أدى إلى توسع مطّرد على مستوى الرأي العام العالمي، يرفض أو يحذّر من السياسات الإسرائيلية.
إسرائيل أثبتت منذ قيامها، أنها دولة فوق القانون، وخارجة عنه عن سبقِ إصرارٍ وترصُّد، وأنها ليست دولة التزام تحترم نفسها بدليل مئات القرارات التي رفضت إسرائيل تنفيذها، والتي صدرت عن مؤسسات الأمم المتحدة.
الغريب في الأمر، حد الدهشة والحزن، أن إسرائيل تفقد سمعتها ويتزايد الرافضون والمنتقدون لسياساتها على مستوى الرأي العام الدولي بما في ذلك في الولايات المتحدة والدول الغربية، بينما تحقق إنجازات على المستوى العربي والإقليمي، حيث تستمر وتتعمق عمليات «التطبيع» وبناء الشراكات مع هذا الكيان الفاشي الإرهابي العنصري.
البحرين أعلنت بعد الانتخابات، أن فوز نتنياهو وتحالفه «اليميني الفاشي» طبيعي ومتوقع، ولكنها ستواصل شراكتها مع إسرائيل حتى بعد تشكيل نتنياهو لحكومته.
ثمة آخرون صمتوا على نتائج الانتخابات الإسرائيلية، وكان الأَوْلى بهم أن يُراجعوا شراكاتهم وعلاقاتهم مع إسرائيل الفاشية، حتى لو أنهم يفضّلون التريُّث، إزاء اتخاذ قرارات تنسف ما كانوا أقدموا عليهم.
يبدو أن بعض العرب، قد استمرؤوا دفءَ الرعاية والحماية الإسرائيلية رغم أنهم لعقود كانوا يحظون برعاية وحماية كاملة من مخابرات الولايات المتحدة، ومخابرات الدول الغربية، وفي وجود قواعد عسكرية في دولهم وفي الجوار.
المخجل أكثر، أن الإدارة الأميركية، أبدت امتعاضها، فلم يهاتف بايدن نتنياهو للتهنئة بالفوز، كما أن أكثر من إدارة غربية بما في ذلك الأميركية أعلنت أنها قد لا تتعاون مع بن غفير وسموتريتش كوزيرين.
حتى التجمعات اليهودية في غير مكان، عبّرت عن مخاوفها إزاء التحول الجاري في إسرائيل، فلقد كتب كاتب العمود الأميركي الشهير فريدمان مقالة قال فيها: هذه ليست إسرائيل التي نعرفها، ومضى يشير إلى مخاوفه من القادم.
الكاتب الإسرائيلي شمعون ايفير غان من قناة «كان» نشر مقالة، أشار فيها إلى حوالى ثلاثين سياسياً من جميع الأطياف السياسية بمن فيهم رؤساء ورؤساء حكومات ووزراء أدينوا بارتكاب جرائم جنائية منذ قيام إسرائيل وحكم على معظمهم بالسجن. ايفير غان وضع القائمة تحت عنوان «قائمة العار»، وذلك في إشارة إضافية لطبيعة التحولات التي تقع في إسرائيل.
موقع «ميدل ايست آي» نشر مقالاً لإليس غيفوري تقول فيه، إن فوز المتطرفين في انتخابات الكنيست قد يسبب أزمة لليهود في بريطانيا، حيث أدى ذلك إلى انقسام الرأي العام داخل المجتمعات اليهودية، أما صحيفة «جويش نيوز» فقالت في افتتاحيتها يوم الخميس المنصرم: إن النتائج تحمل أسوأ ما لدينا من مخاوف.
ويحذّر ريتشارد فبرير محرّر صحيفة «جويش نيوز» من أنه من المحتمل أن يتقلد الرجل الذي هلّل فرحاً بجريمة قتل رابين، منصب وزير الأمن، وأن يصبح سموتريتش الذي يرغب في حظر الوجود العربي مسؤولاً عن الدفاع.
نتنياهو الحاوي، بالتأكيد يقرأ بإمعان كل ردود الفعل، وربما ينجح في تقديم بدائل، تقلل أو تخفف من هذه الانتقادات والمخاوف، خصوصاً من قبل الجاليات اليهودية والحلفاء الأميركيين والغربيين، ولكنها هل يمكن أن تنجح تخريجات نتنياهو في تغيير حقيقة المساحة الواسعة التي حظي بها «اليمين الفاشي»، والأحزاب الدينية «الحريدية»؟
لم يستفِق العرب بعد، والأرجح أنهم في انتظار ما تسفر عنه محاولات نتنياهو لتشكيل حكومته، ولكن أمامهم فرصة لانعقاد قمة أخرى قريبة في آذار القادم، لإضفاء مصداقية على قرارات «قمة الجزائر» وإكساء عظم القرارات والإعلان، بلحمٍ ودمٍ مختلف.
ولكن قبل ذلك وفي الأثناء، يلقي هذا التغيّر الخطير في دولة الاحتلال على الفلسطينيين مسؤوليات تاريخية، لا وقت للتهرب منها.
إذا كان على العرب أن يُلملموا صفوفهم على أساس مركزية القضية الفلسطينية فإن الواجب الوطني يقضي بأن يُلملم الفلسطينيون صفوفهم، وفي أسرع وقتٍ ممكن، وأن يغيّروا استراتيجياتهم في التعامل مع الصراع، وإلّا فلا يبقَى معنى لمطالبة العرب بأن يفعلوا ما يرفض الفلسطينيون أن يفعلوه.