أكّد رئيس حركة حماس في الخارج، خالد مشعل، أنّ الفقيد نائب المرشد العام لجماعة الاخوان المسلمين إبراهيم منير، له باع طويل مع فلسطين والمقاومة والقضية وحركة حماس.
وتقدم مشعل في كلمة ألقاها خلال مشاركته في عزاء الفقيد منير، بالعزاء لذويه ولمحبيه ولجماعة الإخوان المسلمين بوفاة نائب المرشد للجماعة.
وفيما يلي كلمة مشعل كما نشرها موقع حماس الإلكتروني:
أيها الإخوة الأحبة، يا أحباب الفقيد الكبير، يا أهله وذويه، يا إخوانه وشركاءه وتلاميذه وأقرباءه وأحبابه، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... أعظم الله أجركم، وشكر الله سعيكم، ورحم فقيدكم وفقيدنا وفقيد الأمة ومصر والإخوان وفقيد فلسطين وفقيد حماس، نسأل الله له الرحمة والمغفرة والدرجات العلا، وأن يجزيه عن كل ما ذكرنا خير الجزاء، فقد كفى ووفى، ورحل بعد رحلة طويلة من العلم والعمل والدعوة والجهاد والتضحية، فجزاه الله عنا كل خير.
إخواني الأحبة، قبل قليل أنهيت كلمتي هنا في الدوحة في مجلس عزاء الأستاذ الكبير إبراهيم منير، فحق لأبي أحمد أن تعقد له مجالس العزاء، لأنه قامة كبيرة، وقائد عظيم، وشخصية أحبها الجميع، وله في أعناقنا دين ووفاء، وقد وددت أن أكون بينكم، حتى أبث لكم عواطفي ومشاعري وقناعاتي أكثر من ألفاظي وكلماتي، لكن الحرّ تكفيه الإشارة، أقول لكم وأخاطب الحاضرين عندكم من كل قيادات الإخوان نائب فضيلة المرشد وكل الأساتذة الكرام الذين أوصلت لهم عزائي اليوم الأستاذ البحيري والأستاذ الزايط، وكل الأحبة الكرام الذين نعلق عليهم الآمال أن يكملوا مسيرة أبي أحمد، حتى تصل الدعوة منتهاها، وحتى تتواصل هذه المسيرة نحو أهدافها العظيمة رفعة للأمة ورفعة لمصر ورفعة للإسلام والمسلمين وقضايا الأمة وعلى رأسها فلسطين.
عشت مع أبي أحمد في الكويت منذ الثمانينيات، عرفته عن كثب لأربعة عقود، وأستطيع أن ألخص شخصيته في ثلاث كلمات، الكلمة الأولى، هذا الرجل كتلة من الطيبة والإخلاص والدفء والخلق والتواضع والتبسط والعشرة الجميلة، لا تكاد تعرف عمره كيف يخاطب زملاءه وأساتذته وتلاميذه بمنتهى الأخلاق الرفيعة السامية، فما أجمل أن تجلس معه حتى تأنس، وتسمع له وتستطيع أن تقول له كل شيء، وأن تأمن غضبه، فصبره كبير ومتسع، وهو سهل الانقياد لإخوانه، رغم جلالة قدره وموقعه الرفيع في الدعوة لعقود ماضية.
أما الكلمة الثانية في حق أبي أحمد، فهو الثبات على المبدأ، خمسة وثمانون عاماً لم يغير ولم يبدل، وما بدلوا تبديلا، نعم، "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا"، والثبات ما أصعبه حين تمتد المسيرة، وحين يطول العمر، وحين تدّلهم الخضوب، وتزداد المحن والتحديات، ما أصعب الثبات حين يشرّد الإنسان، ويتنقل بين الأقطاب بعيداً عن وطنه يعاني ويكابد، ما أصعب الثبات حين تكون الحياة قاسية، ويصيبك الألم من القريب والبعيد على حد سواء، لكن أبا أحمد كان رابط الجأش ثابتاً لأنه تشرب الدعوة كما تشربها العظام من رجالاتها، تشربها من المرشدين العظام، البنا وخلفائه، وتشربها مع عملاق الفكر سيد قطب الذي عايشه، وكم حدثنا عنه في الأيام التي قضاها معه في السجن والمشفى، ومن مثل أبي أحمد من يصدق فيهم قول الله تعالى: "وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون"، إذن، أصالة الدعوة، وعمق فهمها، والانتساب لها، والفخر بها، مع خاصية الثبات والاستمرارية، وعدم النكوص عنها مهما كانت الصعاب، إنه أبو أحمد بشخصيته المتميزة.
أما الكلمة الثالثة، فأبو أحمد الأستاذ إبراهيم منير، معتدل الفكر والمزاج، هكذا فطره الله تعالى، وكانت جبلّته من ربه، اعتدال في المزاج والموقف والمشاعر، لا ينقم على أحد، ولا يثأر لشخصه، معتدل المزاج تجاه مناوئيه ومخالفيه في المنطقة والساحة، وحتى من داخل الصف كان دائما قريبا من الناس، لا ينتقم منهم، سهل المنال، يستطيع الناس أن يقولوا ما يشاؤون أمامه مع أمنهم من رد فعله، شكّل القيادة الأبوية الحانية التي تصبر على إخوانها، هذا المزاج المعتدل طبقه في كل محطات حياته نحو بلده ووطنه مصر العظيمة، ونحو دعوته والأمة والمنطقة، امتلك الشجاعة والمبدئية أن يقول لا، وأن يقول نعم، حين يلزم، والتضحية من أجل الموقف، وحريصاً على بلده وأمته وأمنها.
الأستاذ إبراهيم منير، هذه الشخصية المتميزة المحبوبة التي جعلها الله قريبة سهلة، محبوباً بين إخوانه، ولعلها بشارة خير كتبت له في حياته، وفي لحظات وفاته، خاصة وأن الله أكرمه بصيام الخميس، وودع إخوانه في لحظاته الأخيرة، صابراً محتسباً ثابتاً، فجزاه الله عنا كل خير.
هذه الشخصية الفريدة التي أفاضت على دعوتها وإخوانها ووطنها وأمتها كان له باع طويل مع فلسطين والمقاومة والقضية وحماس، أذكر له أربع محطات: أولاها في الكويت، وهو بجانب المرشد الأسبق الأستاذ مصطفى مشهور رحمه الله، نائب المرشد العام، وكانت حماس تتشكل في رحم الغيث في بذورها الأولى، وتبحث عن قيادة أبوية ترعاها وتسقيها، وتذلل الصعاب أمامها، فكان الأستاذ مصطفى مشهور ومن حوله وإلى جانبه وذراعه الأيمن الأستاذ إبراهيم منير، فلكم يا إخوان مصر ويا أهلنا في مصر أن تفخروا أن لكم صفحات مبكرة في تأسيس حماس بمراحلها الأولى، أسأل الله أن يثيبها لكم، وأن يمنيها لكم عند الله لتكون مثل جبل أحد أو يزيد.
المحطة الثانية حين انتقل إلى لندن، فكان أمين سر مكتب الإرشاد في الخارج، وفلسطين شغله، وقضيتها حاضرة على أجندته، وضعها على رأس جدول أعماله دائمة في الصدارة، وبحكم كونه أميناً للسر فقد كان المنسق والمتابع والراعي، يذلل أمامنا كل عسير فجزاه الله خيراً، وحين وضعت قيادة الإخوان ثقتها فيه، فهو نعم الرجل الذي يكلف بالمهمة العسيرة ليرعاها، ليس في المجالس فقط، بل على الأرض في البناء والإسناد.
المحطة الثالثة، قبل عشرين عاماً، وفي ظل اشتعال انتفاضة الأقصى، بادر الإخوان في مكتب الارشاد لتأسيس جهاز الإسناد وأوكلوا المسؤولية عنه للأستاذ إبراهيم منير لثقتهم بكفاءته وأمانته وإخلاصه، وعمق مكانة فلسطين في قلبه ووجدانه، وبهذا التاريخ كان جهاز الإسناد واحداً من الصفحات المشرقة للإخوان، والأستاذ إبراهيم منير لم يكن إسناده لحماس وحدها، بل لفصائل المقاومة والقضية والشعب الفلسطيني بأسره، دائماً يلتقي الناس، ويجمع رموز الأمة وعلماءها ورجالاتها وممثلي المؤسسات المختلفة، يلتقون بشكل دوري ليخططوا كيف ندعم الانتفاضة والمقاومة وصمود الشعب الفلسطيني، ويوفر الدعم المالي والإسناد السياسي والإعلامي لحماس.
أما المحطة الرابعة، فحين أصبح الأستاذ إبراهيم منير نائباً للمرشد، ثم قائماً بأعماله، أصبح صاحب الكلمة الأولى، فمنح كل هذه الطاقة والتفويض لفلسطين وحماس، وقف معنا في صدّنا لعدوانات الاحتلال، وفي المعارك التي شهدتها غزة، لرفع حصارها، وفي قضية القدس والأقصى، وإسناد المقاومة، وفي كل المحطات التي احتجنا فيها للإسناد والدعم والرعاية الأبوية.
رحم الله أبا أحمد، فقد أعطى وكفى ووفى، عاش ثمانية عقود ونصف في طاعة ربه، وبناء دعوته، وخدمة قضايا أمته، ودرة التاج منها فلسطين، يا أهلنا في مصر أعظم الله أجركم يا إخوان الدعوة في مصر وفي كل مكان، أعظم الله أجركم وعوضكم الله وعوضنا خيراً في محطة مؤلمة يترجل بها الرجال العظام، والمطلوب منا الآن أن نملأ فراغهم، ونخلفهم بخير، ونمنحهم رضاً في قبورهم، بأن يواصل خلفاؤهم وأحبابهم وأتباعهم رفع الراية، والحرص على وحدة الصف، واجتماع الكلمة.