حماس ومشهد ما بعد القمة:‏ نفقٌ في نهاية النفق!!‏

d5ac27ef3d43cab70774aacef4bb6ff7.jpg
حجم الخط

بقلم:د. أحمد يوسف

 

 

كتبت الأقلام الكثير من الكلام عن القمة العربية في الجزائر، وما يزال هناك وفرة في ‏مِداد القراءات والتحليلات التي تأخذ طريقها على شاشات التلفزة وصفحات الجرائد ‏والمجلات، وإن كان هناك حالة من الإجماع مبنيَّة على حسابات القمم الثلاثين ‏السابقة، مفادها "لا خير في كثير من نجواهم"، وهي ليست أكثر من لقاءات للثرثرة ‏وقليل من منطوق الحكمة والقرار.‏
الجزائر مشكورة بذلت من الجهود الكثير قبل القمة، بهدف "لمِّ الشمل الفلسطيني"، ‏وأمَّنت من القمة العربية من المواقف الداعمة لاستكمال تطلعاتها في تحقيق ذلك.‏
لقد اجتهدت الجزائر في رعايتها للقمة العربية أن تمنح القضية الفلسطينية المكانة ‏المركزية في اهتمامات الأنظمة العربية، وأن تعيد لهذه القضية -شبه المنسية- ‏حضورها في الوجدان العربي، الذي أنهكت دوله المشاحنات وحالات الصراع القائمة ‏فيما بينها. ‏
‏ وما بين "لمّ الشمل" الفلسطيني و"لمّ الشمل" العربي تحديات كبيرة تنتظر الجزائر. نعم؛ ‏قد يبدو الرئيس عبد المجيد تبون والقيادة السياسية في الجزائر طامحين في إنجاز ‏جهود "لمّ الشمل" هذه، إلا أنَّ الكثير من هذه الأنظمة العربية تلهث -للأسف- خلف ‏مصالحها وارتباطاتها الأمنية والسياسية والاقتصادية بهذا التحالف أو ذاك، والتي قد ‏تحول دون وصولها إلى "نقطة التقاء" في منتصف الطريق، والتي إن تمت قد تُسهم ‏في خدمة قضية الأمة المركزية (فلسطين)، التي تداعت على تجاهلها وهجرانها الكثير ‏من الأمم.‏
إنَّ عملية "لمّ الشمل" الفلسطيني هي مسؤولية الفلسطينيين بالدرجة الأولى، ومن يمثلهم ‏من فصائل منظمة التحرير وحركتي حماس والجهاد الإسلامي، وقبل كلّ هؤلاء جميعاً ‏الرئيس محمود عباس (شيخ القبيلة وقبطان السفينة) على وجه الخصوص.‏
تأتي الجزائر بتعهداتها مع الجامعة العربية ثانياً، حيث وعدت بتشكيل لجنة عربية ‏لمتابعة ما تمَّ الاتفاق عليه في (إعلان الجزائر) للمِّ الشمل الفلسطيني الذي سبق القمة ‏بعدة أسابيع. ‏
إن التحدي الذي ينتظر هذه اللجنة هو مدى قدرتها على إقناع الطرفين (فتح وحماس) ‏بما جرى التوقيع عليه والتعهد بالالتزام به من إجراءٍ للانتخابات التشريعية والرئاسية.‏
لا شكَّ أن الجزائر ستوفر إمكانيات مالية ولوجستية ودعم دولي لتقليل فرص التهرب ‏وذرائع الاحتجاج من هذا الاستحقاق الانتخابي، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: ما ‏مدى استجابة الطرفين (فتح وحماس) لتقديم تنازلات تُشجِّع كلٍّ منهما على خوض ‏التجربة من جديد دونما تهديد أو وعيد بالإفضاء أو الشطب من الحياة السياسية، مع ‏تعهدات وضمانات بالبقاء ضمن الشراكة الوطنية في حسابات الحكم والسياسة. ‏
إنَّ إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية أو التشريعية ثمَّ الرئاسية ليس فقط هو المدخل ‏لرأب الصدع وتحقيق المصالحة الفلسطينية، بل هو الطريق لوضع رؤية استراتيجية ‏لمستقبل هذا الصراع مع إسرائيل، بحيث تتحمل دول المنطقة مسؤولياتها التاريخية ‏والقومية والدينية والأمنية في السياق الذي ترتسم فيه معالم خريطة الوجود الفلسطيني، ‏وشكل الدولة التي يتمثل فيها هذا الوجود.‏
بالمختصر المفيد، عندما يتعلق الأمر بالشأن الفلسطيني، فلن ينجح أحدٌ بالمزايدة على ‏الجزائر -رئاسة وحكومة وشعباً- في صدقية مواقفها تجاه فلسطين وأهلها، وصفحات ‏التاريخ تقف بالمرصاد لكلِّ من يحاول العبث أو التشكيك في ذلك، حيث إنَّ كيمياء ‏العلاقة بين الشعبين ا(لفلسطيني والجزائري) التي شكلتها تجارب المواجه المسلحة مع ‏الاحتلال الفرنسي والصهيوني، بما يمثلانه من توجهات استعمارية استيطانية، قد ‏عززت من وشائج تلك العلاقة وارتباطاتها العروبية والدينية والأخلاقية.‏
وعليه؛ فإن على حركة حماس أن لا تعطي أية ذرائع لإخواننا في حركة فتح للتهرب ‏من استحقاقات المصالحة، والاستقواء بفصائل العمل الوطني والإسلامي، والتي غدت ‏شريكاً في حوارات المصالحة وترتيبات الخروج من نفق الانقسام والتشظي. ‏
إن قادم الأيام يحمل في طياته مواجهات شرسة مع حكومة إسرائيلية تمثل أقصى ‏اليمين، يقودها نتانياهو وبن غفير، حكومة تضع على رأس أولوياتها الاستيطان ‏وتهويد المسجد الأقصى بالتقسيم الزماني والمكاني، ولا ترى حلاً للفلسطينيين في أية ‏سياقات وطنية من خلال حلِّ (الدولة الواحدة-ثنائية القومية) ولا (حلّ الدولتين)، ‏والخيار الذي تروج له هو (الأردن- الوطن البديل)!! وعلى قطاع غزه أن يتدبر أمره ‏في اتجاه العلاقة مع مصر أو البقاء كمستطيل محاصر يستجدي هذا الطرف أو ذاك. ‏
إنَّ علينا كفلسطينيين أن نتلمس طريقنا وحدنا، لأن الوقوف طويلاً وبلا رؤية وصيرورة ‏مسار عند "مفترق الطرقات"، سيجعل العجز والاستسلام خياراً يُفرض علينا حتى حين.‏
إن استمرار مسيرتنا لأكثر من سبعين عاماً داخل نفق البحث عن المصير، وبانتظار ‏رؤية الضوء وفضاء الظل، قد انهكتنا وأثقلت كاهلنا، حتى مع مشاهدة تضحيات ‏الأبناء والأحفاد في ملاحم البطولة والاستشهاد.‏
ما تزال مسيرة النفق طويلة ومكبلةً بعتمة ليل بهيم، وكلما أخذتنا بعض النسائم، ظننا ‏أن هناك ضوءا في نهاية النفق.. ولكن تأتي المفاجأة: نفقٌ آخر يلوح في نهاية ‏الضوء!! ‏
ما تزال الحرب في أوكرانيا تُشدُّ لها الأنظار، وتُجمع لها الحشود والموارد، وهذا ما ‏يجعل المظلومية الفلسطينية بعيدة عن الأنظار ولا تُشدُّ لها الرحال، وهو ما سيشجع ‏نتانياهو وبن غفير للتجرؤ في استمراء وضعية الضعف وواقع التشرذم الذي عليه ‏الحال. ‏
‏ إذا كان إعلان الجزائر ومباركة القمة العربية قد منحتنا شمعة مضيئة داخل النفق ‏المظلم، فإن عودة رياح التطرف العاتية للسياسة الإسرائيلية سرعان ما ينطفئ معها ‏الأمل بفرج قريب، وهذا ما يفرض على فتح وحماس تقاسم التبعات وتقديم كل ما يلزم ‏من تنازلات تخدم المصلحة الوطنية وتنزع ذرائع مهندسو الاتهامات لهذا الطرف أو ‏ذاك.‏
ختاماً.. إن لم تنجح المصالحة هذه المرة، فهنيئاً لنتانياهو وبن غفير ‏
للمضي قُدماً فيما يخططون له من سياسات الترانسفير!!‏