"أمهات الشهداء " صانعات الصبر والثورة

P5VlX.jpg
حجم الخط

بقلم: د هاني العقاد

 

 

الأم الفلسطينية عظيمة وعظمتها انها تربي أولادها على حب الوطن والتفاني من اجل عزته وكرامته والاستشهاد من اجل حريته، تربيهم على عدم الخوف من الاحتلال وملاحقته، تحثهم على مواجهته أينما لاحت فرصة للمواجهة، يذهبوا للسجن براس مرفوعة اذا ما اعتقلوا، تربيهم على الاقدام والمواجهة والاستشهاد من اجل القدس والاقصى، هي كباقي الأمهات تقلق اذا ما غاب احدهم طويلا، فالاحتلال لا يترك فلسطينيا دون اعتقال او اعدام وأحيانا كثيرة يعتقله ويطلق سراحه وبعد فترة يعدمه، الام الفلسطينية حملت البندقية بعد مخاضها بأيام لتحمي أولادها وتدافع عن بيتها، الام الفلسطينية اليوم هي فدائية مقاتلة تصنع الصبر والثورة باعتبارها المداد الحقيقي لتستمر مسيرة النضال من اجل التحرر والاستقلال .

 

 صعب على الام الفلسطينية ويكاد يكون غير مقبول إذا ما استشهد ابنها، البكاء والعويل والنحيب، وصعب على كل امهات الشهداء الفلسطينيين الحداد او ان يظهرن انهن منكسرات حزينات لفقدانهن أبنائهن ورحيلهم شهداء، بيوت العزاء بيوت عرس وثورة، بيوت تبث فيها الأغاني الثورية ويحمل كل الرجال البنادق تأكيدا على البقاء على عهد الشهداء بالا يلقي أحدا البندقية لتستمر المواجهة مع هذا المحتل الغاشم. فخرهم بأبنائهم شهداء، امر حير علماء النفس والخبراء الاستراتيجيين وعلماء البحث في طبيعة الانسان وأساليب الحروب النفسية، لم يتخيلوا كيف تفقد الام ابنها الشاب وتزفه شهيدا وتشيعه على اكتافها كالرجال، كيف تستقبله في بيتها معطرا بدم الشهادة وشرف النضال وعزة الرجال وكبرياء الفلسطيني الذي يرحل مقبلا وليس بمدبر، امر قد يكون من الاساطير الثورية لكنه حقيقة تحدث كل يوم في الضفة ومع ارتقاء كل شهيد, انه حال كل ام شهيد في وطني يا سادة الحروب.


ليست ظاهرة قد تتكرر في ميادين الكفاح ضد المحتل باي مكان بالعالم الا في فلسطين، الام الفلسطينية ام الشهيد والاسير والجريح كثيراً من الأحيان يهدم بيتها ويعتقل أبناؤها وزوجها وتتحدي الاحتلال ببناء بيت جديد ولا تنكسر لتستمر صابرة صامدة في بيتها تنتظر حرية زوجها وابنائها وغالبا ما تكمل الامهات الأدوار الوطنية ليس بالصبر وانما بتعزيز كل مسارات واشكال الثورة والكفاح اليومي من اجل دحر الاحتلال، الام الفلسطينية تزف ابنها وهي تبتسم تعلو هاماتها كل البشر راسها في السماء لان ابنها شهيد قهر المحتل وهي بابتسامتها وكبريائها أيضا تقهر المحتل الذي يعتقد ان ام الشهيد ستنكسر لفراق ابنها وتحزن وقد تقضي نحبها حزنا عليه , الام الفلسطينية غالبا ما تتسلم بندقية ابنها بعد استشهاده وتسلمها لرفقاء دربة ليواصلوا مهمتهم النضالية وغالبا ما تطلق الرصاص عهداً عليها امام رفقائه ان تستمر في النضال ومقارعة المحتل طالما بقي على تراب فلسطين . أمهات الشهداء في هذه الانتفاضة الثالثة كما كل انتفاضة عنوان للصبر والثورة ' حاميات للانتفاضة لتستمر وتتعاظم المواجهة مع المحتل كل يوم يحتفلن بعرس ابنائهن الشهداء واستقبلهم وبنادقهم مزينة بدمائهم، بالزغاريد والدموع يناشدن رفاق دربه بان يحافظوا على وصيته بالاستمرار في مقارعة المحتل والمستعمرين حتى يرحلوا عن ارض فلسطين.

ليست الأمهات فقط بل الاخوات والزوجات والابناء حتى الصغار منهم وكم من زوجه عاهدت زوجها الشهيد المضي في طريق تربية أبنائها كرجال لا يهابون الموت ولا يعرفون الخوف، كم من زوجة رفضت مغريات حياة اخرى مع رجل اخر لتبقي على ذكري حبيبها الأول الفدائي الشهيد والد أبنائها. كم من اخت اوصت كل النساء اللواتي حضرن لوداع الشهيد بعدم البكاء بل وداعه بالأغاني الثورية والزغاريد.

 

 كثيرا ما كتبت الصحف وتحدثت تقارير الفضائيات الدولية والعربية عن أمهات الشهداء ونقلن مراسيم استقبالهن ووداعهن لأبنائهن الشهداء في مشاهد لا تحدث الا في فلسطين ولا يمكن ان تحدث في مكان اخر غير فلسطين. عرف العالم ان الام الفلسطينية تتألم وتحزن وتبكي كأم لكن حزنها وبكاءها يبقي حبيسا ولا يراه احد الا ابتسامتها ولا يسمع احد الا كلمات الرضي عن ابنها الشهيد وكلماته الأخيرة في حب الوطن و وصاياه للرجال امثاله، نعم تبكي وتتألم لكن في وحدتها، صبرها آيات وعبر لكل نساء العالم ,كل القادمين لتهنئتها باستشهاد ابنها يهتفوا بصوت ثوري " ريت امي بدالك، يا ام الشهيد نيالك " انهن يصنعن الصبر والثورة وتكبر الثورة بصبرهن وصبرهن حافز حقيقي لكل الشباب بالالتحاق بصفوف المقاومين والتدرب على مواجهة المحتل دون خوف من الموت وانما يتمنون الشهادة.

فخرهن بأبنائهنالشهداء وحفاظهن على عهد الثورة والمضي في طريق التحرر دفعهن لتشكيل تجمع لأمهات الشهداء، أمهات كل شهداء المواجهات والعمليات الفدائية وشهداء التصدي لقوات الاحتلال المقتحمة للمدن والقري في صورة هي فخر لكل فلسطيني على وجه الأرض , يذهبن جميعا الى بيت عرس الشهيد ويجلسن جميعهن مع ام الشهيد فيكون المجلس كله من أمهات الشهداء فتتمنى من لم يستشهد ابنها ان يكون احد أبنائها شهيداً، تجمع أمهات الشهداء الفلسطينيين في الضفة اقوى تجمع ثوري عرفته الثورة حتى اليوم انه ليس كحزب سياسي او فصيل نسائي لكنه إصرار على المقاومة واسقاط الاحتلال ,كل يوم يكبر كلما تصاعدت جرائم الاحتلال والمعروف ان جرائم الاحتلال لن تتوقف الا بضراوة المقاومة واستمرار الثورة, هذا التجمع اربك كثيراً حسابات المحتل ليثبت له مرة بعد الأخرى ان كل قوة جيشة وكل سلاح مؤسسته الحربية لن يكسر صمود وفخر أمهات الشهداء اللواتي يصنعن الصبر ويعززن الثورة فقط بالأيمان بان أبنائهن ليسوا الا من اجل حرية وكرامة وعزة هذا الوطن واسقاط الاحتلال وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس.