أن تكون مريضا في بقعة جغرافية "استثنائية" مثل غزة، فهذا بحد ذاته يجعلك بين مطرقة انتهاكات حقوقك كافة ، من قتل وسلب للحرية وتدمير للمساكن ومصادرة للأراضي وتقييد للحركة نتيجة الحصار الإسرائيلي الجائر على هذه البقعة ، وسنديان جسد ينخره المرض، متهالكٍ بالٍ مهدد بالوفاة، لا يلبث أن ينهار ، مالم تتلقفه يد إنسانية ، وتسعى لبرئه وشفائه.
محمد وليد شاب فلسطيني من غزة عمره 18 عاما، شاب مجتهد يعشق العزف على البيانو ، صباح 25يناير 2022 تعرض لوعكة صحية مفاجئة استلزمت نقله للمستشفى وبعد الكشف من قبل الطبيب أثبت انه يعانى من اختلال كهرباء القلب وبحاجة لإجراء عملية جراحية لزرع جهاز لتنظيم ضربات القلب
بسبب عدم توافر الإمكانات الطبية اللازمة لعالج محمد في مستشفيات القطاع، فقد تم تحويله بشكل فوري للعلاج في مستشفى المقاصد في القدس.
والد محمد يقول: "في تاريخ 26يناير 2022 تقدمنا عبر دائرة الشؤون المدنية الفلسطينية للحصول على تصريح دخول من سلطات الاحتلال الإسرائيلي للسماح له بالمرور عبر حاجز بيت حانون "إيرز"، الواقع شمال قطاع غزة، من أجل الوصول إلى المستشفى لكي يتمكن من إجراء العملية لكن سلطات الاحتلال رفضت منحه بذريعة وجود احد أقاربه في الدخل المحتل.
ويُوضح أن وضع ابنه كان يزاد سوءا يوما بعد يوم قائلا " أفقدنا طعم الحياة ،والتنعم بها أصبحنا نعيش في قلق وتوتر كل واحد منا حزين".
بارقة أمل وسط تدافع اليأس
ويُتابع : "طرقت كل الأبواب (شايف ابني بضيع منى) حتى توصلت إلى أحد المراكز الحقوقية بغزة مبينا أن محامو المركز تدخلو وتمت مباشرة الإجراءات القانونية اللازمة، بما في ذلك من مراسلات مكتوبة ومن متابعة مباشرة على مدار الساعة .
بدموع الفرح، وصوت يحشد كميات هائلة من الأمل والألم، عبر محمد، عن سعادته العارمة بسماعه خبر نجح المركز في الحصول على موافقة لسفر بعد أسبوع من فقدان الأمل، قائلاً: "ظللت أكرار معقول ؟ ! مكنتش مصدق القرار لحد ما شوفت الرسالة بعيني".
يُبيّن محمد، أنه ينتابه شعور غريب ظل يراوده منذ خروجه من البيت حتى مغادرة معبر بيت حانون "إيرز" إلى الداخل المحتل قائلاً: "كنت مش عارف أفراح ولا أبكى".
بمجرد وصوله لمدينة القدس توجه محمد للمسجد الأقصى فحنينه وشوقه للمكان يكاد يأسر كل كيانه، لقد بكى شوقا بمجرد أن رآه و تحركت كل المشاعر الدينية التي هي بداخل أغلب المسلمين متمنيا لو يظل في المكان لباقي حياته .
تمتزج الآلام والأحلام في ملامح وجهه وهو يتذكر رحلة العلاج في مستشفى المقاصد بعيدا عن أهله ومشاق السفر وعذابات الاحتلال قائلا" من حسن الحظ أجرى لي العملية أطباء مختصين استطاعوا تفهم الحالة سريعا والمستشفى ممتازة للغاية".
انتظمت دقات قلب محمد وعاد إلى بيته ليعزف على البيانو الخاص به موسيقى الحياة بعد فصل من المعاناة مع السفر بإجراءاته المعقدة لا يقل عن معاناة مرضه .
معاناة مستمرة وإصرار على البقاء
يقول بصوته المخنوق: "إن الطبيب المعالج قرار له مراجعة عيادة القلب في مستشفى المقاصد بعد شهر من إجراء العملية حتى يضمن أن تعافيه يسير على ما يرام وضع خطة العلاج المقترحة من قبل الفريق الطبي ومتابعتها.
ويُضيف محمد: "إنه تقدم بطلب مراجعه لمستشفى لكنه تفاجأ هذه المرة مرفوض أمنى وممنوع من السفر عبر معبر إيرز بذريعة أن احد أقاربه مخالف" .
فبرغم أن حالته تزداد سوءًا بمرور الوقت، جراء منع وصوله إلى المستشفى،و تسبب له مشكلات خطير ة يقول هذا قدرنا راضى باللي ربنا كاتبه ولن نخضع لابتزاز المحتل وان شاء الله ستواصل مع المستشفى باى وسيله .
من جهته، يرى المحلل السياسي : علاء أبو عمرو " إن قرارات المنع الأمني التي يصدرها الاحتلال بحق المواطنين الذين يرغبون السفر لضفة لعدة أغراض عبر معبر إبراز أخرى مستندة لحجة واهية وذرائع مختلفة ، منطقية، ولا تستقيم ولا تقنع أحد ".
وأضاف"أبو عمرو إن هذه القرارات نابعة من منطق المحتل المزاجي هدفها تضييق الخناق على المسافرين لمنعهم من المغادرة للعلاج في محاولة يائسة لكسر إرادتهم والنيل من صمودهم .
انتهاك للقانون الدولي الإنساني
في تعقيبه على ذلك وصف أستاذ حقوق الإنسان في جامعة الإسراء بغزّة، د. علاء محمد مطر، الحصار المطبق الذي تفرضه سلطات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزّة بالكارثى، مُبيّناً أنّه أدى إلى تعذر توفير الإمدادات الضرورية لعمل المستشفيات والمراكز الصحية، ومن بينها "الأدوية والمستلزمات الطبية والمعدات وقطع الغيار وإمدادات الكهرباء".
وأوضح د. مطر، أنّ "الحصار الإسرائيلي حال دون تلقي العديد من المرضى علاجهم في مستشفيات القدس والضفة الغربية وداخل الخط الأخضر، علاوةً على ما تقوم به سلطات الاحتلال من محاولات للضغط على المرضى الفلسطينيين للتعاون الأمني معها مقابل السماح لهم بالعلاج خارج القطاع ".
وأضاف أنّ هذه الإجراءات العقابية تُشكل بصورة واضحة انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني، لا سيما المادة (33) من اتفاقية جنيف الرابعة، والمادة (75) من البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف المعقودة في 12 آب/أغسطس 1949والمتعلق بحماية ضحايا المنازعات المسلحة الدولية.
ازدياد معاناة المرضى من الرفض الإسرائيلي
وفي هذا السياق، أكّدت منظمات حقوقية انخفاض عدد التصاريح التي يُصدرها الاحتلال الإسرائيلي للفلسطينيين للعلاج خارج قطاع غزة.
حيث أفاد تقرير مركز الميزان لحقوق الإنسان، ـن سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية العام 2022 عرقلت سفر (5001) مريضـاً من قطـاع غـزة المحوليـن للعلاج عبـر تشـديد المعاييـر المتعلقـة بالحصـول علـى تصاريـح لاجتياز معبـر بيـت حانـون "ابرز ، الـذي يعتبـر المنفـذ الوحيـد لسـفر سـكان القطـاع إلـى باقـي الأرضي الفلسـطينية المحتلـة.
وأكد أن "سـلطات الاحتلال تفـرق بيـن الحالات المرضيـة وتصنفهـا مـا بيـن "إنقـاذ حيـاة" و"جـودة حيـاة"، وتحـرم المرضـى مـن الفئـة الأخيرة مـن العلاج رغـم خطـورة أوضاعهـم الصحية.
وتابع المركز أن "أن العراقيل جـاءت الإسرائيلية علـى أشـكال مختلفـة كحرمـان المرضـى مـن السـفر للعـاج بـدون إبـداء أسـباب "قيـد الدراسـة"، دعـوى توفـره فـي قطـاع غـزة ، الادعاء بـأن المـرض لا يشـكل خطـرا علـى الحيـاة، الدعـوى وجـود قريـب مـن العائلـة "مخالـف" للقوانيـن الإسرائيلية، طلب تغير المرافق للمريض .
وأشار الى أن “ سـلطات الاحتلال فرضـت عـدة إغلاق خلال العـام الحالـي علـى معبـر بيـت حانـون ” إيرز “، كان أخطرهـا بتاريـخ 2022/8/2 ،حيـث منـع إغلاق المعبـر لمـدة 6 أيــام12 ســفر حوالــي 700 مريــض مــن مرضــى الســرطان والأمراض الخطيــرة ممــن يتوفـر لهـم علاج فـي مشافى قطـاع غـزة.
وذكر أن "عدد حالات وفيات المرضى الذي تمت إعاقتهم عن تلقي العلاج من الاحتلال الإسرائيلي بلغت (8) مرضى، منهم (2) طفل،وبلغ عدد من تلقى ردا إسـرائيليا بـأن طلباتهـم "قيـد الدراسـة" عبر معبر بيت حانون إيرز (3878) "، بنسـبة %22.29 مـن إجمالـي الطلبـات المقدمـة حتـى تاريـخ 2022/08/31 ،والبالـغ عددهـا 1327 طلـب.
ورغم الجهود المضنية التي تبذلها المؤسسات الحقوقية العاملة في قطاع غزه من أجل تمكين المرضى من السفر عبر انتزاع موافقات من الاحتلال لهم لكنها في نفس الوقت تبقى مساعدات فردية لحالات بعينها بسبب تعنت سلطات الاحتلال في محاولة تخفيف القيود على سكان قطاع غزة عبر حجج واهية وذرائع مختلفة .