«سمر لي» هل تذكرتم هذا الاسم ؟ هي السياسية الأميركية التي فازت الثلاثاء بمقعد الكونغرس عن ولاية بنسلفانيا والمؤيدة لحقوق الفلسطينيين ابنة الرابعة والثلاثين من العمر والتي تطالب «بعدم التسامح مع الأعمال الوحشية التي ترتكب ضد الفلسطينيين»، سمر كانت قد أنهت في أيار الماضي إحدى أشرس معاركها بالانتصار في الانتخابات الداخلية لمقعد الحزب الديمقراطي مقابل خصمها ستيف أورين مرشح الآيباك الذي كلف اللوبي اليهودي حينها 2.3 مليون دولار لإسقاط سمر.
هذه المرة كانت المعركة أكثر شراسة ضدها بدعم مرشح الآيباك الجمهوري ودعاية سوداء كلفت أيضا ثلاثة ملايين لتشويهها وإسقاطها لكنها تمكنت من رفع شارة النصر ...فكانت نموذجا لموقف وموقع اللوبي وعلاقته بالساحة الأميركية.
هناك قصة كبيرة تمثل المرشحة التي تمكنت من الصمود أحد معالمها وهي تورط اسرائيل حد الغباء في الساحة الداخلية الأميركية، حيث الكثير من المرشحين للحزب هم من مؤيدي الحريات لتجد اسرائيل نفسها في صدام مع القيم الأميركية نفسها وليجد اتحاد الحريات المدنية الأميركي نفسه في حالة صدام وهجوم من قبل الايباك الذي وسع معركته حد فقدان توازنه السياسي لضرب مناصري الحريات حيث أصبح يصنف بأنه معادٍ للحريات، وهو ما كشفته الانتخابات الأميركية.
يتورط الايباك أكثر ليجد نفسه داعما لأسماء مجددة من أعضاء الكونغرس من الحزب الجمهوري من الذين اعتبروا أن انتخابات 2020 قد تم تزييفها، وهذا ليس مساسا بالقوانين الأميركية بل اعتبر تحديا سافرا للحزب الديمقراطي وتدخلا سافرا بالداخل الأميركي وانحيازا للجمهوريين بما يفسره الحزب الديمقراطي باعتباره إعلان حرب وهذا أصبح جزءا من الحقيقة.
الحقيقة الأخرى أن هذا التورط للوبي اليهودي يضعه مدافعا عن أقصى اليمين في اسرائيل على حساب المصالح والحريات والقوانين والتصالح الداخلي الأميركي، فهو يبدو كمن يقوم بعملية تجريف للقيم الأميركية بمناصبته العداء وضخ الملايين في دعم مرشحين فوضويين متطرفين معادين للحريات ما لفت نظر صحيفة بريطانية مثل الغارديان للإشارة باندهاش إلى حجم المبالغ التي يدفعها لهؤلاء وهذا ما قد أصبح جزءا من النقاش العام في الولايات المتحدة.
هذا الأمر وضع يهودا يصوتون لصالح الحزب الديمقراطي في وضع محرج لينشر 240 منهم رسالة إدانة لسلوك الايباك ومبالغه التي ينفقها ضد الديمقراطيين ومعاداته للحريات ومهاجمة مرشحين محترمين يمثلون وجه أميركا لا وجه اليمين الاستيطاني. وتعيب الرسالة التي نشرت الخميس الماضي على منظمة الايباك أنها تحمل مشروع اليمين المتطرف في اسرائيل على حساب مصالح الشعب الأميركي وانها تضع اسرائيل أولويتها وقد أصبحت يمينية أكثر من اليمين نفسه.
منظمة الايباك كانت الأكثر تأثيرا ونفوذا وهي تحدد من سينتصر وكانت محل خشية جميع المرشحين دوما يتقرب لها الجميع، والآن بات ينظر لها وهي تدخل معاركها مسلحة بالمال ولا تنتصر فيها جميعا، وبعد أن لم تكن تعرف الهزيمة أصبح ينظر لها لدى البعض الفاعل كمنظمة خطرة على الداخل الأميركي فقد خاضت معاركها في السنوات الأخيرة دون حسابات كما اعتادت، ويبدو أن خساراتها أفقدتها ذلك التوازن حيث يتراجع تأثيرها رغم الملايين لصالح مرشحين مؤيدين للحق الفلسطيني والذين يتقدمون بهدوء، من أربعة مرشحين في انتخابات 2016 إلى ستة مرشحين في انتخابات 2020 ليتضاعف عددهم في انتخابات الثلاثاء الماضي لنصحو على أحد عشر مرشحا أديرت ضدهم معركة في غاية الشراسة لكنهم انتصروا.
كانت الايباك قاسما مشتركا بين الحزبين في الولايات المتحدة والآن يتضاءل حجمها الآن لتحسم نفسها لصالح الحزب الجمهوري بل وأكثر لصالح حالات شعبوية متطرفة منبوذة أميركيا في الحزب الجمهوري. ويبدو أن اليمين في اسرائيل الذي يوجه هذه المنظمة لم يقرأ جيدا التغيرات الديمغرافية نفسها في الولايات المتحدة لصالح الأقليات والسود والعرب وحتى لليهود المتماثلين مع قيم الحريات وهو ما عكسته الانتخابات الأخيرة في الفوز غير الكاسح للحزب الجمهوري للانتخابات رغم الواقع السياسي والاقتصادي المتراجع للولايات المتحدة في عصر بايدن والذي يستدعي هزيمة ساحقة للديمقراطيين وهو ما ينذر بتضاؤل كتلة التصويت للجمهوريين مع الزمن. وهو ما دعا أحد أعضاء الكونغرس الجمهوريين قبل عامين لأن يطلق صرخته «إذا ما سقط ترامب ستكون آخر مرة يفوز فيها رئيس جمهوري».
درجت العادة في الانتخابات النصفية أن يفوز الحزب المعارض للسلطة، هذا تقليد سياسي يعرفه المتابعون للشأن الأميركي لذا يصبح التقدم غير الكاسح للجمهوريين في مجلس الشيوخ والمتواضع في النواب محل سؤال أمام التحولات في الولايات المتحدة والتي لا تسير لصالح الجمهوريين على المدى الطويل، وبالتالي لا تسير لصالح اليمينية المتطرفة في اسرائيل ومع المسار الأميركي المدني والأقليات والليبرالية وما يقابلها من انزياح اسرائيلي ثابت نحو اليمين والصهيونية الدينية ما يعطي مؤشرا أكثر تفاؤلا للفلسطينيين يعكسه بالقطع هذا الزحف الهادئ لمؤيديهم في الكونغرس يقابله تقهقر صاخب لمرشحي اسرائيل.
وفيما تسير أميركا والمجتمع الأميركي نحو قيم الليبرالية والعدالة والحريات المدنية يوغل المجتمع الاسرائيلي نحو قيم اليمينية المتطرفة التي يمثلها صعود بن غفير، فهل يسير المسار نحو طلاق قيمي بين المجتمعين وبين الدولتين ؟ قد يكون من المبكر قول ذلك وقد لا يكون مرئيا الآن ولكن لا يمكن قراءة التطورات الحاصلة دون التوقف عندها بل ويسرع الايباك في ذلك ما دعا عضو الكونغرس الديمقراطي البارز بيرني ساندرز ليقول مستنكرا: «إنهم يفعلون كل ما في وسعهم لتدمير الحركة التقدمية في هذا البلد» لذا يبدو الناشط البارز في الولايات المتحدة الصديق سنان شقديح الذي استهدفته دعاية الايباك السوداء ويحسب له الكثير من الجهد هناك لصالح ايصال مؤيدين للحقوق الفلسطينية في غاية التفاؤل بالمستقبل وهو يقرأ النتائج في طريق عودته من معركة الثلاثاء الماضي قائلا: «لندعهم يتورطون».