في ربيع العام 2006 فاز إيهود اولمرت وحزب كديما في انتخابات الكنيست الـ 17. سبق أن شغل اولمرت منصب القائم بمقام أعمال رئيس الحكومة نحو ثلاثة أشهر، بعد الجلطة الدماغية التي أصابت سلفه، ارئيل شارون. بعد الفوز المدوي على "الليكود" في الانتخابات توجه رئيس الحكومة الغض لتشكيل حكومته. طلب شريكه الكبير، عمير بيرتس، من حزب العمل، من أولمرت تعيينه في البداية في وزارة المالية بناء على طلبه. ولكن في حينه ثارت عاصفة في قطاع الاعمال. ضغط كبار رجال الاقتصاد على أولمرت كي لا يعين بيرتس في هذا المنصب الحساس بذريعة أن رئيس حزب العمل المخضرم سيضر بانجازات الاقتصاد الإسرائيلي، الذي أنهى لعق الجراح بعد سنوات الازمة الصعبة في الانتفاضة الثانية.
أسقط اولمرت في يده، وعين بيرتس وزيراً للدفاع، رغم عدم وجود أي تجربة له. عندما أكمل الاسبوع الاول في مكتب وزارة الدفاع في بداية أيار سارع بيرتس الى استدعاء الاشخاص الذين لهم أعمدة في صحف ايام الجمعة من اجل تقديم احاطة شخصية، ومن اجل إجمال بداية نشاطه. ورغم القدرات الشخصية والودودة للوزير الجديد فقد تسرب شيء من الخوف الى قلوب ضيوفه. كان يبدو بشكل واضح أن بيرتس لا يعرف الكثير عن المجال الذي تولاه. في محيط رئيس الحكومة هدؤوا من قلقهم، في الاصل هكذا قيل، السياسة الأمنية يتم توجيهها من مكتب أولمرت. وظيفة وزير الدفاع هامشية نسبياً في الهرم. وفي حالة حدوث أي مشكلة فهناك رئيس الاركان، دان حلوتس، الذي يقف الى جانب رئيس الحكومة، وهو طيار حربي وقائد سلاح الجو وتوجد له تجربة كبيرة. وسيكون الامر على ما يرام.
لكن هذا انتهى بالنهاية التي يعرفها الجميع. ففي بداية حزيران 2006 بدأ تصعيد جديد في قطاع غزة، الاول من نوعه منذ استكمال الانفصال في الصيف السابق، وفي 25 حزيران تم اختطاف جلعاد شاليت. بعد اسبوعين ونصف اختطف "حزب الله" جثث الجنود في الاحتياط الداد ريغف واودي غولدفاسر على الحدود الشمالية. انزلقت إسرائيل بدون علمها الى داخل حرب لبنان الثانية. لم يكن بيرتس بالطبع المتهم الرئيسي في ذلك الصيف الكارثي. إسهام اولمرت وحلوتس والاداء الفاشل للجيش الإسرائيلي في اجزاء كبيرة من المعركة هو الذي أدى الى التعادل البائس والمخيب للآمال مع "حزب الله"، الذي كان في حينه خصماً ضعيفاً بما لا يقدر مقارنة بقوته الآن.
مع ذلك، تبين أن القليل من الفهم والتجربة السابقة في المجال هي امور مطلوبة حتى في منصب وزير الدفاع، حتى لو لم يكن بالضرورة على رأس الهرم. بعد سنة في منصبه تم إقصاء بيرتس وغادر حلوتس قبله، واستمر اولمرت سنة ونصفاً اخرى قبل أن تزداد مشكلاته القانونية وتم إنهاء حياته السياسية نهائياً.
في الايام الاخيرة، كما نشر، يفحص بنيامين نتنياهو تعيين بتسلئيل سموتريتش في منصب وزير الدفاع القادم. الى جانب حقيبة الامن الداخلي لمُشعل الحرائق رقم واحد، ايتمار بن غفير، يطالب فصيلا قائمة الصهيونية الدينية بإحدى الحقائب الرئيسية، المالية أو الدفاع، للشريك الكبير. الاحزاب الدينية قلقة من فكرة أن ممثل المستوطنين سيجلس قرب الخزينة العامة (وسيقطع طريق ممثليهم). أيضاً في "الليكود" غاضبون. حقيبة الدفاع تذكر بديلاً مناسباً، وفي هذه المرحلة تصعب معرفة هل يدور الحديث عن بالون اختبار وعن مناورة أو احتمالية حقيقية.
من المحتمل أن يقرر نتنياهو تجنب ذلك، سواء خوفاً من الاضرار بالعلاقات الحساسة مع الادارة الأميركية أو من اجل أن لا يدير سموتريتش "المناطق" تحت انفه. ولكن حتى لو حصل سموتريتش على حقيبة الدفاع فستسمع مرة اخرى الاقوال المهدئة بأن نتنياهو سيمسك بزمام الامور بشكل قوي. هو سيكون الشخص البالغ والمسؤول وستتخذ القرارات بينه وبين رؤساء اجهزة الامن.
سموتريتش سياسي حاد وذكي بما لا يقدر عن بيرتس، الشخص الذي حلق بعد ذلك بسنوات شاربه مع الوعد بعدم الانضمام لحكومة نتنياهو (بعد ذلك بالطبع قفز اليها في اول فرصة). هناك من يقولون بأنه كان وزيراً ممتازاً للمواصلات، حتى لو أنه لم يهتم بدرجة حرارة التكييف في القطار أو اتبع تجديدات لغوية بعيدة المدى، لكن وزارة الدفاع، اذا حصل عليها، فهو سيأتي اليها مع اجندة محددة جدا، كان يمكن أن نعرف عنها من تصريحاته، الاسبوع الماضي.
اختار الوزير المكلف استغلال الايام الاولى بعد فوزه في الانتخابات لتوجيه هجوم مزيف تاريخياً على "الشاباك" حول قتل اسحق رابين والدعوة المتكررة لحل الادارة المدنية في الضفة الغربية. من المحتمل أن يكون للدمج بين قوة نتنياهو والمقاعد المريحة المصنوعة من جلد الغزال تأثير مهدئ على سلوكه وسلوك أصدقائه. حتى الآن لا يظهر الامر هكذا. يتصرف اعضاء الحكومة القادمة الآن وكأن الصمت هو وحل. في كل ما يتعلق بالقانون والقضاء فان رؤساء "الليكود" يأتون مع نفسية أنهم لا يأخذون أسرى. رأس الحربة لنشاط الائتلاف القادم سيكون قضائيا، وهذا هو المطلوب لنتنياهو من اجل وقف الإجراءات الجنائية ضده أو على الاقل تهدئتها.
لكن سيكون لهذه الإجراءات ايضا عواقب امنية. أولا، تمرير فقرة الاستقواء سيمكن من شق مسار التفافي لمسائل حساسة، أنقذ تدخل المحكمة العليا فيها الدولة من التورط فيها في السابق. مثال بارز على ذلك هو مبادرة قانون التسوية الذي استهدف شرعنة مكانة البؤر الاستيطانية غير القانونية في الضفة الغربية.
ثانيا، أي اجراء يفوز فيه نتنياهو بدعم من شركائه سيكون له ثمن، وجزء كبير من الثمن الذي سيطلبه اليمين المتطرف سيتم دفعه بـ "المناطق". يركز الإعلام على بن غفير وعلى الاستفزازات المحتملة في الحرم وحول وضع السجناء الامنيين. يجب ايضا الانتباه الى شريكه الذي هو متزن أكثر منه.
قيود القوة
مهما كان الأمر، كان من الصعب تجاهل أجواء المعاقين التي سادت، هذا الأسبوع، في أروقة هيئة الأركان العامة. كان القلق فقط من نصيب التاركين، وزير الدفاع بني غانتس وحاشيته. في اليمين يتهمون منذ سنوات كبار قادة جهاز الأمن بالانحراف نحو اليسار، سواء بسبب خلل تعليمي في البيت أو انحراف مفاجئ عن السطر بعد التحرير. "خلال السنين يصبح رؤساء الموساد والشاباك يساريين"، اشتكى ذات مرة عضو الكنيست دافيد بيتان (الليكود). "كان مئير دغان يمينيا متطرفا، لكنه خرج من الموساد على عكس ذلك".
عمليا تفسير ذلك مختلف وتآمري. فتولي منصب امني كبير في إسرائيل يوفر درساً ضرورياً حول حجم المسؤولية وقيود القوة، اكثر بكثير من الحفاظ على الوضع الامني في إسرائيل (الجيد مقارنة بالأخطار)، ومن التفوق النوعي للجيش الإسرائيلي والتفوق الاستخباري، تعتمد على التعاون الدقيق مع الولايات المتحدة والحلفاء الاقليميين مثل مصر والاردن ودول الخليج. امور كثيرة جدا يمكن أن تختلط، والمسافة بين الهدوء النسبي والاشتعال الذي يسقط فيه الكثيرون، يمكن احياناً أن يكون موضوع دقائق وليس ساعات، كما تم توضيح ذلك ايضا في 2006.
نتنياهو، الذي في معظم سنوات حكمه كان من الحذرين والمنضبطين في استخدام القوة العسكرية، يعرف ذلك جيداً، وعلى هذا ايضا هو يستحق التقدير. السؤال هو هل سيحاول توريث هذا الفهم لشركائه، الذين بعضهم جديد نسبياً على هذه المهنة حتى لو كان لا يعاني الآن من الشعور المتغطرس والمتعالي الذي اتسم به سلوكه بعد فوزه في انتخابات 2015 (الذي جلب له بعض المشكلات القانونية التي تطارده الآن)؟
من يحسن فهم عظم المسؤولية ايضا هو غانتس. ففي السنوات التي شغل فيها منصب وزير الدفاع، في البداية في ولاية نتنياهو وبعد ذلك في ولاية نفتالي بينيت ويئير لابيد، تصرف غانتس على الأغلب باعتباره الجهة المسؤولة والكابحة في مجال الأمن. فقد أعطى الجيش الإسرائيلي حرية النشاط العملياتي المطلوب في ساحات مختلفة، وأحسن فهم احتياجات الجهاز وحافظ على علاقات فعالة وناجعة مع الأميركيين والدول السنية الصديقة وحتى مع السلطة الفلسطينية، التي عانت قيادتها بشكل أساسي من خيبة الأمل من حكومة التغيير. مع الشركاء الأقل تجربة في الحكومة، واحيانا عندما كان الجيش يضرب بأقدامه كان من السهل تدهور الوضع امام السلطة الفلسطينية من خلال عقاب جماعي أو شن عمليات استعراضية، حتى بعد موجة "الإرهاب" التي بدأت في آذار الماضي. كان غانتس متمرساً وحكيماً بما فيه الكفاية لتجنب ذلك.
لم يكن الوزير التارك في أي يوم ثورياً كبيراً، وفي البند السلبي في ميزانه يجب ذكر الإصلاحات الهامشية التي اجراها في نموذج التجنيد والخدمة في الجيش الإسرائيلي، الامر الذي اعترف به بأسف في لقاء وداع المراسلين العسكريين، هذا الاسبوع. هذه مشكلات ستوضع امام الحكومة الجديدة وأمام رئيس الأركان القادم، هرتسي هليفي. ولكن قبل ذلك ستوفر "المناطق" للحكومة عملا لا يتوقف، حتى بدون مبادرات استثنائية من جانب الجناح المتطرف في اليمين. على الأجندة تقف، ضمن أمور اخرى، قرارات حول إخلاء بؤرة افيتار والمدرسة الدينية في المستوطنة التي اخليت، حومش، وقرية الخان الأحمر البدوية. مؤخراً تقريباً لا يمر يوم بدون أن يسجل في الضفة عمل "تخريبي" عنيف لنشطاء اليمين ضد ممتلكات وحقول الفلسطينيين.
يجب الانتباه كيف سيتم نقل رسائل بين المستوى السياسي الجديد وبين المستويات المهنية. هذا ليس فقط سموتريتش والرد اللاذع لـ "الشاباك" على الادعاء بأن التلاعب الذي قام به جهاز "الشاباك" شجع على قتل اسحق رابين في 1995. ارسل بن غفير، هذا الاسبوع، رسالة تهديد لرئيس الأركان، افيف كوخافي، بعد أن نشر ينيف كوفوفيتش في "هآرتس" عن التعيين الغريب للمتحدث السياسي بلسانه للخدمة كجندي نظامي في قسم المتحدث بلسان القوة البشرية. في مساء الثلاثاء دخلت قافلة فيها اعضاء كنيست من اليمين الى قبر يوسف في نابلس بعد ضغوط سياسية استخدمت على الجيش الإسرائيلي (شاب فلسطيني ابن 16 قتل في مواجهة مع الجنود). هناك جمهور واسع في اليمين المتطرف ينتظر مثل هذه الاستفزازات، ليس اقل مما يتوقع تحسين الوضع الامني في شوارع الضفة. الذين سيجلسون في القريب على الكراسي الجلدية المصنوعة من جلد الغزال سيكون مطلوباً منهم مواصلة تزويده بهذه الاستفزازات.
عن "هآرتس"
