هارتس : نتنياهو يضحي بالاستقرار الأمني والسياسي لينجو من المحاكمة!

عاموس-هرئيل.jpg
حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل



الهدف من وراء سلسلة الأخبار خلال الأسبوع الماضي هو تطبيع تدريجي لما لا يمكن تصديقه. توزيع الحقائب الوزارية يبدو حتى موعد الانتخابات هذياناً - إيتمار بن غفير للأمن الداخلي، بتسلئيل سموتريتش لوزارة الدفاع - وقد مر بمسار شرعنة سريع من خلال تسريبات محسوبة للإعلام. تنصيب مجرم مُدان، بن غفير، مسؤولاً عن كل نشاط الشرطة، لم يعد يؤدي إلى الاستغراب. أما المحللون السياسيون فإنهم مشغولون جداً بتفاصيل عمليات البيع والشراء بين رئيس الحكومة المنتخب، بنيامين نتنياهو، وشركائه في الائتلاف.
إمكانية حصول سموتريتش على وزارة الدفاع، بالإضافة إلى وزارة الداخلية وعضوية في الكابينيت لصديقه بن غفير، تُطرح الآن كسيناريو واقعي جداً. وإن لم يحدث هذا في نهاية المطاف، سيكون السبب، على ما يبدو، صراعات القوة بين "الصهيونية الدينية" والأحزاب الحريدية، أو طلبات المسؤولين الكبار في "الليكود". ولن يكون السبب الأكثر بساطة ومنطقية: إن تنصيب سياسيين أصحاب أيديولوجيا متطرفة، لديهم خلفية استثنائية ومشاكل مع أجهزة الأمن نفسها، من الممكن أن يقصّر الوقت المتبقي لاشتعال الساحة الفلسطينية مرة أُخرى، وأن يضع الحكومة على مسار صدام مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي.
لا يلعب نتنياهو وحيداً في ملعب فارغ. فمنذ انتصاره في الانتخابات قبل أسبوعين، حدث تطوران مهمان في الساحة الدولية. الأول، هو أن الموجة الحمراء التي توقعتها الاستطلاعات الأميركية لم تتحقق، ولم يفقد الديمقراطيون الأغلبية في مجلس الشيوخ. وعلى عكس التوقعات، فإن إدارة بايدن لن تُشَل نهائياً خلال العامين المقبلين. وإذا بدا الرئيس بايدن كالطاووس الجريح، فالسبب هو السن وتراجُع قدراته، وليس لأسباب سياسية. وفي هذه الظروف، من الصعب رؤية الأميركيين يطبّعون العلاقات مع وزارات مركزية يقف على رأسها كلٌّ من إيتمار بن غفير وسموتريتش. وأكثر من ذلك، من الصعب رؤيتهم يتصالحون، من دون احتجاج، مع خطوات إسرائيلية أحادية الجانب، كانت قد تجمدت مدة عامين، كـ"شرعنة" البؤر الاستيطانية غير القانونية.
ثانياً، أن الجمعية العمومية للأمم المتحدة قررت الموافقة على مشروع القرار الذي بادرت إليه السلطة الفلسطينية، والذي بحسبه ستطلب المنظمة من محكمة العدل الدولية طرح وجهة نظرها بشأن تداعيات الاحتلال في الضفة الغربية. وفي غياب مفاوضات سياسية، وبينما تسيطر على إسرائيل حكومة متطرفة أكثر من سابقاتها، لن يكون من الصعب التوقُّع أن يتوجه الفلسطينيون بمبادرات أُخرى كهذه في الساحة الدولية. النتيجة ستكون معركة دفاعية مستمرة، يرافقها تشديد الخطوات القانونية ضد إسرائيل. ليس من المتوقع بالضرورة حدوث "تسونامي سياسي"، كما توقّع أيهود براك، من دون أن ينجح، في سنة 2011. العالم لديه الآن ما يكفي من المشاكل، وعلى رأسها الحرب الأوكرانية وأزمة الطاقة في أوروبا. وعلى الرغم من ذلك، فإن نتنياهو من المتوقع أن يواجه جبهة عدائية أكثر من السابق.
ستتقاطع هذه التوقعات مستقبلاً مع الوضع المتوتر أصلاً في الميدان. خلال آذار تجددت موجة العمليات الفلسطينية، وبدورها ردت إسرائيل بخطوات عسكرية واسعة أكثر، وبصورة خاصة في شمال الضفة. بعد سقوط أكثر من 130 قتيلاً فلسطينياً، و26 قتيلاً إسرائيلياً، لا توجد مؤشرات للهدوء. محاولات تنفيذ العمليات، وتعزيز قوات الجيش في الضفة وخط التماس، وحملات الاعتقال في جنين ونابلس، كل هذا جزء من الروتين اليومي الجديد الذي يحدث بكثافة أكثر مما كان عليه منذ سنة 2016.
وفي الخلفية، تتراجع سيطرة الحاكم الفلسطيني القديم، محمود عباس، على ما يحدث. الورثة المتوقعون بدؤوا يتحضرون لمعركة الخلافة على منصب رئيس السلطة، والتي يمكن أن تكون عنيفة.
يعلم نتنياهو أن رؤية شركائه بعيدة كل البعد عن رؤية قادة أجهزة الأمن - رئيس هيئة الأركان الحالي ووريثه، ورئيس "الشاباك"، ومنسق أعمال الحكومة في الضفة، ومفتش عام الشرطة - حيال كل ما يخص الظروف في الساحة الفلسطينية. وإن منحهم ما يريدون سيحدث لأن نتنياهو يعتقد أنه لا يملك بديلاً. لإزالة التهديد الجنائي الذي يحلّق فوقه، فإنه يحتاج إلى دعم الحريديم واليمين المتطرف لاستكمال سلسلة التشريعات السريعة. ستتم التضحية باحتمالات الهدوء الأمني لمصلحة ثورة قضائية.
في هذه الحالة، سنكون للمرة الأولى أمام وضع، حيث نصف أعضاء الكابينيت لم يؤدوا الخدمة العسكرية، أو أنهم أدّوا خدمة قصيرة فقط. عدد كبير من أولادهم وأحفادهم أيضاً لم يخدموا في الجيش، ولا ينوون الخدمة (وهو موضوع يأمل الحريديم بالمصادقة عليه نهائياً، عبر قانون التجنيد الجديد). وسيتخذ جزء كبير من هؤلاء الوزراء قرارات مصيرية بالقيام بعمليات عسكرية، وحتى حروب، من دون أن يكون أبناء عائلاتهم، أو ناخبوهم، في الخط الأول على الجبهة، أو الثاني.
ولهذا، سيُضاف عامل عدم وجود الخبرة النسبي لدى أعضاء الكابينيت في القضايا العسكرية والأمنية. فباستثناء السيرة العسكرية للجنرال يوآف غالانت (الليكود) وعضوية أرييه درعي الطويلة في الكابينيت (شاس)، فإن هذا الجسم سيكون خفيفاً جداً. في حكومات اليمين السابقة كان الوضع عكسياً. قبل عشرة أعوام، أعضاء الكابينيت أصحاب الخبرة، مثل موشيه يعالون ودان مريدور وبيني بيغن، كبحوا خطة نتنياهو وباراك لضرب إيران. وفي سنة 1982 طرح الوزير دافيد ليفي مواقف محسوبة ومكبوحة في حكومة بيغن الثانية، استناداً إلى ما ورد إليه من أولاده في جبهة بيروت، وعارضوا خط وزير الأمن شارون، حينها، المضلل.
بعد أن يجلس كلٌّ من سموتريتش وبن غفير على كراسي الوزارات، سيتوجب علينا الانتظار لرؤية كم سيكونون براغماتيين، إلى أي حد سيوافقون على وضع مبادئهم جانباً وتأجيل تحقيق طموحاتهم، مقابل القوة الجديدة التي يملكونها. في سنة 1998، أسقط ممثلو المستوطنين حكومة نتنياهو الأولى، بادّعاء أنها ليست يمينية بما يكفي. بعد نصف عام، انتصر أيهود باراك على نتنياهو في الانتخابات، وفُتحت الطريق إلى كامب ديفيد مع الفلسطينيين.
بحكومته الجديدة كما تبدو الآن، من الممكن أن يجد نتنياهو نفسه أمام أزمة أمنية صعبة في الضفة خلال بضعة أشهر، وإلى جانبه توتُّر عالٍ في العلاقات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي (وهذا من دون قدرة على التوقُّع كيف سيتصرف مع إيران، وإن كان حلفها الجديد مع روسيا سيدفعها إلى الخروج إلى رهان آخر في الطريق إلى القنبلة النووية الأولى). في هذه الظروف، التي لا تُعَدّ سيناريو متطرفاً، يمكن أن يبحث تشكيلة الحكومة مرة أُخرى. ينتظر سموتريتش وبن غفير مناصب كبيرة في الحكومة كما يبدو، والسؤالان هما: إلى متى سيستمران في هذه المناصب؟ وفي أيّ ظروف؟

عن "هآرتس"